المملكة تقدمت على كثير من دول العالم في معالجة الظاهرة الإرهابية في المزج بين الحل الفكري والأمني ">
مكة المكرمة - خاص بـ(الجزيرة):
استشعاراً من المملكة العربية السعودية لمكانها الدولية والإسلامية وقفت موقفاً صارماً من الإرهاب منذ انطلاقة شراراته. وقد بذلت المملكة ولا زالت تبذل الكثير من الجهود لمحاربة الإرهاب على المستوى الوطني والعربي والإسلامي والدولي، وأبدت تعاوناً كاملاً مع الجهود الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب، ونظراً لمكانتها الدينية، وكونها قبلة المسلمين وموطن مقدساتهم، فإن جهودها محل رضا وقبول وإشادة من مختلف الأطراف المحلية والدولية.
معالي الشيخ الأستاذ الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي وعضو هيئة كبار العلماء ممن لهم جهود تذكر فتشكر في تعرية الأفكار المنحرفة الضالة من خلال عقد المؤتمرات والندوات والإسهام في إصدار المطويات والمشاركات الإعلامية المتعددة يتحدث عن أبرز الجهود التي بذلتها المملكة في محاربة الإرهاب.
أولاً: في المجال القضائي
اعتماد العقوبة المغلّظة للإرهاب، وعدّه من الحرابة، وذلك حسب قرار مجلس هيئة كبار العلماء رقم (148) لعام 1409هـ/1989م الصادر بالطائف. ونصه: «إن مجلس الهيئة وبعد وقوع عدة حوادث ذهب ضحيتها الكثير من الناس الأبرياء، وتلفت بسببها الأموال والممتلكات والمنشآت العامة قام بها بعض ضعاف الإيمان أو فاقديه من ذوي النفوس المريضة، وبما أن المملكة العربية السعودية كغيرها من البلدان عرضة لوقوع هذه الأعمال، فقد رأى المجلس ضرورة النظر في تقرير عقوبة رادعة لمن يرتكب عملاً تخريبياً».
وانطلاقاً مما ذكره أهل العلم من أن أحكام الشرع إنما تدور من حيث الجملة على وجوب حماية الضرورات الخمس، والتي هي: الدين والنفس والعرض والعقل والمال. وما تسببه تلك الأعمال من إخلال بالأمن العام ونشوء حالة من الفوضى والاضطرابات فقد قرر المجلس: (من ثبت شرعاً أنه قام بأعمال التخريب والإفساد والاعتداء على الأنفس والممتلكات الخاصة أو العامة، كنسف المساكن والمساجد والمدارس والمستشفيات والمصانع والجسور ومخازن الأسلحة والمياه والموارد العامة، كأنابيب البترول أو نسف الطائرات أو خطفها ونحو ذلك، فإن عقوبته القتل. اهـ.).
ثانياً: في المجال التوجيهي
تأصيل منهج الوسطية ومعالجة الغلو والتطرف والتعصب الديني، وتنمية الوازع الديني لدى أفراد المجتمع، والاهتمام بالنشء عن طريق وسائل كثيرة، منها: المحاضرات العامة والندوات والمشاركات المتنوعة.
جاء في كلمة لخادم الحرمين الشريفين في حفل افتتاح مؤتمر الحوار بين الحضارات واتباع الأديان الذي عقد في كازاخستان في رجب 1424هـ: «إن الإرهاب لا وطن له ولا جنسية، كما أنه لا ينتمي لدين أو ثقافة أو حضارة معينة، ولا يمكن نسبته إلى أي حضارة أو لصدق أوزاره بها، فهو عمل إجرامي معاد للإنسانية ومخالف لرسالات الله سبحانه وتعالى، ولذلك لا يمكن تحديد موطن له».
وقد انتهجت المملكة أسلوباً فريداً في علاج ما ظهر من بعض أبنائها من أعمال إرهابية، فقد طالبتهم بالتوبة والإنابة وتسليم أنفسهم، وقبلت منهم عودتهم إلى الحق، ونشر تلفزيون المملكة العربية السعودية في عدة حلقات مقابلات أجريت مع بعض أولئك العائدين إلى الحق.
وقد شجع العلماء هذه الخطوة المباركة التي تعمل على رأب الصدع وتوحيد الأمة، وعدواً هذه المراجعات تقدماً في مجال مكافحة الإرهاب، وكان هذا الأسلوب جمعاً بين الحل الأمني والحل الفكري لقضية الإرهاب على المستوى المحلي.
والمملكة بهذه السياسة الحكيمة المستمدة من كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- قد تقدمت على كثير من دول العالم في معالجة الظاهرة الإرهابية في المزج بين الحل الفكري والحل الأمني، وهي سياسة ناجحة على المدى القريب والبعيد بإذن الله.
ثالثاً: في مجال التعاون الإقليمي والدولي
1- تقود المملكة حملة قوية ضد الإرهاب والإرهابيين من خلال مجلس وزراء الداخلية العرب الذي أنشئ عام 1982م، وأسهمت المملكة إسهاماً فعّالاً في عدد من القرارات التي أصدرها المجلس والهادفة إلى تعزيز التعاون الأمني بين الدول العربية، ومن أهمها:
- الإستراتيجية الأمنية العربية.
- الإستراتيجية الأمنية العربية لمكافحة الإرهاب.
- الإستراتيجية العربية الإعلامية للتوعية الأمنية والوقاية من الجريمة.
ولتعزيز هذه الإستراتيجيات وقعت المملكة على عدد من الاتفاقيات منها:
- الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب لعام (1998م).
- معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي حول الإرهاب.
- ووقعت المملكة على إحدى عشرة اتفاقية دولية على صعيد الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب.
2- التناول الإعلامي المستمر المحذر من الإرهاب، وعناصره، وأشكاله، وأهدافه البغيضة، وشرح ما يدور من أحداث في العالمين العربي والإسلامي بشكل خاص.
3- مشاركاتها في مختلف المحافل والمؤتمرات الدولية والمنظمات والهيئات والمجالس مما له صلة بتكاتف الجهود لمكافحة الإرهاب.
4- عقدت المملكة خمس عشرة اتفاقية أمنية ثنائية مع عدد من الدول، احتلّ موضوع مكافحة الإرهاب الأولوية فيها، مما يؤكد تعاونها التام مع المجتمع الدولي في الوقاية من مخاطر الإرهاب.
5- صادقت المملكة على عدد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، منها:
- اتفاقية طوكيو الخاصة بالجرائم والأفعال التي ترتكب على متن الطائرات والموقعة بتاريخ 14-9-1967م.
- اتفاقية لاهاي بشأن مكافحة الاستيلاء غير المشروع على الطائرات والموقعة بتاريخ 16-12-1970م.
- اتفاقية مونتريال الخاصة بقمع الأعمال غير المشروعة المرتبكة ضد سلامة الطيران المدني والموقعة بتاريخ 23-9-1971م وغيرها.
رابعاً: في المجال الأمني
بذلت المملكة جهوداً كبيرة في حماية الأشخاص والممتلكات، من اعتداءات الإرهابيين، وعملت بحزم على منع محاولاتهم الإخلال بالاستقرار والأمن، الذي تميزت به المملكة منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله-.
ومن أبرز الجهود التي بذلتها المملكة في هذا المجال:
- ملاحقة المجموعات الإرهابية واعتقال أفرادها، والقضاء على من اختاروا المواجهة.
- توقيف المتورطين في التحريض على الإرهاب والدعاية للإرهابيين.
- العناية بضحايا الإرهاب، وتعويض المتضررين منهم.
- اتخاذ إجراءات أمنية صارمة لحماية أمن الأشخاص والممتلكات والمؤسسات في طول البلاد وعرضها.
- القيام بحملات إعلامية متنوعة لتحذير الناس من خطر الإرهابيين وحثهم على الإسهام في مكافحة الإرهاب ومحاصرته.
- قام العلماء والمفكرون والباحثون والتربويون في المملكة بمنازلة الفكر المتطرف والمغالي، وأدحضوا شبهاته والأباطيل التي يستند إليها، داعين إلى التوسط والسماحة.
التفاعل مع الجهود
وعلينا نحن أبناء المملكة، سواء أكنا مواطنين عاديين أم مسؤولين في مواقع مختلفة، أم طلاباً في الجامعات والكليات والمعاهد العليا، أن نتعاون في تعميق وعي مشترك للتفاعل الإيجابي مع جهود مملكتنا وولاة أمرنا، في التصدي للإرهاب فكراً وسلوكاً، وتوجيه أبنائنا توجيهاً صحيحاً؛ يحصنهم من مختلف أنواع الانحراف والتطرف الفكري والسلوكي الذي قد يهدد منظومتنا الثقافية الإسلامية التي هي الضامن لوحدة النسيج الاجتماعي ومتانته، وهي المقوم الأساس في نعمة الأمن والاستقرار الذي ننعم به منذ تأسيس المملكة، في ظل قيادة راشدة تربطها بشعبها رابطة من الولاء والمحبة البعيدة عن التكلف، قيادة لم تأل في العمل على ازدهار الوطن وتحقيق الرفاهية للمواطن، وإعطاء الدين أهمية أساسية في الحياة الفردية والاجتماعية.
وعلينا أن نسهم في تكوين هذا الوعي المشترك من خلال ما لدينا من أدوات وإمكانات، مثل الكتابة في الصحف والمواقع الإلكترونية، ومن خلال رسائل التواصل الاجتماعي على صفحات الفيسبوك وتغاريد التويتر، ومن خلال المحاضرات والندوات والبحوث الأكاديمية.
والمؤمل من الشباب السعودي وفي طليعتهم طلاب الجامعات، كوادر الغد وأعضاد المجتمع وطاقة المؤسسات، أن يكون لهم إسهام أكبر في تنمية الوعي العام بالتصدي للإرهاب والتطرف، ونشر ثقافة الوسطية والاعتدال، والإرشاد إلى تصحيح الخلل والالتباس الذي قد يقع في بعض المفاهيم الشرعية، وبيان الأضرار التي لحقت بالمسلمين المقيمين في بلاد غير إسلامية، من المضايقات والتعريض للمساءلات والتحقيقات، والتضييق على مؤسساتهم التعليمية والخيرية والاجتماعية، كل ذلك بسبب حوادث التفجير التي تبنتها بعض الجماعات أو نسبت إليها.
وتتأكد المسؤولية علينا نحن السعوديين في معالجة الإرهاب الذي يمارس باسم الدين، لعدة أسباب، منها:
أولاً: أننا ننتمي إلى دولة متميزة بحمد الله تعالى بالعديد من الخصائص التي تستوجب مضاعفة الشعور بالمسؤولية تجاه أي قضية مشتركة بين المسلمين، ومن تلك الخصائص:
1- قيام المملكة على أسس إسلامية، باتخاذ كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- دستوراً وحاكماً على مختلف الأنظمة.
2- من أرضها انطلقت رسالة الإسلام، الرسالة العالمية الخاتمة الخالدة، وفيها أسست دولته الأولى وتكونت أمته، وإليها يفيء المسلمون في آخر الزمان ويتفيؤون ظلال الإيمان، كما جاء عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها». يأرز: ينضم ويلتجئ.
3- فيها حرم الله وحرم رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وفي حرم الله بيته الحرام قبلة المسلمين قاطبة، وإليهم حجهم، الركن الخامس من أركان الإسلام.
4- شعار الإسلام ظاهر في المملكة في كل مكان، لا مكان فيها لمظاهر الشرك والبدعة، والإنسان آمن أن يسمع كلمة الكفر أو الفجور، والتمسك بالدين الحنيف له أهمية كبيرة لدى ولاة الأمر ولدى العلماء ولدى عامة الناس. فالمسلم في المملكة يشعر بالعزة ويتفيأ ظلال الحرية في تمسكه بدينه في نفسه وأسرته وتلقي أبنائه تربية إسلامية صافية في المدارس، ولا يجد ما يضايقه في تطبيقه والتمسك به، بل يجد موانع تمنعه من التظاهر بما يخالف الدين أو يسيء إليه، من الجهات المحتسبة.
5- الصلة بين ولاة الأمر وبين شعبهم صلة عميقة ووثيقة، وهي صلة رأفة ورحمة وولاء ومحبة.
6- يتوفر في المملكة عدد كبير من العلماء المتميزين بصفاء العقيدة والتمسك بالكتاب والسنة وأصول الفهم التي سار عليها السلف الصالح، ليس لديهم انحراف ولا تلوث بالمؤثرات الثقافية التي توجد في بلدان أخرى غزاها الاستعمار، وترك فيها آثاره السلبية على الأفكار والأخلاق والسلوك.
7- المملكة مقر لمنظمة التعاون الإسلامي، والبنك الإسلامي للتنمية، والمجمع الفقهي الإسلامي الدولي، ولرابطة العالم الإسلامي ومجمع الفقه الإسلامي التابع لها، والندوة العالمية للشباب، والبنك الإسلامي للتنمية، وتنعقد فيها كثير من المؤتمرات الإسلامية واللقاءات.
ثانياً: استهداف المملكة بحملات الإساءة هو في الحقيقة استهداف لخصوصيتها الإسلامية، أو لهذا النموذج الإسلامي الصالح الناجح الذي حقق توازناً رائداً بين الأصالة والمعاصرة.
وسواء أكانت هذه الإساءة من جهات معادية للإسلام والمسلمين، أم كانت من جهات محسوبة على الأمة، بل أحياناً تكون الإساءة من هذه الجهات المحسوبة على الأمة أكثر ضرراً على المملكة وقادتها وعلمائها وأبنائها عموماً؛ لأنها تثير إفكاً حول صدق ولاء المملكة لأمتها ودينها وغيرتها على حرماتها ودفاعها عن قضاياها، والتأثر بهذا الإفك هو الذي يدفع الجهلة أحياناً إلى تبني العنف والانسلاك في مسالك الإرهاب.
ثالثاً: جهود المملكة في خدمة القضايا العربية والإسلامية، رائدة وسباقة وحافلة بالمبادرات واستضافات الوفود والشخصيات والمؤتمرات واحتضان الهيئات والمنظمات الإسلامية، منذ تأسيسها إلى اليوم.
وولاة الأمر الذين توالوا على قيادتها، من الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، لهم آثار عظيمة ومواقف مشرفة وإنجازات واضحة، يشهد بها المسلمون أينما كانوا.
رابعاً: الإرهاب الذي يمارس باسم الإسلام أحدث ضرراً كبيراً على المسلمين في كل مكان، وأعطى صورة سيئة عن الأمة ودينها ورسالتها.
ولما كانت المملكة دولة مطبقة للإسلام ومدافعة عنه وحريصة على جمع كلمة أمته، فإن هذا الإرهاب يسيء إليها ويعوق جهودها، ويشجع على نمو نماذج مشوهة مخدوجة منحرفة عن هدي الكتاب والسنة.
وحينما يوصف المتمسك بالدين الصحيح بالوهابية، فالقصد من ذلك إثارة العداء ضد المملكة العربية السعودية وتنفير الناس من المنهاج الذي تسير عليه، أو تنفير الناس من اتباع الكتاب والسنة ومنهاج السلف، وادعاء أن هذا الاتباع الذي يظهر في المملكة بصورة واضحة، هو منبع الإرهاب ومنطلق التطرف، حتى يتركز في الأذهان تفضيل النماذج الخرافية، وتصبح هي المعبرة عن الاعتدال والوسطية في فهم الإسلام والعمل به.
فمن الأهمية بمكان أن يعي أبناء المملكة هذه الحملة المبطنة ضد التمسك الصحيح بالإسلام، بمحاولة ربطه بالإرهاب الذي يمارس باسم الإسلام، ويلقى دعماً خفياً من أعدائه، وأن من الضرر الكبير على الوسطية والاعتدال التي ندعو إليها في المملكة، أن ينخرط أحد من أبناء المملكة في التنظيمات التي تمارس الإرهاب باسم الإسلام، وتحاول أن تصنع له مسرحاً في داخل هذه الدولة المباركة.
خامساً: ما تمارسه بعض الجماعات من إرهاب باسم الجهاد، مشكلة تخص المسلمين في الحقيقة والواقع، لأن أسبابها ترجع في الأساس إلى اختلال في المفاهيم الإسلامية، وإلى التهاون في تطبيق الشريعة الإسلامية في معظم الدول الإسلامية. والشريحة الواعية من المسلمين تدرك هذه المشكلة، وتدرك أن المملكة لا تعاني منها، بحمد الله، ومن ثم فاستهدافها بهذا النوع من الأعمال الإرهابية لا شك في خطورته على الإسلام وعلى كل نموذج صالح في تطبيقه.
وعلى هذا فمحاولة هذا الإرهاب الذي يمارسه المنتسبون للإسلام ليست كمحاربة تنظيمات الإرهاب التي لا صلة لها بالإسلام. ومحاربة الإرهاب تشمل في أهم جوانبها التوعية الدينية التي تصحح الفكرة في نفوس الشباب، وتقنع الفئة التي تورطت بخطئها وفداحته وخطورة التمادي فيه، وتساعدها بعد المراجعة والتراجع على تصحيح المفاهيم، والتبصير بالمنهج الصحيح الذي ينبغي أن يسير عليه الشاب المسلم الذي يريد أن يعمل لديه وأمته.