توضح إحدى العلامة المائية لاسم أندريا جالفاني Andria Galvani وهو أحد أحفاد فلنتينو جالفاني صاحب أكبر خمسة مصانع في فينسيا في القرن التاسع عشر، وكانت مصر تستورد كميات كبيرة من هذا الورق لاستخدامه في تدوين الدفاتر والسجلات بالدواوين الحكومية المصرية وبالمحاكم الشرعية، وكانت مصانع جالفاني أكبر مصدّر ورق لمصر حتى عام 1880م، وكانت العلامة المائية المصاحبة لاختصار اسم أندريا جالفاني تأتي على شكل ثلاثة أهلة متدرجة الحجم 2، 2.5، قم 3 سم.
* *
يوضح الورق الحامل لهذه العلامة المائية (TS) ورق فرنسي الصنع، حيث نجد الورق يمتاز بالجودة ونعومة الملمس، وينتمي هذا الورق إلى مصنع AITerrs بفرنسا، ويقابل علامة الأساس علامة مائية عبارة عن أهلة متدرجة الحجم بداخلها وجوه.
* *
وردت هذه العلامة ومعها ثلاثة أهلة مسطحة الشكل كأنصاف الدوائر وتأخذ وجه إنسان، والأحرف الأجنبية اختصار لاسم SAMPSON صاحب أحد المصانع المصدرة للورق بإنجلترا.
منذ عرفت البشرية صناعة الورق، ذلك السجل الحضاري ووعاء الثقافة الذي تفوق على كل أقرانه السابقة عليه من بردي وورق وما شابه، وقد صار السجل الأول للحضارات. انتشرت معرفة صناعة الورق رويداً رويداً شرقاً أولاً من الصين نحو كوريا واليابان، كما انتقل رغماً نحو الشرق وعلى حدود الإمبراطورية الإسلامية وقرب الحدود الصينية في القرن الثامن الميلادي على إثر معركة. ومن ثم عرف العرب صناعة الورق وبدأت حركة مد معرفي أخرى بمعرفته، إذ احتكر العرب صناعته بضعة قرون، تمكنوا خلالها من الابتكار والتعديل والإتقان حتى صارت في كل حواضر عالمه صناعات له وأماكن لتجارته -الوراقة والوراقين- حتى أصبح لكل نوع استخدام، للكتابة والتصوير وغيرهما كثير.
العلامات المائية، من طرق توثيق المخطوطات الورقية
وأضيفت دلائل لتعريف أنواعه المختلفة وتمييز بعضها عن الآخر، وعبر التواصل الحضاري بين الشعوب، انتقلت صناعة الورق إلى أوروبا متأخراً في القرن الثالث عشر على أغلب الروايات، ولا نعلم بالتأكيد متى كانت العلامات المائية، وفكرتها اتسقت والمد الحضاري لصناعة الورق التي احتكرها الصينيون قروناً تعادل القرون التي احتكر فيها العرب صناعته وما ينبغي أن نؤكد أن الورق في الحضارة الإسلامية والعربية قد مر بكل مراحل التقدم، وليست العلامات المائية إلا واحدة من ذلك التمايز الفكري الذي يمارس صناعة الورق يدرك أنها فكرة واردة الخاطر حينما يقل اللب في بعض أركان القالب أثناء حركته على القالب.
بيد أن المراجع العلمية- الغربية بالطبع ذكرت أن العلامات المائية ابتكرت في القرن الثالث عشر في مصانع إيطالية.
على كل الأحوال، العلامات المائية هي سبيل من سبل توثيق المخطوطات الورقية.
صناعة العلامات المائية
وتصنع هذه العلامات بصناعة التصميم الذي يتم اختياره بالتشكيل بالسلك وتثبيته على سطح قالب صناعة الورق بالخيوط المرنة وعند تدفق الألياف على سطح القالب فإنها تتجمع في الفراغات بين حنايا التصميم أكثر مما تتجمع أعلي السلك نفسه فيتشكل من الألياف صورة منه سلبية في سمك الورق حول التصميم، تري فقط عند رؤية الورق بإضاءة من خلفه.
وتقوم هذه العلامة بدور كبير في توثيق ورق المخطوطات والمطبوعات وغيرها مما دون أو سجل على ورق يحمل علامات مائية. إذ تحمل تصميماً يؤرخ لمكان الصناعة والصانع وقد تحمل بشكل مباشر التاريخ التي صنع فيه الورق وأصبح لدينا سجل ضخم منها في كل أنحاء العالم وربما تأخرنا بعض الشيء في استخدامها للتوثيق والنشر داخل إطار الدلائل العلمية في مواد المخطوطات وهو اتجاه نعمل على تأكيد أهميته في أبحاث منشورة سابقاً في توثيق تراثنا من المخطوطات فيما وراء التحقيق بالنص.
تقنيات تسجيل العلامات المائية
تستخدم تقنيات عدة في تسجيل العلامات المائية تعتمد في محاولة أخذ صورة مطابقة تشريحية لها وما حولها من علامات القالب وكلما كانت التفاصيل أوضح كلما كان ذلك أفضل للتوثيق. منها استخدام الشف بإضاءة تحتية مع التكبير وهو ما نتبعه باستخدام الميكروسكوب ثنائي العدستين Stereo-microscope مع مرشحات ضوئية في بعض الحالات مع تغيير زاوية الإضاءة في كل مرة وكاميرا رقمية تعمل بالتحكم عن بعد مع جهاز كمبيوتر وremote-shooting computerized system ويمكن تكبير التفاصيل حتى رؤية عقد ربط تصميم العلامات المائية مع شبكة القالب. هناك طرق أخرى منها أشعة بيتا وهي شريحة من ورق حساس مع مصدر أشعة بيتا تنفذ عبر سطح الورق لتكون صورة طبق الأصل من التركيب التشريحي للورق عبره وقد ابتكرها عالم يسمى جرافيل.
أشكال العلامات المائية
أما عن أشكال العلامات المائية فقد اتخذت أشكالا لا تحصى من هندسية وآدمية وحيوانية ونباتية ومن الحياة اليومية من الأدوات وسجل منها عشرات الآلاف وهناك سجلات عالمية لها. تفيد العلامات المائية في التوثيق ومعرفة جودة الورق وبالتالي أهمية العمل الذي يحمله هذا الورق، وكذلك مكان الصناعة والتاريخ ومقاس الورق في بعض الحالات والارتباطات الحضارية والفكرية والتقنية ذات الصلة.
والنماذج أعلاه توضح العلامات المائية وكيفية الاستفادة منا في توثيق المخطوطات
د. عبد اللطيف حسن أفندي - أستاذ مشارك، كلية السياحة والآثار، جامعة الملك سعود
effendi.eg2002@yahoo.com