رفع اليدين
* هل هناك تلازم بين الدعاء ورفع اليدين، بحيث أرفع يدي عند كل دعاء وإن لم يأت الدليل على بيان ذلك؟ وهل عدم النقل دليل على العدم؟
- يشرع للداعي أن يرفع يديه عند الدعاء، وقد جاءت أحاديث كثيرة في رفع اليدين في الدعاء، وأُلِّفت فيها المصنفات، وللسيوطي رسالةٌ سماها (فضُّ الوعاء في رفع اليدين في الدعاء) وجمع فيها أحاديث كثيرة، وهناك رسائل أخرى، فالأصل في الدعاء أنه مقرون برفع اليدين، قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: «يمد يديه إلى السماء يا رب، يا رب» [مسلم: 1015]، هذا الأصل، ورفع اليدين مَظِنّة للإجابة، وهذا خارج العبادات، أمّا الدعاء في داخل العبادات فإنَّه لا بد فيه من نقل، فلا تُرفع اليدان في خطبة الجمعة إلا في موطنٍ دل عليه الدليل وهو الاستسقاء، فقد جاء رفعهما في الاستسقاء [البخاري: 1029]، وفي الصلاة أيضًا لا يرفع يديه إلا فيما دل عليه الدليل، وكذلك سائر العبادات لا يتصرف فيها إلا بدليل. وعدم ورود الدليل فيها كافٍ في عدم المشروعية في مثل هذا؛ لأن الأصل أن العبادات توقيفية، لا يُتصرف فيها إلا بإذن الشارع.
ويُلاحظ من بعض المصلين أنه إذا قام من الركوع رفع يديه كهيئةِ الداعي، وهذا ليس له أصل، إنما إذا قام من الركوع يرفع يديه كما رفعهما عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع.
* * *
الأكل مع الضيف
* هل يدخل في باب الإسراف إذا أكلتُ مع الضيف وقد نزل بي بعد أن تعشيت وشبعت، لا سيما وأن أكلي معه لا لحاجةٍ، بل لإكرامه ولكي لا يستوحش وينْفُرَ من الطعام؟
- إذا أكلت من باب إيناس ضيفك وإدخال السرور عليه لا شك أنك مأجور على هذا القصد، لكن يبقى أنك إذا كنت تتضرر بهذا الأكل بالقدر الزائد على ما تطيقه وتحتمله لا شك أنك آثم، وحينئذٍ لا يجوز لك أن تأكل، أما إذا كنت لا تتضرر به وأكلت إيناسًا له وإدخالاً للسرور عليه فأنت مأجور إن شاء الله تعالى، ولا مانع أن تريه أنك تأكل، ولا مانع أن تشتغل بما يصعب مضغه بحيث تأكل شيئًا يسيرًا في مدة طويلة، وتريه أنك تأكل وتشاركه في الأكل وتدخل السرور عليه بحيث لا تتضرر وتقوم بإكرامه وإيناسه، هذا لا شك أنّه أولى وهو الجمع بين الأمرين.
* * *
وليمة العرس
* هل يجب على من أجاب الدعوة أن يأكل من وليمة العرس أو أن الواجب خاص بالحضور وحسب؟
- وليمة العرس جاء الأمر بإجابتها «وإذا دعاك فأجبه» [مسلم: 2162]، وجاء أيضًا «إذا دعي أحدكم، فليجب، فإن كان صائمًا، فليصلِّ، وإن كان مفطرًا، فليطعم» [مسلم: 1431]، بعض العلماء قال: إن هذا الأمر يدل على الوجوب، وأنه لا بد أن يأكل ولو لقمة واحدة امتثالاً لهذا الأمر، ومنهم من يقول: إن هذا أمر إرشاد إن أكل فهو الأفضل، وإن لم يأكل فمجرد إجابة الدعوة كافية، لكن إذا كان عدم الأكل يوقع في نفس الداعي شيئًا فلا شك أن الأكل حينئذٍ يتعين؛ لئلا يقع في نفس أخيه شيء فيجد في نفسه عليه، والإسلام لا شك أنه يأتي بما يؤلف القلوب لا بما ينفرها، وعلى كل حال الحديث فيه الأمر بالأكل، وهو نظير الأمر بالأكل من الهدي والأضاحي
{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 27]، والظاهرية يحملون هذا الأمر على الوجوب، وجماهير أهل العلم يحملونه على الاستحباب، لكن يزيد ما عندنا في مسألة ما يقع في قلب الداعي أنه إذا حضر المدعو ولم يأكل ذهبت به الظنون كل مذهب: لماذا لم يأكل؟ قد يكون متورعًا عن طعامي، قد يكون شاكًا في دخلي وكسبي...، على كل حال مثل هذه الأمور الشرع يأتي فيها بالتأليف لا بالتنفير، فإذا حضَرْتَ فكل، اللهم إلا إذا كان كسبه خبيثًا لا ترى أن تدخله في جوفك، فهذا الأمر إليك، أما إذا كان الكسب طيّبًا فالمتجه القول بلزوم الأكل.
ومما قد يحدث أنه أحيانًا يدعى الشخص في ليلة واحدة من اثنين أو أكثر، فهذا إن أمكنه إجابة الجميع فهو المتعين، وإذا لم يمكن بدأ بالأقرب لا سيما إذا كان يترتب عليه صلة أو قطيعة، فإن تساووا في القرب بدأ بالأسبق ممن دعاه؛ لأنه أحق، وعلى كل حال في مثل هذه الأمور تُلاحَظ المصالح والمفاسد مع الاعتذار من الطرف الثاني، فإذا تمكن من إجابة قريبه وإن سبقه غيرُه فالقريب أولى، ويعتذر من الثاني ويقول له: إن قريبنا فلان أخي، أو ابن عمي...، عنده مناسبة في الوقت نفسه. فإن أمكنت إجابة الجميع فهو الأصل، وإن لم تمكن رجَّح بالمرجحات الشرعية.
وإن أمكنت إجابة الجميع والحضور لدى الجميع، لكنه لا يتمكن من الأكل عند الجميع فإنّه يحضر عند الأول مدة تُطَيِّب خاطره، ثم يعتذر منه ويقول: أنا عندي موعد ثانٍ. فيخرج منه إلى الموعد الثاني، وهكذا، وهذا يحصل كثيرًا في أيامنا الأخيرة، فكثير من المدعوين يحضرون ثم يعتذرون والداعي لا يجد في نفسه شيئًا إذا اعتُذِرَ منه.
يجيب عنها : معالي الشيخ الدكتور/ عبدالكريم بن عبدالله الخضير - معالي الشيخ عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء