سليمان بن داود الفايز ">
لم ينعم الله على الشعوب بنعمة بعد الإيمان أفضل من نعمة الأمن؛ فلا حياة للنفوس ولا استقرار لها ولا اطمئنان للقلوب إلا إذا تحقق الأمن في النفس خاصة، وفي المجتمع عامة. وأي حياة ينعم بها البشر وأي سعادة يعيشها المجتمع في ظل خوف يروعه، أو تهديد واضطراب يزلزل كيانه، أو يهد أركانه؟! لقد وصف الله - عز وجل - بلده الحرام بالأمين حين أقسم به في سورة التين فقال تعالى {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأمين} أي الآمن. وقد تحقق له الأمن بدعوة إبراهيم {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمنا}. وبين الله سبحانه قيمة الأمن في المجتمع حين منَّ على أهل قريش به فقال: {الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمنهُم مِّنْ خَوْفٍ}، فقرن بين نعمة الرزق ونعمة الأمن. كما منّ على المسلمين المستضعفين بأن أعزهم من ذل وأيدهم بنصره فقال: {وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأرض تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ}.
والأمن أحد أمور ثلاثة عدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تمام النعمة وغنى الإنسان فقال: «من بات آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها».
ولا تجد ملة من الملل أو شريعة من الشرائع حرصت على تهيئة الأمن وتوفير سبله في المجتمع مثلما حرصت الشريعة الإسلامية؛ فالإسلام أمن وأمان للنفس وللمجتمع من التشتت والانهيار. والإيمان بالله هو الحصن الحصين للمجتمع من الانفلات والتفلت. ولا أمان بدون إيمان. يقول الشاعر:
إذا الإيمان ضاع فلا أمان
ولا دنيا لمن لم يحي دينا
ومن رضي الحياة بغير دين
فقد طلب الفناء له قرينا
إن شريعة الإسلام حينما تحرّم القتل والزنا وشرب الخمر، وغيرها من المحرمات، فإنها تحمي المجتمع من فئة ضالة، تهدد أمنه، وتزعزع استقراره.
وحينما تعلن الحرب على الخارجين عن نظامه العابثين بمقدراته الساعين في الإفساد في الأرض فإنها توفر الأمن، وتنشر الطمأنينة والهدوء النفسي بين أفراد هذا المجتمع.
إن المجتمع بكامل هيئاته مطالَب بالقيام بدوره في هذا المجال؛ فبواعث الأمن تبدأ من البيت حيث التربية الهادئة الصحيحة للنشء، مروراً بالمدرسة حيث القيام بغرس الفضائل وتمكينها من نفوس الطلاب وبعثها من جديد، سواء من خلال المقررات الدراسية التي تركز على ذلك أو من خلال الأستاذ القدوة المربي الذي يمثل الأمن والطمأنينة سلوكاً ومنهجاً، أو من خلال الإدارة التعليمية التي تحرص كل الحرص على إنجاح هذه المنظومة وغرسها في نفوس المتعلمين. ثم يأتي دور المجتمع في التواصي بالرحمة والطمأنينة، وعدم بعث مَواطن الفتنة والخلاف؛ فينعم المجتمع باستقراره، ويسعد بتقدمه في ظل مواطنين أسوياء، يقدمون لوطنهم ما يستحقه من فداء وتضحية ورخاء.
- مدير المعهد العلمي في محافظة الزلفي