إبراهيم البعيّز ">
إن كان النمو الملحوظ في عدد الجامعات السعودية يشكل النقلة الكمية التي شهدها قطاع التعليم، فإنّ هناك عدداً من الشواهد على النقلة النوعية في المشهد التعليمي السعودي، ومن أبرزها المركز الوطني للقياس والتقويم، فهو يجسد أحد مظاهر استفادتنا من التجارب العالمية في التعليم بشكل عام والتعليم العالي بشكل خاص، تلك التجارب التي سبقتنا بعشرات السنين، والتي ساهمت في التطوير والجودة في مخرجات المؤسسات التعليمية في تلك الدول. تؤكد التجارب العالمية على أهمية وضرورة الاختبارات المقننة والموحدة كمنهجية للمفاضلة والقبول في الجامعات. يشير موقع ويكيبيديا إلى 32 دولة في العالم - مختلفة في مستوى تقدم نظمها التعليمية وإنجازاتها العلمية - تطبق ما يزيد على 90 اختباراً موحداً لخريجي الثانوية العامة كأول الشروط للتقديم والقبول في الجامعات، وأبرز المعايير للمفاضلة بين المتقدمين.
لمركز قياس حضور إعلامي ملحوظ، وذلك بفضل تلك الجهود الاتصالية والإعلامية التي يقوم بها سواء في وسائل الإعلام التقليدية، أو من خلال موقعه على الإنترنت وحساباته على شبكات التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من ذلك الحضور، إلا أن صورة المركز لدى البعض يشوبها شيء من الضبابية، حيث بدأنا نسمع مؤخراً أصواتاً تهمس وتلمّح بانتقادات للمركز مما يوحي بالتقليل من إنجازاته، أو تشكيك في مصداقية اختباراته، وعدالة القرارات المبنية على نتائجها. أعتقد أن تجاهل تلك الانتقادات الهامسة على استحياء أو التقليل منها، قد يؤدي إلى تطورها وتحولها إلى قضية اجتماعية مزعجة لصانع القرار، وقد يترتب عليها قرار متسرع لا يخدم التعليم، ولا يتماشى مع طموحنا إلى تحسين مخرجات التعليم.
أرى أن التعامل مع مثل هذه الأصوات الخافتة - التي قد تكون مؤثرة وقريبة من صناعة القرار - مسؤولية مشتركة بين المركز والجامعات، وذلك بالدراسات التحليلية التي تظهر نتائج اختبارات المركز على المشهد التعليمي من حيث نسب التسرب، وعدالة المفاضلة بين المتقدمين للتعليم الجامعي.
يظهر لي أن النقد وكثيراً من المواقف السلبية تجاه المركز، ليست بالضرورة مبنية على قناعات وجدليات حول مصداقية وثبات اختباراته، بل هي أقرب ما تكون انزعاجاً وتبرماً من تسبب هذه الاختبارات ونتائجها في كشف المستور حول مستوى التعليم العام، والتباين الواضح بين مناطق المملكة في مستوى أداء الطلاب. ويظهر ذلك جلياً في الجدول حول متوسط أداء المدارس في الاختبار التحصيلي، والذي يعتبر من أهم معايير المفاضلة بين المتقدمين للالتحاق بالجامعة. وقد أكدت دراسة علمية صدق هذا الاختبار بأنه أفضل من المعدل التراكمي للثانوية في التنبؤ بالأداء الأكاديمي المبكر للطلبة.
هذا التباين الذي كشفته اختبارات مركز القياس، دعوة صريحة لنا للنظر في إشكالية التعليم في بعض المناطق، مما يهدد من مستوى العدالة والمساواة في الفرص التعليمية في الجامعات المتميزة، وعلى المنافسة في سوق الفرص الوظيفية الواعدة. وبالتالي يفترض في حواراتنا حول المركز أن تتركز على كيفية التطوير والتقويم لهذه التجربة، من خلال دراسات علمية تتسم بالموضوعية والجدية، وبعيداً عن اللعب بأساليب الإثارة الإعلامية غير المسئولة.