تشبّه الرجال بالنساء والنساء بالرجال سلوك مشين في المجتمعات الإسلامية ">
الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
بدأت تتفشّى في المجتمعات الإسلامية ظواهر بعيدة كل البعد عن تعاليم الإسلام وقيمه، ومما زاد في انتشارها تعدّد وسائل الإعلام وتلقي الناشئة والشباب من الذكور والإناث هذه السلوكيات السّيّئة، ومن ذلك تشبّه الرجال بالنساء أو تشبّه النساء بالرجال وهي كبيرة من الكبائر الذي هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله.
وشريعتنا الإسلامية حرّمت تشبّه الرجال بالنساء وتشبّه النساء بالرجال، وجاء التغليظ في النهي عن ذلك، حتى لعن النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أولئك المخالفين للفطرة التي خلقهم الله تعالى عليها.
ويؤكّد المختصون أنّ هذه الظاهرة ليست وليدة الصدفة، ولكنها نتاج التطوّر الحاصل في المجتمعات، ومن أسبابها نقص الإيمان وقلّة الخوف من الله، والتربية السيئة، والتقليد الأعمى، والقدوة السيئة وغير ذلك.
ضياع الهوية
وتؤكّد الدكتورة هدى بنت دليجان الدليجان أستاذة الدراسات القرآنية بجامعة الملك فيصل بالأحساء أنّه ظهرت خلال السنوات الماضية أفعال وسلوكيات منحرفة بين أوساط الشباب، وترسخت من خلال دعاوى المساواة بين الجنسين، والدور الاجتماعي، وحقوق المرأة والحريات و... و.... و..
وأصبحت الألسنة تلوك بعض العبارات وتتشدق فيها باسم الموضة والتمدن وعدم الحجر على تصرفات الشاب واحتكاره في صورة نمطية واحدة.
وتناسى أمثال هؤلاء ما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال» متفق عليه.
فاللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، وأي ذنب عقوبته اللعن فقد عدّه العلماء من كبائر الذنوب وعظيمها.
وهذا التشبّه قد يكون في اللباس أو في المشية أو في الأدوار الواجبة على الرجل والمرأة بحجة تبادل الأدوار والنوع الإنساني.
وهذا الفعل على ما فيه من عقوبة إلهية وفتاوى علمية بتحريمه هو مناف للفطرة السوية ومخالف لقواعد السلوك الاجتماعي وبرواز للعدوان والطغيان على إنسانية الإنسان.
فالله -جل جلاله- حكيم في تدبيره قال تعالى: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} (الليل: 3-4).
فهذا السعي المقصود هو حركة الإنسان في هذا الكون والقيام بدوره من التمكين والاستخلاف في الأرض.
فإذا خالف الإنسان في أساس تكوينه وانقلب مسخاً بين الذكورة والأنوثة، وتابع هؤلاء الشواذ في الآفاق سيكون ذلك الفعل وبالاً على نفسه وأسرته ومجتمعه.
وللأسف عند انتقال العولمة بجميع تفاصيلها سهّلت دخول بعض التناقضات النفسية والاجتماعية لبلاد المسلمين، وانتقلت حالة من المفاهيم الصريحة والمغلوطة عن التشبه بأفعال وسلوكيات وممارسات من أبناء المسلمين وبناتهم مثل: البويات، والجنس الثالث، والجندر.
فضاعت هويّة الفرد، ومنه ضاعت ركائز المجتمع الراسخة في القيام بالوظيفة المناطة به.
وأبسط الحلول وأعمقها أثراً هي زيادة التوعية بجميع أشكالها النوعية سواء برامج وقائية أم برامج علاجية لمن وقع في ذلك سلوكاً أم ممارسة، وذلك عن طريق الملتقيات الثقافية والندوات العلمية والبرامج الإعلامية لصد مثل هذه الظواهر والانحرافات وتوعية الشباب المسلم بمخاطر مثل هذه الممارسات الصحية والنفسية والاجتماعية، فضلاً عن الإثم العظيم والجزاء الوبيل.
مخالفات شرعية
ويتّفق الدكتور عبداللطيف بن إبراهيم الحسين الأستاذ بكلية الشريعة بالأحساء على بروز الظاهرة الخطيرة لما فيها من مخالفات شرعية كبيرة واجتماعية مسيئة ألا وهي؛ ظاهرة تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، وكثرته في هذا العصر الحاضر وللأسف توسم باسم التطور والتمدن والتحضر.
جاء في الحديث النبوي الوعيد الشديد في تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال لما فيه من مخالفة الفطرة، عن ابن عباس
-رضي الله عنهما- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمشتبهات من النساء بالرجال» رواه البخاري.
ولا شك أن تشبّه الرجال بالنساء وتشبّه النساء بالرجال له مظاهر كثيرة وأحوال عدة، سواء كان تشبهاً في الكلام أو الملبس أو التصرفات أو التعاملات ونحو ذلك، وكل ذلك من أنواع التشبه المنهي عنها، لما فيها من انتكاسة خطيرة مخالفة للفطرة كما أوضحنا في الحديث السابق، وفي رواية للبخاري (لعن رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء).
ويمكن الرد على مدعي التطور والتمدن، أي تطوّر وتمدّن يُحمد أم يحسن في تشبّه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، بل بالعكس تماما إنما هو انحدار وسقوط يؤول إلى أضرار أخلاقية واجتماعية كثيرة، ولا يمكن أن ينهض المجتمع المسلم بشكل صحيح إذا انقلبت الأمور وفق هذا الاعوجاج الشنيع فيما بين الرجل والمرأة من تشبه كل منهما بالآخر.
والله نسأل أن يحفظ المسلمين والمسلمات من كل سوء وشر، وأن يقينا مجتمعنا وبلادنا من الدعوات المنحطة باسم التطوّر والتمدّن في تشبه مشين الرجال بالنساء أو النساء بالرجال.
اللعن بالمتشبهين
ويقول فضيلة الدكتور إبراهيم بن صالح الخضيري قاضي الاستئناف بوزارة العدل: النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لعن الله المتشبّهين من الرجال بالنساء ولعن الله المتشبهات من النساء بالرجال». وقال -عليه الصلاة والسلام-: «من تشبّه بقومٍ فهو منهم». فلا يجوز التشبّه بالكفار، ولا الرجل بالمرأة، ولا المرأة بالرجل، ومما يؤسف له أن تنشأ مظاهر هذا التشبّه المرفوض بين شباب المسلمين من خلال وسائل الإعلام، التي تقدّم الماجنين والفاسقين، على أنهم قدوة، وتقدّم التعرّي والتشبّه بأبشع صوره وأقبحها على أنه طريق إلى النجومية والشهرة وغير ذلك مما يخدعون به شباب المسلمين. ولاشك أن هذا من كيد أعداء الدين والفطرة خاصة اليهود، وقد نصوا عليه في البروتوكول الرابع، والبروتوكول الثالث عشر من بروتوكولات حكماء بني صهيون، وسعيهم الحثيث لذلك، ودعوا إلى أهميته ونشره بين شباب المسلمين، ونجحوا مع الأسف الشديد في اصطياد كثير من شباب المسلمين، ولذا فإن من واجبنا أن نقوم بالاتجاه المضاد، وأن نوجد إعلاماً إسلامياً صادقاً يخاطب الشباب بغريزتهم، وأريحيتهم، وتوجهاتهم، وميولهم، وطبائعهم، خطاباً شبابياً نقياً صافياً، لأن هؤلاء الشباب غصنٌ طريٌّ يقبل التوجيه والنصح والإرشاد، ولكنه بحاجة إلى مخلص غيور، وبحاجة إلى رفيق حكيم يستطيع أن يعتني بهم عناية تامة. وهذا هو الطريق الأمثل أن يسلك بالشباب صراط الله المستقيم، وأن يسلك بهم سبيل الدعوة إلى الله، وأن يشجعوا، وأن تتضافر جهود رجال المال لإيجاد إعلام عالمي قوي رصين يعزّز القيم الفاضلة في النفوس، ويسهم في الارتقاء باهتمامات الناس، ويمكّن للخير بينهم، لأن الإعلام هو لغة التخاطب في العصر الحديث.
وسط القارب
وتشير الأستاذة رحمة بنت علي بن أحمد الغامدي المحاضرة في قسم علم نفس بجامعة نجران، إلى أنه مع تقلبات الموضة وتمدّن القرى والتواصل العنكبوتي بين الأبناء وثقافات الدول المتعددة وحضارات المجتمعات المختلفة، تقف الأسرة والمؤسسات التربوية حائرة تجاه ما دخل عليها من غثاء حضاري وتنوع ثقافي يتنافى -غالباً- مع عادات مجتمعنا وثقافته، وحال الأم المربية كحال شجرة تواجه ريحاً عاتية، فما تغرسه هي في أبنائها، يزعزعه صديق لهم أو وسيلة تواصل اجتماعي حببته وزينته أمامهم.
وحتى ننجح في التعامل مع أبنائنا بحيث لا نخسرهم فينحرفوا أكثر ولا نهملهم فينجرفوا مع التيار، فإننا بحاجة إلى أن نبقى في وسط القارب للمحافظة عليهم من الغرق، دون أن نتطرف فنغرق ونغرقهم معنا، ومن أهم ما يساعد المربين والمربيات للحفاظ على أبنائهم من الغرق بين صيحات الموضة والتحضر، أولاً: تعزيز الثقة بالنفس ورفع تقدير الذات لديهم، حيث إن الفرد عندما يشعر بنقص في ذاته يبحث عن إكماله ولو بشيء يضره ولا ينفعه، ويكون ذلك من خلال التشجيع والتحفيز المادي والمعنوي، ثانياً: الحوار البناء والإقناع مرة بالاستنتاج فمثلاً يستنتج الأبناء ما يترتب على سلوكياته بعد شرح عواقب التشبه بالجنس الآخر، وسلبيات البحث عن الموضة بدون ضوابط، ومرة بقلب الدور، أنت يا بني ستكون أباً يوماً ما، فهل ستسمح بأن يفعل ابنك مثل ما تفعله أنت؟
ومرة بالقصة والمثال واستخدام الأسلوب غير المباشر فقد كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: «ما بال أقوام كانوا يفعلون كذا وكذا..»، وتعزيز الهوية الدينية والهوية الجنسية لديهم، بالإضافة إلى التنوع في الأساليب؛ فمرة نستخدم أسلوب العصا، ومرة أسلوب الجزرة، حسب ما يناسب شخصيات أبنائنا.
ومن أساليب الوقاية اختيار الرفقة الطيبة للأبناء منذ الصغر، وتقوية علاقة الوالدين بأهل رفيق أبنائهم، فإن استطعنا ذلك فنحن كسبنا من يسير معنا لتحقيق أهداف سامية، بالإضافة إلى إشباع الحاجات النفسية لهم منذ الصغر كالحاجة للحب والحاجة للتقدير والحاجة للأمان وغيرها.
وأمام هذه التحديات تحتاج الأم -نفسها- وكذلك الأب، بحاجة إلى تغذية راجعة كمساندة معرفية ونفسية لهما، وكوقود يعينهما على متطلبات التربية في هذا الزمن الصعب، وهنا أوصي بحضور الدورات التي تهتم بجانب التربية وتركز على تنمية مهارات التعامل مع الأبناء.