تفاعلاً مع كلمة لمعالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ لدى رعايته ورشة عمل «مديري إدارات المشروعات والصيانة بفروع الوزارة» التي عقدت -مؤخراً- بالرياض. وتأكيده على عظم المسؤولية الملقاة على عاتق المعنيين بإدارات المشروعات والصيانة في الوزارة، وفي فروعها في مختلف مناطق المملكة, تجاه العناية بخدمة بيوت الله وصيانتها، والمحافظة على نظافتها في جميع جوانبها والمرافق التابعة لها، مشيرًا إلى ضرورة العناية بما لدينا من إيجابيات من خلال المحافظة عليها وتقويتها، ومعالجة السلبيات.
وأوضح معاليه أن واجهة الوزارة هي المساجد, مشيرًا إلى أن العناية بها واجب ديني وشرعي، وأنه والمواطنون كافة يأملون في إنهاء المشروعات وفق المعايير والمواصفات عالية الجودة تحقيقًا لتطلعات الوزارة في رسالتها لخدمة بيوت الله والعناية بها، ومن خلال تحقيق تلك التطلعات صرحت الوزارة مشكورة لإنشاء مؤسسة خيرية تعنى بالعناية بمساجد الطرق التي تربط أجزاء المملكة ببعضها وبالعالم الخارجي المجاور لها الذي يفد إليها زائراً وسائحاً، وهو تبنٍّ مشكور من الوزارة ولكن ينقص ذلك أن تتبنى جزءًا من تلك الطموحات والبرامج وتساندها وتساهم في التعريف بها حتى وإن كانت مؤسسة خيرية تعتمد على دعم قطاعات الأعمال والمحسنين من القادرين ولكن تزاد ثقة العامة بها إن تبنتها الوزارة وتعجل بتحقيق أهدافها ورسالتها حول إيجاد بيئة نظيفة للمسجد ومرفقاته على الطرق وتغسل عن وجه وطننا الكريم هذا السواد الذي أصبح مثارًا للسخرية وتسعى مع الجهات المعنية الأخرى إلى وضع إجراء يلزم المستثمر بالمحافظة على المسجد ومرفقاته أو التعرض لإغلاق محطته واستثماره الذي قصد فيه ربح الدنيا وأهمل ربح الآخرة وأساء فيه لوطنه ومواطنيه وزائريه.
ولعلني أسهم في التعريف البسيط في هذا التفاعل بالمؤسسة الخيرية للعناية بمساجد الطرق لكي تبرز للقارئ الكريم والمسؤول المبارك أهميتها ونبل رسالتها، حيث لا يشك صاحب رأي أن القطاع الثالث (الخيري) يعضد القطاعين الحكومي والخاص ويقوم بسد العجز أو النقص الذي ربما يحصل عن عدم قدرة أو عن قصور غير مقصود أو ربما أنها لأعمال تتنازع فيها الاختصاصات وتتفنن كل جهة في أسلوب التخلص منها، ومن الواقع غير الحضاري لمساجد الطرق ومرافقها، انطلقت فكرة إنشاء المؤسسة الخيرية للعناية بمساجد الطرق التي لم تبلغ بعد الثلاثة أشهر من الموافقة على رفعها من لجنة وعلى مستوى مدينة الرياض إلى مؤسسة وعلى مستوى المملكة وهي الآن تمر بتلك المرحلة الانتقالية التي تتطلب خطة إستراتيجية مرحلية وجدولا زمنيا ربما يطول ليبلغ إشرافها على جميع مناطق ومدن ومحافظات المملكة الشاسعة والمترامية الأطراف، ولا شيء سيعيق الإنجاز لديها إلا الدعم المادي الذي قُصر على أن يكون خيريا وبدعم الأهالي، في حين أنه يمكن أن يخصص لها إعانة سنوية مقطوعة، إما بناءً على برامجها أو على خطتها السنوية والإستراتيجية ومثلها في ذلك مثل بقية الجمعيات التي تشرف عليها وزارة الشؤون الاجتماعية، ولكن قدرها أن جهة الإشراف عليها هي وزارة الشؤون الإسلامية التي لا تمنح في العادة إعانات لأي من اللجان أو المؤسسات أو الجمعيات التي تشرف عليها فيما عدا جمعيات حفظ القرآن الكريم، وعلى المؤسسة الخيرية أن تصبر وتحتسب حتى يأذن الله ويلتفت إليها وتُساند، مع أن الناس معلقة قلوبهم في المساجد ويرغبون في الدعم، ولكن هذا يستلزم في البداية جهداً ومصاريف تشغيلية متنوعة واستقطاب كفاءات إدارية قادرة على تحقيق أهدافها، وهو أمر يصعب حصوله إن لم يتوافر لهذه الأغراض المصاريف التي تمكنها من إيصال صوتها للمجتمع كي تضمن بعد ذلك التفاعل والدعم والمساهمة في بناء وصيانة وتشغيل المساجد والمرافق وتبني برامجها ومشروعاتها التي تجعل السفر على الطرق البرية ممكنا للجميع بل ومحفزا لهم.
ومن واقع مشاهد قامت مساجدنا بالتنسيق مع وزارة العمل، ونجحت في الحصول على إصدار تأشيرة باسم عامل مسجد محطة، كذلك نجحت في إصدار رخصة حفر بئر لكل محطة توافق على شروطها وضوابطها في العناية بالمسجد لأن الكثير من المحطات تعاني من مشكلة عدم توافر المياه وعدم السماح لها بحفر بئر، وأنجزت مساجدنا مع وزارة العمل وصندوق الموارد البشرية إنجازا خيريا ومجتمعيا يتمثل في كفالة رجل وامرأة وبراتب 5000 لكل منهما يتوليان من خلال برنامج (طهرا) العناية بالمسجد امتثالاً لقول الله سبحانه وتعالى (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)، يدفع بموجبها صندوق الموارد البشرية نصف المرتبات وعلى مساجدنا النصف الآخر من خلال دعم المحسنين، وقد أطلق البرنامج بالفعل وتولى الشيخ المساند لهذا المشروع عبدالله بن عبدالرحمن العقيل كفالة عشر أسر واستعداده أن يكفل عشر أسر سنوياً عندما ينجح البرنامج ويعمم على مناطق المملكة، وستطلق مساجدنا برنامجا باسم (شريك التميز) بهوية خاصة تضمن فيه أن المسجد ومرفقاته محل عناية صاحب المحطة حتى تعلن عنه لمستخدمي الطريق ليكون سبباً مباشراً في زيادة الإقبال على المحطة وتستهدف مساجدنا أن يكون لها شريك متميز كل 50 كيلومتراً، وهذا البرنامج سيجعل التنافس بين أصحاب المحطات كبيرا لأن هذا البرنامج سيخدم إعلاميا ولن يقف سالك الطريق في يوم من الأيام إلا عند المحطة التي تحمل هذا الشعار، هذا بالإضافة إلى برنامج (مسجدي) وهو خاص بكفالة المسجد وسيسوق على الأهالي ويزودون بتقارير وينظم لهم زيارات ليتعرفوا على المساجد التي كفلوها، وكذلك أطلقت «مساجد» برنامجا يحمل اسم أصدقاء المساجد، وهو برنامج تطوعي يعنى بالمشاركة الذاتية في الصيانة والتشغيل والنظافة بدءا بطرق الرياض وسيعمم، كما أطلقت برنامج تواصل تفاعلي عبر تطبيق على أجهزة الجوال، يصف حال المساجد التي تشرف عليها المؤسسة باسم عين اليقين.
هذه الجهود والبرامج والمشروعات لا شك تحتاج إلى دعم القطاعين العام من خلال وزارة الشؤون الإسلامية التي لا تريد الخوض ولا الحديث في ذلك لأن مسؤولية مساجد الطرق ليست لها وهو أمر محل نظر، والشؤون البلدية والقروية التي أبدت مشكورة تعاونا منقطع النظير من أجل إنجاح تلك البرامج ووافقت مشكورة أن تجعل مساجدنا هي ضابط الجودة فيما يخص المساجد ومرفقاته وألزمت الشركات الجديدة بالتنسيق في تنفيذ ذلك والأمانات والبلديات على استعداد تام للتعاون، وأما الخاص فتسجل مساجدنا أجزل الشكر لشركة سابك على تبنيها من خلال صندوق موظفي سابك الخيري بناء مسجدين على طريق الدمام وطريق مكة المكرمة يجري تنفيذهما حالياً، وبقي أن نسجل بمداد من نور الوقفات الكريمة للمحسنين الذين ساندوا برامجها ومنهم على سبيل المثال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن العقيل الذي تبرع بصيانة وتشغيل 13 مسجدا، وكذلك بناء ثلاثة مساجد جديدة وكفالة عشر أسر سنوياً لبرنامج (طهرا) وتأثيث المقر الرئيسي.
ختاماً.. هذه المؤسسة الخيرية تحتاج كي تنهض بمهامها تكاتف الجهود وعلى جميع المستويات فمن لا يستطيع من الجهات الحكومية المعنية أن يقدم المال فليساندها في تطبيق النظام لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن وليدعم وجودها ويعزز جهودها ولا يتركها تواجه واقعاً مؤلماً متراكماً وحدها، خاصة إذا قلنا إن عدد محطات الوقود في المملكة يتجاوز 9000 محطة وبالتالي مسجد حتى وإن كان المستهدف لن يتجاوز 20 في المائة من هذا العدد، وعلى القطاع الخاص أن يقدم رسالة في المسؤولية الاجتماعية من خلال برامجها ومشروعاتها، وعلى المحسنين من القادرين أن يحققوا طموحاتهم في الآخرة من خلال هذه المؤسسة، فالقائمون عليها محل ثقة ومتفانون بخدمة المسجد والناس، وعملهم مؤسسي دقيق، ونتطلع مع تفاقم المشكلة والاندفاع الإيجابي للعديد من الجهات لأداء الواجب أو الإسهام في تصحيح هذه الصورة وإن لم يكن هذا دورها وتلك مسؤوليتها كهيئة السياحة والتراث الوطني أو وزارة الشؤون البلدية والقروية مشكورتين، أن يتواكب ذلك مع تفاعل مستحق من الوزارة التي عليها رسالة المساجد في كل مكان لنحقق الانطلاقة الرباعية لتلك الجهات مع المؤسسة الخيرية، ونغير واقعاً مؤلماً طال نزفه دون علاج، والأمل يحدونا لتغيير قريب وباهتمام كامل وصادق.
فهد بن أحمد الصالح - الغرفة التجارية الصناعية - بمنطقة الرياض