صرفتْ المملكةُ أكثرَ من (25%) من ميزانيتها على التعليم ،متخطيةً بذلك توصياتِ اليونسكو في أن تكون ميزانية التعليم بين (14% - 17%) من الميزانية العامة لأي دولة. حيثُ ضختِ المملكةُ لمؤسسات التعليم العام والعالي وتدريب القوى العاملة قرابة (217) مليار ريال هذا العام، ورُغم الرقم الهائل فلا يزالُ المنتج التعليميّ متواضعًا في اقتصاد المعرفةِ من قِبَل مؤسسات التعليم، وبخاصةٍ التعليمُ الجامعي ومؤسساتُ التدريب المهني.
كلُّ هذا يدعو لضرورة إعادة الأولوياتِ للوصولِ إلى المنتجِ القائمِ على صناعةِ المعرفة والحد من إنتاجِ كراتين الورق التي هي عبارة عن وثائقِ تخرُّجٍ لا تُسهم في صناعةِ المعرفة، حيث تشير ميزانية المملكة أن الاعتماد على البترول في اقتصادنا يُشكِّل رقما مخيفا (89%) , لذلك يجب على صانعي التعليم وفي مقدمتهم معالي وزيرُ التعليم أن يكون أبرز مؤشرات الأداء التقليل من هذه النسبة، بالشراكة المستمرة مع باقي قطاعات الدولة؛ لأن وزارة التعليم هي المسؤولة عن الجانب البشري والبحثي، واللذان يُعتبران عامِلَين حاسِمين في التنميةِ الحقيقية، إذ إنْ تكلفةَ الطالب في التعليم العام حوالي (20 ألف ريال) للعام الواحد وهو رقم يعطي مؤشرًا على ما يجب أن تكون عليه جودة التعليم وكيف للوزارة أن تبدأ بإيجاد آلية منضبطة للصرف، ومحاسبة جميع إدارات التعليم والاتجاه بالاستعانة بالشركات التعليمة الخاصة، أو التعليم الأهلي أو نظام المدارس المستقلة أو على الأقل يعطي تصورًا لما يجب أن يكون عليه تعليمُنا في ظل الدعم السخي من حكومة خادم الحرمين الشريفين.
أما حال الخريجين في التعليم الجامعي فتتضحُ في معدل بطالةِ السعوديين الذكورِ ممَّن يحملون درجة البكالوريوس، حيث بلغت (48.9%) والإناث بلغت (67.3%) وذلك حسب تقريرِ مصلحةِ الإحصاءاتِ العامةِ والمعلوماتِ للنصف الأول للعام 2015م؛ لذلك على وزارة التعليم أن تُخضِع مخرجاتِ الجامعات لدراسةٍ تتبُّعيةٍ تُسهم في تحسين المخرجات, وأن تتولى الأجهزة الإحصائية في الجامعات دراسة كل ما من شأنه المحافظة على المبالغ الهائلة المرصودة لتوجيه الطاقات البشرية نحو احتياجات سوق العمل الحقيقي, وأن نُعنَى بالتعليم الجامعي القائم على اقتصاد صناعة المعرفة، والحد من الأقسام والتخصصات التي لا تخدِم اقتصادَنا. أما أعداد المُتدربين والخريجين في المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني فهي أكثرُ ألمًا حيث بلغ (28797) خريج وخريجة للعام الماضي, بما يُعادل عدد خريجي ثلاث جامعات من كبرى جامعات المملكة في ذات العام، لكن أرقام مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات تظهر تبديد الجهد والوقت والمال المبذولين من المؤسسة حيث تشير إلى أن أدنى نسبة للعاملين في المملكة كانت في المهن الصناعية والكيميائية والغذائية حيث بلغت نسبة ( 1% ).
نحن بحاجةٍ لمؤسساتٍ تعليميةٍ تصنعُ الفارق في الاقتصاد كما فعلتْ كثيرٌ من المؤسسات التعليمية في نهضة بلدانها ككوريا الجنوبية التي كانت من أفقرِ دول العالم، حيث كان يبلغ متوسط دخل الفرد فيها أقل من (80 (دولارًا عام 1960 م، ليصل إلى )27000) دولار في عام 2015م، حيث استطاعت شركةٌ واحدةٌ مثل سامسونج أن تُسهم في رفع الاقتصاد الكوري وأن توظِّف الكوريين فبلغ عدد موظفيSamsung Electronics وحدها (275133) موظف, منهم حوالي (40000) مهندس برمجي، فلو عُوملت سامسونج على أنها دولة, لأصبح ترتيبها برقم36) من حيث الترتيب الاقتصادي على العالم !
هذه رسالةٌ إلى معالي وزير التعليم عزام الدخيل، الذي نتوقعُ منه الكثيرَ، فنحن بحاجةٍ ملحةٍ لتأهيلِ شبابِنا وفتياتِنا بشكلٍ علميٍّ وأن نُسهم في منع تكدُّسِهم في قوائم الانتظار بوزارة الخدمة المدنية، مع الحاجةِ الملحة لضم المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني لوزارة التعليم؛ لتكون هناك استراتيجياتٌ وطنيةٌ متكاملةٌ ، لاستيعاب العدد الهائل من الخريجين والخريجات، خلال نظامٍ تعليمي قوي وحازم.
عبدالله جديع الغفيلي - أكاديمي سعودي