مندل عبدالله القباع ">
المملكة عانت من الأفكار المتطرفة والإرهاب منذ أكثر من ثلاثين سنة، خاصة في السنوات الخمس عشرة الأخيرة، بداية من الهجوم على الحرم الشريف بمكة المكرمة بالأسلحة والبنادق، وبعد هذا الهجوم أصبح هناك خلايا نائمة تعزز أدمغتها وغسلها بالأفكار المتطرفة والمنحرفة؛ فحصل ما حصل من تفجيرات في شرق المملكة ووسطها وجنوبها؛ إذ تم استهداف بعض المرافق الحكومية ونقاط التفتيش وبعض رجال الأمن والمساجد بيوت الله؛ فقُتل مَن قُتل، وأُصيب مَن أُصيب، الذين لا ذنب لهم ولا حول ولا قوة لهم إلا بالله سبحانه وتعالى، ثم ما تبذله الدولة وتقوم به من جهود في محاربة هذا التطرف والغلو والإرهاب. فهؤلاء المتطرفون والإرهابيون في بداية حياتهم وجدوا في أسرهم والمجتمع من لا يحتويهم ويقف بجانبهم أسرياً ومجتمعياً، وشعروا بأنهم منبوذون، وأنهم خارج المجتمع، وتلقفهم من تلقفهم، واحتواهم بالأفكار الهدامة والمنحرفة والمتطرفة؛ فارتموا في أحضانهم، ولاسيما أن أسنانهم صغيرة، تتقبل كل شيء، وتنجرف معه، وأصبحوا يزينون لهم بعض المواقف من غلو في الدين، والظهور على المجتمع والدولة ومحاربتهم، وأن الدولة منحرفة عن الخط الإسلامي والديني. وهؤلاء المتطرفون ليس لديهم الحصانة الذاتية من وازع ديني أو اجتماعي أو إنساني، فكثروا وتمددوا وتخفوا كالفئران عن أنظار المجتمع، وأصبحوا يخططون ويفعلون ما يحلو لهم، لكن الدولة برجالها الأشاوس رجال الأمن بقيادة رجل الأمن الأول صاحب السمو الملكي (الأمير محمد بن نايف ولي العهد نائب الرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية)، وبتوجيه من قائد مسيرتنا خادم الحرمين الشريفين (الملك سلمان عبدالعزيز) أجهضوا ووقفوا على أكثر مخططاتهم الإجرامية في قعر جحورهم. ولم تكتفِ الدولة بجهودها في محاربة الإرهاب داخلياً بل امتدت جهودها دولياً.
والدليل على ذلك أنها صاحبة فكرة إنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب والتبرع له بأكثر من (مائة مليون دولار)؛ لأن الدولة أحست بأنه لا بد من محاربة الإرهاب دولياً من جميع الدول، خاصة الدول الأوروبية وأمريكا، وهذا ما أشار إليه الملك عبدالله بن عبدالعزيز - طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته - بأن الإرهاب إذا لم يوضع له حد فسوف ينتقل إلى هذه الدول، وهذا ما حصل في فرنسا مؤخراً، الذي راح ضحيته أكثر من 129، و350 جريحاً؛ لأن الإرهاب لا يقتصر على دولة من الدول في هذه المعمورة؛ فلا بد من التكاتف والتعاون وتكثيف الجهود في محاربة هذا الإرهاب.
إضافة إلى ما أكده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان في كلمته أمام قمة العشرين التي انعقدت في تركيا قبل فترة؛ لأن الإرهاب لا دين له ولا موطن له ولا جنسية. فهذا المركز سوف يقوم بدراسة هذا الفكر وهذا الإرهاب من جميع جوانبه بمشاركة وتكاتف الدول التي لها باع في مثل هذه الدراسات، ولكن تبقى الدراسات الداخلية في مجتمعنا عن أسباب هذا التطرف والإرهاب؛ لأن علماء النفس والجريمة يقولون إن أي سلوك لا بد له من دافع، سواء سلوكاً إيجابياً أو سلبياً المتمثل في الانحراف؛ لأن هناك عوامل عدة أسرية ومجتمعية وبيئية وجيرة ورفاقاً تدفع هذا المتطرف للقيام والإتيان بهذا السلوك (لأن الإنسان لا يولد مجرماً) وليس كما يقول العالم الإيطالي «لمبروزو» بأن هناك علامات وسمات تظهر على الشخص في أنفه أو وجهه بحيث تكون دلائل على أنه سوف يكون منحرفاً. فهذا العالِم أثبتت الدراسات الحديثة في العلوم الاجتماعية من علم نفس واجتماع وخدمة اجتماعية وطب نفسي (فشل قولـه)؛ لأن كل إنسان كما بيَّن لنا ديننا الإسلامي الحنيف (يولد على الفطرة، فوالده يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه...إلخ). وهذا دليل على أن الانحراف في السلوك والنفس والفكر يكون له عوامل مشتركة بين أسرية ومدرسية ومجتمعية وبيئية ورفاق؛ لذا لا يمكن إيعاز الانحراف إلى عامل واحد. وأنا أكتب من واقع خبرة تعليمية وميدانية لأكثر من ثلاثين سنة مع المؤسسات الإصلاحية كباراً وصغاراً.
لذا آمل إذا لم يكن قد حصل من قبل أن تقوم مراكز البحوث في الجامعات (ومركز مكافحة الجريمة التابع لوزارة الداخلية وجامعة الأمير نايف للعلوم الأمنية) ووزارة الشؤون الاجتماعية، باعتبار أن لديها مركزاً وطنياً للبحوث، بالتكاتف مع بعضها، مع اشتراك بعض المؤسسات الدينية والإعلامية ووزارة التعليم والرئاسة العامة لرعاية الشباب بإجراء بحوث فاصلة عن أسباب التطرف والإرهاب والغلو للوصول إلى تشخيص دقيق، والظهور بحقائق ونتائج، ومن ثم وضع الحلول المناسبة، سواء علاجية أو وقائية أو إعلامية، تشمل الأسرة والوسط المدرسي من معلمين وطلاب ووسائل إعلام، والخطابات الدينية والدعاة؛ من أجل وضع حد لهذا التطرف والإرهاب.