الحمد لله المتوحد بالبقاء، كتب على خلقه الفناء، جعل لكل شيء ابتداء وانتهاء، سبحانه وتعالى القائل في محكم كتابه الكريم كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور سورة آل عمران آية (185)
وقال تعالى {كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والأكرم} سورة الرحمن آية (26 - 27)
وقال الشاعر الحكيم:
الموت باب وكل الناس داخله
فليت شعري بعد الموت ما الدار
فالحمد لله على قبضه وعطائه والحمد لله على مده وابتلائه والحمد لله على وعد عفوه وغفرانه.
إيماناً بقضاء الله وقدره تلقيت مهاتفة من أخي الكريم عبد الرحمن الصالح خبر وفاة السيدة أمل الوثلان زوجة {ابن عمي} منصور الصالح يوم الأربعاء 22/1/1437هـ الموافق 4/11/2015م بعد معاناة من مرض العضال، وقال تعالى يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية وقوله تعالى انا لله وإنا إليه راجعون ، وان هذا مصير كل إِنسان في هذه الحياة الفانية لا بُدَّ من الرحيل مهما طال عمره وسار وجال على هذه الأرض المباركة لا بُدَّ من الانتقال من دار الفناء إلى دار البقاء.. رحم الله (( أم مشعل )) رحمة واسعة واسكنها فسيح جناته - ولعل من قبيل الاحترام والتقدير لهذه السيدة الفاضلة - صاحبة السيرة الحسنة والخصال الحميدة بخلقها وكرمها وتواضعها الجم انني على يقين ان ما يكتب عنها لن يعطيها حقها بالقدر الكافي، لكنها مشاعر جالت بخاطري أوجبها حق القرابة والوفاء أن أتحدث عنها ولو بجزء يسير عن بعض خصالها وخصائص شخصيتها التي تتصف بعدة خصال عالية - فقد حدثني (ابن عمي) عن أم مشعل رحمها الله وعيناه تذرفان دمعًا وحزناً قائلاً - إن والدة مشعل - مدرسة بما تعنيه الكلمة، فقد احتوت أفراد الأسرة بحبها وحنانها وعطفها وكرمها فلامست شغاف قلوب افرد الأسرة وسكنت مهج الروح وأحسسنا معها بدفء الفؤاد - يا بياض القمر ونور البصر انه القضاء والقدر... وقد رضينا بما قدره رب العباد ورب القضاء والقدر... رحيلك عنا قدر من أقدار الله فرحمكِ الله واسكنك فسيح جناته {يا أم مشعل} - فإنَّ المرء يعتز تمام الاعتزاز ان يسترسل الحديث عن هذه السيدة الكريمة، فقد رسمت لنفسها طريقاً في هذه الحياة وظلت تسير عليه على هدى وبصيرة لا تحيد عن ذلك الطريق أبداً، فالمرء الذي يصل إلى هذا المستوى من وضوح الرؤية وعمق الإحساس بالمسؤولية يريح نفسه اولاً من التذبذب والضياع ومن الظلم والاعتداء على الآخرين وتريح الناس من حولها، اشتهر صيتها الطيب وسيرتها الحسنة وسمعتها الطيبة بين أوساط مجتمعها المتماسك والمترابط والمحافظ.
ولقد عملت في عدة مجالات - يرحمها الله - أولاً معلمة ثانياً مشرفة تربوية ثم استقر به المقام إلى مساعدة إلى جانب أعمالها الأخرى - فنانة تشكيلية من الطراز الأول ثم مصممة أزياء من الطراز الثاني، لقد فقد الوسط الفني التشكيلي الفنانة المرموقة ومصممة الأزياء الوطنية الأستاذة الفاضلة أمل الوثلان يرحمها الله ويسكنها فسيح جناته، التي كانت لها اسهامات وإبداعات بارزة على السطح في مجال الفن والتصميم وكانت مما يشار لها بالبنان.
في ذلك المجالين وكانت مقصد لمحي التصميم والفن التشكيلي فهي لم تبخل عليهم لأنّها كانت منذ وقت مبكر مولعة بالفن، مما جعلها تحلق مع أصحاب تلك الهوايات لأن الطموح والابتكار بلا شك سعي مطلوب وأمر محمود.
فقد استفاد الكثير من أعمالها حيث إنها تحب البحث والاطلاِّع والتجديد والإبداع والتصميم العميق والرصد فقد اكتسبت ثقة طالباتها والمتهمين بهذا المجال وأصبحت مصدر من مصادر الفن والتصميم في بلادنا المترامية الأطراف خصوصاً بالمنطقة الوسطى عاصمتنا الحبيبة الرياض على وجه التحديد.
وكانت الأستاذة الفاضلة / أمل الوثلان - يرحمها الله - تملك أشياء مهمة عن مجال التصميم بالذات والتي لم تبرز كلها على السطح ولها العديد من المساهمات واللقاءات والكتابات الإعلامية التي نشرت في عدة مجلات وصحف كما كانت خلال سنوات عمرها الفني محط أنظار المهتمين وقد شاركت في عدة معارض داخل البلاد وخارجه.
فقد رحلت عن دنيانا الفانية - غفر الله لها - وقد ودعت هذه الحياة بكل هدوء وصمت بعد ان قدمت لأمتها ومجتمعها الشيء الكثير من الخطوات الفاعلة والإسهامات الرفيعة سيذكرها أفراد أسرتها وستظل علامة بارزة في أذهانهم وعقولهم كلما يتردد اسمها بين الفينة والفينة، حيث إنها تجسد جهود عملت ونفذت على أرض الواقع وترجمة أهدافها وأمالها في مختلف المجالات.
كانت {والدة مشعل الصالح} من المصممات اللاتي لهن تجربة ليست بالطويلة إلا أنها بفضل الله وكرمه تفوقت وبرزت على السطح مما أكسبت القارئ الكريم خبرة وتجربة في مجال أعمالها في هذه الحياة.
ويؤكد أخي الفاضل {أبو مشعل} مراراً وتكراراً خلال حديثه السابق والمتميز معي ان الحديث عن سيرة أي إِنسان في هذه الحياة تمتاز بالمشقة البالغة.
الكل يدرك تمام الإدراك أن مجال التصميم ليس بالأمر السهل. فقد لعب مجال التصميم دور فاعلاً وبارزاً في حياة المرء لقد دخل هذا المجال في تفاصيل حياة البشرية فأصبح المصمم والمصممة في محيط مجتمعهم بمثابة محور يدورون حوله وحلقه وصل بين أفراد مجتمعهم،
فالمرء يتعامل من خلاله مع العالم المحيط به يدفعه حقيقة التعبير لإثراء محاولاته المستمرة لإنجاح تجاربه الإِنسانية التي تنعكس على قيمة التصميم والابتكار والإبداع، إن من يتابع الأعمال المتجددة في معارض التصميم يكتشف أن الأمر لا يأتي اعتباطاً أو ضربة حظ فقط وإنما أتى بجهود وكفاح ومشقة، فقد حدثني أخي الكريم {أبو مشعل} عن زوجته وعن سيرتها بكل شفافية ومصداقية تامة.
قائلاً: فقدت الأسرة امرأة مثالية ومحبوبة تملأ العين سكناً وهدوءاً وتجبر القلب على محبتها من غير إجبار أو اختيار، كانت تمتاز بالحزم والعزيمة والإصرار فقد زرعت في أبنائها كافة أبجديات الخصال الحسنة فكانوا مضرب المثل بين أقرانهم في الأدب والاحترام والتقدير وحسن الخلق، ما أجملها من زوجة وما أروعها من أم وما ألطفها من سيدة غالية وما أروعها من جليسة وما أحلمها عند الخصام وما أزكى نفسها عند العتاب وما أكرمها عند الجود والعطاء، كانت تتحلى بالنبل والكرم والعفاف والستر والعزة بالنفس تمتاز بصفات قل أن تجتمع في امرأة واحدة.
لقد عانت الفقيدة من كافة منغصات الحياة وإرهاصاتها بشتى صورها من الغريب والبعيد وكانت نعم الزوجة الصابرة والمثابرة والمحتسبة تمارس عملها بكل همة ونشاط وحيوية وتدير شؤون منزلها بكل حكمة واقتدار إلى جانب حرصها الشديد على أداء الواجبات الشرعية وحفظ اسرار منزلها، فقد كانت الفقيدة ذات همة عالية تركتها في نفس زوجها.
كانت دائما تترفع عن كافة صغائر الأمور التي تحدث معها في حياتها اليومية سواء في مجال العمل أو خارج العمل وتتعامل مع من حولها بذوق واحترام وادب وتقدير.
إلى جانب أنها تمتاز بدماثة الخلق ولين العريكة متزنة التصرف والهدوء تحب المعرفة وتتلمس مسارب الفهم تتقن العمل بكل أمانة وإخلاص.
رحلت الفقيدة وبقى ذكرها الحسن وزادت محبتها في قلوب محبيها فنعاها من يعرف مكانتها وبعد نظرها.
كما قال الشاعر الحكيم:
وما هذه الأيَّام إلا مراحل
يحث بها حاد من الموت قاصد
وأعجب شيء لو تأملت أنها
منازل تطوى والمسافر قاعد
كل إِنسان منَّا في هذه الحياة الدنيا راحلٌ ترفع أقلامه وتجف صحفه... كما قال رب العزة والجلال في محكم كتابه الكريم - {وأن ليس للإِنسان إلا ما سعى}، ولكن هذه الصحف بما هي عليه وبما فيها تنشر على ألسنة الناس لتكون عمراً ثانياً في حياته وبعد مماته، لتملأ الفراغ الذي تركه ببدنه والذين يصنعون لأنفسهم الذكر الحسن بالعمل الصالح.
كانت الفقيدة تمتاز بالطموح وتسعى للبر والإحسان في مد يد العون والمساعدة للآخرين، إلى جانب أنها تقدم قواعد الضيافة على أصولها المتبعة أو أكثر بعناية واهتمام وحرص شديد دون تقاعس أو تكاسل أو إهمال، فقد شبت وترعرعت في مدرسة والديها على حب الناس واحترامهم وتقديرهم.
عرفت عميدة الأسرة بخصال رائعة لا تخفى عن أعين أقاربها وصديقاتها ومحبيها، تستقبل هؤلاء باحترام وتقدير وحفاوة لا تفارقها البشاشة والابتسامة على محياها تحرص كل الحرص على حب الحديث والحوار والنقاش الهادف والمميز حتى مع معلماتها اللاتي تقوم بزياراتهن داخل المنشآت التعليمية.
فأردف {ابن عمي} قائلاً: خلال السنوات التي ليست بالقصيرة ولا الطويلة حتى انتقالها إلى جوار ربها أعدّها في نظري كنزاً لا يتكرر وفراقها عن الأسرة شعور لا يوصف فقد انطفأ نورها المنير داخل الأسرة.
وقال الشاعر الحكيم:
من هاب أسباب المنية يلقها
ولو رام أسباب السماء بسلَّم
من خلال ما ذكر آنفاً من كان له بصر يبصر به ومسمع يسمع به وعقل يدرك به، إِذْ إن حياة المرء عبارة عن مراحل.
قال الشاعر الحكيم:
أبيت الليل مكتئبا حزيناً
وتسألني العوائد كيف حالي
يدفن بعضنا بعضا ويمشي
أواخرنا على هام الأوالي
وما الموت إلا سارق دفن شخصه
يصول بلا كف ويسعى بلا رجل
نحن بنو الموتى فما بالنا
نعاف ما لا بُدَّ من شربه
مثلك يثني الحزن عن صوبه
ويسترد الدمع عن غربه
على ذا مضى الناس اجتماعاً وفرقة
دميت مولود ومال ووامق
لقد ودعت هذه الدنيا الفانية - رفيقة العمر وعميدة الأسرة والدة مشعل الصالح ولم يمت اسمها ولا مآثرها ولا ذكرياتها، وسيظل اسمها محفوراً في ذاكرتهم مدى حياة أبنائها وأحفادها مستقبلاً.
ختاماً : أتقدم بخالص العزاء وصادق المواساة لأسرتي {الصالح والوثلان} وأفراد أسرهم ، سائلا المولى - عز وجل - أن يتغمد الفقيدة بواسع رحمته ويسكنها فسيح جناته وأن يجعل قبرها روضة من رياض الجنة وأن يلهم أفراد أسرتها ووالدها وأبناءها وأخواتها وإخوانها الصبر والسلوان.
- عبدالعزيز صالح الصالح