قاضٍ ينجز برنامجاً ميسراً حول وحدات القياس الواردة في بعض النصوص الشرعية وكتب الفقهاء ">
المدينة المنورة - خاص بـ«الجزيرة»:
أنجز فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الرزاق الغديان عضو محكمة الاستئناف بالمدينة المنورة سابقاً برنامجاً علمياً وفق تطبيق ميسّر حول وحدات القياس الواردة في بعض النصوص الشرعية أو بعض كتب الفقهاء، حيث حصر المقادير، وجعل ما يعادلها في التطبيق الحالي.
وقال الشيخ الغديان: قمت بإجراء بحث مستقصٍ - حسب الوسع - يتضمن جمع وحدات القياس الواردة في النصوص الشرعية وترتيبها، ثم اجتهدت في تحويلها إلى وحدات القياس المعاصرة المقابلة لها؛ ليسهل على المطلع عليها معرفة مقدار الوحدة الواردة في النص الشرعي، أو في كلام الفقهاء، ومن أمثلتها: الذراع، والصاع، والوسق، والشبر، والباع، والمد، والأوقية، والبريد، والدرهم، والدينار، وغيرها.
ونظراً لسهولة استخدام الأجهزة الذكية في هذا العصر للوصول إلى العلم والمعرفة؛ فقد جعلت هذا البحث على شكل تطبيق ميسر؛ يُمكن من خلاله الوصول إلى معرفة مقدار ما يقابل هذه الوحدة من وحدات معاصرة؛ وتكمن أهمية هذا البحث عند إرادة المسلم تطبيق مراد الشارع فيما ورد في النص الشرعي في هذا العصر الذي قلّ فيه استخدام وحدات القياس القديمة.
ومن النصوص الشرعية التي وردت بها هذه الوحدات ما رواه أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ. وَلا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ. وَلا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ) أخرجه الترمذي. وما ثبت في حديث أنس رضي الله عنه قال: (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ بِالمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ) [البخاري ومسلم]. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء» وفي رواية لم يحمل الخبث» رواه الخمسة والحاكم وقال على شرط الشيخين واللفظ لأحمد، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال في وصف قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ورفع قبره عن الأرض قدر شبر» رواه البيهقي وصححه ابن حبان، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كنا نعطيها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم (أي زكاة الفطر) صاعاً من طعام أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب» متفق عليه، وعَنْ زيْدِ بنِ ثابتٍ رَضيَ اللّهُ عَنْهُ: «أَنَّ رَسُولَ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم رَخّصَ في الْعَرَايا أَنْ تُباعَ بخَرْصِهَا كَيْلاً» مُتّفقٌ عَلَيْهِ. وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كنا نعطيها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من إقط أو صاعاً من زبيب) يعني زكاة الفطر.
ويشير الشيخ عبد العزيز الغديان إلى أن المسلم يحتاج عند إرادة العمل بمثل هذه النصوص إلى معرفة مقدار هذه الوحدات بالقياسات المعاصرة، وقد وجدت من خلال البحث أن الوحدات إما أن تكون للكيل أو للوزن أو للطول أو للمساحة، فالكيل أهم وحداته هي الصاع والمد وهما وحدتا كيل لمعرفة الحجم، وقد أخطأ بعض الباحثين في تحويل الصاع إلى كيلو جرام؛ نظراً لأن مقدار الوزن والحجم يختلفان في الأطعمة ووجدت أن الأصح تحويل الصاع إلى اللتر، وقد حدد قرار مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية الصادر في الدورة السادسة والخمسين رقم (207) بتاريخ 9-11-1422هـ حجم الصاع النبوي بثلاثة لترات وثلاثين ملليمتراً (3.30لتر) وقد اعتمدت على هذا التقدير في الجدول ولا يخفى أن من القواعد الشرعية أن اليسير مغتفر وليس هذا التحديد يقينياً بأنه هو الصاع النبوي ولكن هذا اجتهاد ولعله أقرب للصواب والله أعلم، ولو كان معرفة مقدار الصاع واجباً بالتحديد ولا يصح مخالفته ولا الاجتهاد فيه للزم من قبلنا من السلف الصالح أن يحددوه وأن يصل إلينا مقداره بالتواتر ولا تختلف فيه الاجتهادات وحيث لم يصل ولم يوجد في هذا العصر صاعٌ يعتمد عليه وتُجمع عليه الأمة على أنه الصاع النبوي كان هذا البحث والله أعلم.
هذا بالنسبة للكيل أما بالنسبة للأطوال، فإن أساس الوحدات في الأطوال هو الذراع الشرعية، وقد أجمعت المصادر ولا سيما المصادر الفقهية على تعريف الذراع الشرعية أنه المسافة بين طرف المرفق ونهاية الأصبع الوسطى من ذراع الإنسان المعتدل الخلقة، وأنها تعادل ست قبضات وكل قبضة تعادل أربعة أصابع وكل أصبع تعادل ست شَعِيرات معتدلات معترضات متلاصقات وكل شَعِيرة تعادل ست شَعرات من شَعر ذنب البغل وقد لجأ محمد بك الفلكي (المتوفى سنة 1302هـ) إلى طرق عديدة لتحديد طول الذراع منها أنه قاس أذرع ثلاثين رجلاً متوسطي الطول ووجد أن متوسط طول الذراع قدره (48) سنتيمتراً، كما قام إبراهيم بن مصطفى (المتوفى سنة 1328هـ) بتجربة مماثلة، فقاس قطر 144 شعيرة وكرر التجربة 55 مرة وقاس قطر عدد كبير من شعر البغل وكرر ذلك 81 مرة، فوجد نتيجة الحسابات أن الذراع الشرعية تعادل 48.5 سنتيمتراً (رسالة في تحديد أطوال المقاييس والموازين ص16)، كما قام بعض المهتمين بقياس أضلاع الكعبة المشرفة لأنها أهم الآثار الإسلامية قاطبة، فهي قبلة المسلمين، حيث اعتنى بها المسلمون عناية كبيرة وأشهر قياسات الكعبة التي حفظتها لنا المصادر عن الفترة ما بين تعديل الحجاج لبنائها سنة 74هـ، وبناء السلطان مراد الرابع لها سنة 1040هـ هي ما ذكره الأزرقي المتوفى سنة 250هـ في (كتاب أخبار مكة) 1-195، والتقي الفاسي المتوفى سنة 832هـ في (العقد الثمين 1-55)، والديار بكري المتوفى سنة 966هـ في كتاب (تاريخ الخميس)، وعلى الرغم من أنه لم يحصل تجديد في بناء الكعبة في تلك الفترة إلا أن القياسات التي وردت في هذه المصادر متضاربة، فالأزرقي يذكر أن طول الواجهة الشرقية للكعبة يعادل 25 ذراعاً وطول الواجهة الشمالية يعادل 21 ذراعاً والغربية 25 ذراعاً والجنوبية 20 ذراعاً، أما التقي الفاسي يذكر أن الواجهات على التوالي هي: 1-3 21 ذراعاً و3-4 17 ذراعاً و2-3 21 ذراعاً و1-4 18 ذراعاً، فهذه قياسات مختلفة فلا يعتمد عليها، ومن أدق القياسات للذراع الشرعية هي بركة المدرسة الطبرسية في الجامع الأزهر بمصر حيث من قام ببنائها هم من الأحناف والمشهور في المذهب الحنفي أن الماء الراكد لا يكون صالحاً للوضوء إلا إذا كانت مساحة سطح الماء 100 ذراع شرعية مربعة أو أكثر، وقد نقل محمود بك الفلكي أن بركة المدرسة الطبرسية الملحقة بالجامع الأزهر بُنيت على أن تكون مساحة سطح الماء فيها 100 ذراع شرعيةمربعة تماماً، ولدى قياس هذه البركة من قبل محمد بك الفلكي وجد أن عرضها يساوي 3.59 أمتار وأن طولها يساوي 6.16 أمتار أي أن مساحتها تساوي 24.332 متر مربع، وبتقسيم هذه المساحة على 100 نجد الناتج يساوي 0.24332 متر مربع، وهذا ما تساويه الذراع الشرعية المربعة، وبحساب الجذر التربيعي للعدد 0.24332 نجد الناتج هو: 0.4932747712989 متر أي 49.32747712989 سنتيمتر، وهذا هو طول الذراع الشرعية.. وبهذه النتيجة ننطلق إلى أن الذراع الشرعية تساوي هذه النتيجة (49.32747712989 سنتيمتر) فنقيس عليها بقية الأطوال وكذلك في قياس وحدات الأوزان وجدت أن الوحدتين الأساسيتين لقياسها هو الدينار (المثقال) والدرهم وأن المثقال الشرعي يعادل وزن الدينار البيزنطي (السوليدوس) أي أنه يعادل 4.547958 غرامات وأن الدرهم يعادل 7-10 من المثقال أي يعادل 3.183571 غرامات.