تركي بن رشود الشثري ">
انفعال نفسي يحمل الإنسان على الاندفاع في قول وفعل ما، قد لا تُحمد عقباه. وقد جاءت الشريعة لتحصين عقول الناس وقلوبهم ونفوسهم وأبدانهم من مس الضرر، وبُعث النبي الكريم - عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم - ليتمم صالح الأخلاق. ومما لا شك فيه أن الحلم وتحمل رعونات الناس وعدم مقابلتها بالمثل مما ترغِّب فيه الشريعة، وتدعو إليه، كيف لا وآثاره الحميدة لا ينكرها عاقل، ولا تخطئها فطرة. وقد كانت سجية النبي - صلى الله عليه وسلم - العفو والصفح والمسامحة وغض الطرف، كيف لا وهو على خلق عظيم، كيف لا وقد كان خلقه القرآن. ونحن مطالبون بالاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - في قوله وفعله وحاله.. وقد نهانا عن هذا الخلق بعينه. وقد طلب أحدهم منه - صلى الله عليه وسلم - الوصية كما في حديث أبي هريرة في البخاري فقال «لا تغضب». فكرر عليه الطلب وهو يقول «لا تغضب». لماذا؟ لعلمه - صلى الله عليه وسلم - بالآثار الوخيمة لهذا الخلق الذميم، ألا وهو إنفاذ أثر الغضب، وإلا فالغضب في حد ذاته كجمرة يلقيها الشيطان في قلب العبد، قد يكون مما لا يد للعبد فيه، ولكنه مطالَب بعدم الاسترسال مع هذا الانفعال، والعمل بمقتضى ما يمليه هذا الغضب؛ فالأمر منصبٌّ على كيفية إدارة الغضب، وهذه منبعثة من إتقان إدارة النفس والمشاعر. قال النبي - صلى الله عليه وسلم - كما عند مسلم من حديث عبدالله بن مسعود: «ما تعدون الصرعة فيكم؟». قال قلنا «الذي لا يصرعه الرجال». قال: «ليس بذاك؛ ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب». وهذا الحديث باب في إدارة الانفعالات؛ فيتقرب العبد إلى الله بكظم هذا الغيظ. وما هي الجائزة؟ ينادى به على رؤوس الخلائق يوم الدين؛ ليختار أي الحور العين يشاء مما تقر به عينه، ويطمئن به قلبه. فهل يباع هذا بالصراخ والاضطراب والخروج عن الطور مما يؤدي لقطع الأرحام وتفريق الناس وشحن النفوس وتغير القلوب؟! الغضب مرضٌ، وإنفاذه ألم، وآثاره ما تعلمون وما لا تعلمون، ومن أقلها سقوط الغضوب من أعين أهل الكمالات، واجتراء السفهاء عليه، يهارشونه ويهارشهم.. ولا نختم بأفيد من التذكير بأن الحلم - وهو الخلق الفاضل المقابل للغضب - منه ما هو وهبي (هبة من الله)، ومنه ما هو كسبي (من اكتساب العبد). فالأول وهو الوهبي عرفناه من حديث أشج عبد القيس عندما قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة» رواه مسلم. وعند غير مسلم قال:«يا رسول الله، أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما»؟ قال «بل جبلك عليهما». قال «الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما ورسوله». وعليه، فلا عذر لمن قال أنا رجل غضوب، أو أن دمي حار كما يرددون، والدليل عدم إنكار النبي - صلى الله عليه وسلم - على الرجل عندما قال تخلقت بهما. والدليل الآخر مر معنا وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تغضب». والشريعة لا تكلف بما لا يُطاق وبما ليس في الوسع، بل هي شريعة السماحة والسعة واليسر.. لذلك لا تغضب.