في يوم الاثنين 4 /2 عند الظهيرة حلّ خبر وفاتها المحزن كالصاعقة؛ كان بالنسبة لنا فاجعة ضاق بها الصدر ودمعت لها العين !، خيّم الكدر مظللةً غيمته بيتنا وضاربةً أركانه بمرارة ارتحال قرة عيننا؛ إلاّ أنّ ذلك قدر الله وقضائه وما لنا سوى التسليم والرضا بحكمه وحكمته.
جدتي.. التي كان لسانها لا يفتر عن ذكر الله، تسبيحاً وتحميداً وصوت استغفارها يضفي على المكان هيبةً وانشراحاً.
جدتي.. التي كانت دائمةَ الدعاء لكل من انحنى عليها سلاماً وقبّل رأسها مروراً واتصالاً.
جدتي.. التي كانت تكثر من ابتهالٍ ودعوة خصتنا بها بعفوية كلماتها وبساطة تعبيرها (الله يحفظّك المصحف)، هذه الدعوة لازالت تدندن في أُذني وستبقى ما حييت.
جدتي.. التي تقول عنها والدتي: تملك قلباً أبيض من الثلج، لم أسمعها تغتاب أحداً يوماً أو تعاتب مقصراً أو متغيباً عنها.
انشغلت بتلقائيتها وسلامة سريرتها عن لوم غيرها، ولا تنتظر من أحد بداراً حيث لا تتوانى عن الابتداء بالسلام حتى لأصغرنا عمراً والنهوض له حال نشاطها.
جدتي.. التي كانت تعيد تكراراً وطرقاً لباب السماء: (جعلي من حيلي إلى قبيري) بمعنى لا تجعلني أعاني مرضاً شديداً يسبب لسواي إزعاجاً أو أمسي معه حبيسة السرير والمشفى، وقد كان لها ذلك.
جدتي.. التي عاشت في بيتنا بضع سنواتٍ، كسانا بقاؤها طمأنينةً وراحةً وبركةً.
جدتي.. التي كانت تردد يا رب (أهن موتتي وحسّن خاتمتي) وقد كان لها ذلك!
جدتي.. التي بالفعل لم يخيبها من ارتجته وقد استجاب سبحانه دعاءها، فرحلت خير ارتحال وودعتنا خير وداع وأحسن اختتام.
جدتي.. التي وافتها المنية بيومٍ تعرض فيه الحسنات على الله يوم فضيل في نهاره.. حيث تشهّدت ولهجت روحها ونطق لسانها بما كانت تتحراه وتطلبه طيلة حياتها ثم خرجت روحها مباشرة، وهاهي بالفعل ترحل من (حيلها لقبيرها)!
وهاهي بالفعل تقطف صلاح نيتها إجابةً من العلي القدير الذي سألتها (موتةً هينة دون مشقة وعناء).
أكتب والعبرات تزدحم بفمي، والدمعات تحرق عيناً ستفتقدها طويلاً.
جدتي.. التي تذكر من غسّلتها الغسل الأخير (المفروض نهنئكم لا أن نعزيكم بجدتكم لأعجوبة ما رأينا من حسن خاتمة وبهاء وجهٍ وسروره).
جدتي.. التي عندما أذنوا لي بتقبيل جبينها بعد تجهيزها وتكفينها لأرسم قبلةً حارةً من حفيدٍ علّمته الكثير ولقّنته من الدروس العديد (رأيت ما يسر الناظرين) ضياءً يشع بهجةً وسناءً من وجهٍ صلحت دنياه مستعداً لآخرته فكانت المكافأة من العزيز المتعال.
ربي اغفر لها وتجاوز عنها واجمعنا بها في جناتك جنات النعيم.. إلى جنة الخلد بإذن الله وعفوه.
عبدالله بن زيد القطيان - الزلفي