خالد الخضري ">
يقال في الأمثال : (كل ذي نعمة محسود) ورغم أنني ضد فكرة تكريس مفهوم الحسد في حياتنا بالشكل الذي يجعل منه مهيمنا على كل أجزائها إلا أن هناك حقائق تبدو للعيان، تحتاج منا إلى توقف معها.
فالسعادة وهي المطلب الذي ينشده كل إنسان في الحياة ويسعى إلى تحقيقه هي في الدرجة الأولى تصور متخيل، تتعدد النظرة إليه من زوايا مختلفة بحسب ثقافة الشخص وبيئته وطريقة تعاطيه مع الحياة، وقد أعتبر الفلاسفة أن السعادة مرتبطة بالحاجات الإنسانية وينظر إليها بحسب تلك الحاجات، فالمريض يراها في الصحة، والمعوز يراها في المال، والغريب يراها في العودة إلى الوطن.
لكن السؤال المهم:
هل يمكن لنا أن ننظر للسعادة تنظيراً جديداً يتناسب مع وقتنا الحالي، وظروفنا التي نعيش، علينا في هذه الحالة النظر إلى المعطيات التي تجسد لنا هذا التصور أن كان موجودا في الواقع التطبيقي، فهو من الأمور التي لا يمكن أن نمسك بزمامها، مثلها مثل الأخلاق التي لا يمكن أن تختزل في تصرف أو سلوك محدد، بل هي جملة من المعطيات، تتعدد وتختلف باختلاف الثقافات في كل مجتمع، فما قد تراه أنت تصرفاً اخلاقيا قد يراه غيرك في مجتمعات أخرى منافيا للأخلاق، طبعا مع وجود خط أخلاقي متفق عليه لدى كافة الشعوب والأديان والثقافات، هكذا هي السعادة، لا تختلف من الناحية النظرية عن ذلك، ومن حكم الصينيون الشهيرة: (إذا لم تجد السعادة داخلك فلن تجدها في مكان آخر)
إذن: يمكن أن تكون السعادة إحساس داخلي مجرد من كافة الماديات التي يشترط وجودها لتحقيقها، لكن دعونا مرة أخرى نعود لفكرة الثالوث الذي يمكننا من خلاله أن نضع نظرية للسعادة على الاقل في ظروفنا الحالية: يمكن القول أن أول نقطة ينبغي أن تنعم بها، هي نعمة أمن الأوطان، فاذا كنت غير آمن في وطنك فلن يتحقق لك من السعادة المنشودة شيئاً، وهي نعمة ننعم بها في بلادنا الغالية، خاصة إذا نظرنا إلى ما تعيشه بلدان عربية من حولنا، وما تعيشه عدد من دول العالم من صراعات وحروب، وفقدان للأمن - نسأل الله الحماية- وهو بفضل جهود حكومة المملكة الرشيدة التي أخذت على عاتقها تحقيق الأمن كسند أساسي لاستقرار هذه البلاد الطاهرة.
ثم: الصحة في الأبدان: وهي نعمة الصحة التي لا يشعر بها الا من فقدها، وقد قيل في الأمثال: الصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء لا يراه الا المرضى.
ثم: يأتي بعد ذلك الأمن النفسي، ليكمل ثالوث السعادة من وجهة نظري، فالأمن النفسي مسألة غاية في الأهمية، وهو يتلخص في التصالح مع الذات، وفي القناعة بما لديك وبما وهبك الله من نعم، ثم شكر النعمة، بتذكر الخير الذي تنعم به، وهي رسائل إيجابية تقوم بإرسالها لعقلك الباطن مما يحقق لك مزيداً من القناعة، والسلام الداخلي والسؤدد الذي يفتقد له الكثيرون.
علينا يا سادتي أن نتذكر ما نتمتع به من نعم تتمثل في ثالوث السعادة، نعم آمن الوطن، ونعمة الصحة والأمن الداخلي الذي نحن في أمس الحاجة الى التركيز عليه لتحقيقه في حياتنا، لأن أمن الوطن مسؤولية حكومية في أيدي رجال أكفاء قادرين، وعيونهم ساهرة لحراستنا وحراسة الوطن، والصحة تحتاج منا أن نرعاها وأن نكرس الجهد للحفاظ عليها، أما ما يصيب الإنسان من مرض عظال من الامراض المستعصية فهو أمر بيد الله، وابتلاء يحتاج إلى الصبر والرضا بما قسمه الله.
يظل إذن الأمن الداخلي الذي هو بيدك أنت وعليك أن تعمل على تحقيقه وترجمته في حياتك وعبر سلوكك.
ثبت في سنن الترمذي عن عبيدالله بن محصن رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا».