د. خالد محمد باطرفي
بعد أن صدمتها مشاهد ضحايا العملية الإرهابية في باريس، علّقت زوجتي وكأنما تحدث نفسها: «الإرهابيون يقتلوننا كل يوم، ليس فقط بعدد قتلانا وجرحانا، بل أكثر عندما يفرضون عليك تغيير نمط حياتك، ويشعرونك بأنك مهدد، وكأنما في ساحة حرب.. والأسوأ من ذلك أنهم يرتكبون وحشيتهم الشيطانية باسم الرحمن الرحيم، فيسيئون لدينه العظيم، ولنا كمسلمين».
«تعيش حياتك وفق معاييرك الحضارية الربانية، ثم تستيقظ ذات صباح لتسمع عن تفجير هنا أو هناك، باسمك واسم دينك، ضحاياه أبرياء كانوا يمارسون حياتهم الطبيعية في المسجد والمدرسة والسوق والشارع مع أسرهم وأطفالهم وأصدقائهم.. وفجأة يأتي شاب فقدَ عقله وضميره ليفجّر نفسه بينهم ويحوّلهم إلى أشلاء».
من هو المسئول عن هذه العدمية؟.. تتساءل زوجتي، وتجيب: «كل واحد مناّ»، فالمجرمون لم يأتوا من العدم، بل جاؤوا من بيننا. هناك، بلا شك، أم عرفت أن لها ابناً ضلّ طريقه، أو صاحب مبنى أثار بعض السكان شكه، أو جار، أو مدرس، أو صديق، أو عابر طريق لاحظ شيئاً يستحق الإبلاغ عنه ولم يفعل. ربما لأنهم تخوفوا من أن يكون مخطئين، أو خشوا على المشتبهين من قسوة العقاب، أو تخوفوا من التورط بإغضاب من ورائهم وتعريض أنفسهم وأسرهم للخطر.
«ومع ذلك، فليس لنا بعد كل ما ظهر لنا من نتائج الصمت أي عذر»، تؤكد زوجتي.. «فلو لم نبلِّغ عن مشبوه فقد ينتهي إلى تفجير نفسه والآخرين.. ثم إن الجهة المبلغة ستحرص على تتبع الخيوط الموصلة إلى من يديره قبل القبض عليه.. وعدالة الشريعة ستعطيه الحق في الدفاع عن نفسه وتفرض على الادعاء إثبات جرمه.. وفي نهاية المطاف فالسجن خير له وآمن.. فعلى الأقل سيبقى حياً يرزق، ولديه فرصة المناصحة والتراجع والتوبة، ثم العودة بعد قضاء مدة العقوبة إلى أسرته ومجتمعه عضواً نافعاً.»
زوجتي على حق، فنحن الآن نواجه حرباً وحشية، مدمرة مع الإرهاب.. وخطرها داهم على إنسانيتنا وحضارتنا وتعايشنا السلمي مع الآخرين.. فنتيجة للعمليات الإرهابية في منطقتنا، وفي أوروبا تعيش الجاليات المسلمة في دائرة الاتهام، ويعيش أهل الذمة في بلداننا مهددين، وتحولت العلاقة بين الطوائف الإسلامية والتي كانت تعيش في وئام قبل فتنة الثورة الإسلامية الإيرانية، وغزو العراق، إلى حالة ريبة أو عداء.
ما الحل إذن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟
أولاً: لا بد أن تبدأ حملتنا في الداخل، بتوعية المجتمع، وتجفيف منابع الإرهاب الفكرية والمادية، وتشجيع التعاون مع السلطات.
ثانياً: علينا أن نتفق مع العالم من حولنا على تحديد هوية عدونا والداعمين له بدلاً من أن نلقي بالتهم على بعضنا، ونحاربه متفرقين.. فالدول العربية والإسلامية عانت من الإرهاب بأضعاف ما عانى الغرب والشرق.
وأخيراً: يجب أن نواجه جماعات الإرهاب عسكرياً وجهاً لوجه.. فنحن نحارب اليوم بتردد وتشتت وضعف. وقوات التحالف الدولي ضد الإرهاب تحارب من الجو وتخشى مواجهة العدو على الأرض.. ولكن التجارب السابقة أثبتت أن الحرب من هذا النوع لا تجدي.. فأوروبا لم تتحرر من النازية في 1945م إلا بنزول الحلفاء في النورماندي.. والكويت لم تتحرر عام 1991 إلا بقوات على الأرض.. وعدن لم تتحرر في 2015 إلا بإنزال بري.. وداعش والمليشيات الأجنبية الداعمة للنظام والمحاربة ضده لن تنهزم إلا بجيش إقليمي مدعوم دولياً بتفويض صريح وملزم من مجلس الأمن (تحت الفصل السابع)، كما تحقق في الكويت واليمن.