يوسف بن عبدالله الدخيل ">
لا نقصد العنف في المدارس الذي يعادل الإرهاب هنا.. ولكن نقصد عنف الأطفال والشباب والمراهقين؛ فمؤخراً تناقلت وسائط التواصل الحديثة صورة المشاجرة الكبرى لطلاب إحدى المدارس في العاصمة الرياض.
وبالتأكيد، هناك من وزع المسببات بين جهات عدة؛ فمنهم من قال البيت لم يحس التربية، وآخرون قالوا المدرسة ومديرها أهملوا الوضع.. وفئة أخرى رأت الأجهزة الأمنية هي السبب..
لا نريد الخوض كثيراً في تفاصيل هي مسببات وليست سبباً مباشراً.. وصريحاً..
لنبدأ بتحليل القصة من بدايتها في المرحلة الابتدائية؛ إذ يغادر التلميذ بيت أهله الذين في الغالب أحسنوا تربيته وتنشئته.. فحين يسعى هذا التلميذ الذي تعلَّم السلوك السوي واحترام النظام والابتعاد عن العنف إلى أن يحصل على حقه البسيط والمشروع في تناول وجبة إفطاره الصباحي من مقصف مدرسته.. ماذا عساه أن يرى؟ أو بالأوضح كيف له أن يتصرف؟ فبدلاً من أن يجد هذا التلميذ طابوراً منتظماً وعادلاً للحصول على وجبته بكل يسر وسهولة، وتتكافأ من خلاله الفرص.. يكون الواقع سيئاً جداً للحال.. سيجد التلميذ حركة تدافع عنيفة، وعنفاً كبيراً للسيادة، والأولوية لصاحب البنية الجسمية القوية وللتلميذ الجريء..
والنتيجة نتيجتان، لا ثالث لهما: إما أن يغادر الطفل ويتنحى حتى نهاية الطابور العنيف، أو يكتسب مهارة العنف.. ويدخل في الأجواء ذاتها، والصراعات ذاتها..
صراع صباحي يعيشه التلميذ في المكان الذي هو في عقليته المكان المناسب لاكتساب العلوم والمعارف والآداب والتربية واكتساب احترام النظام وتنفيذه.. هذا الصراع الصباحي الذي يحدث بشكل يومي، وفي الغالبية العظمى من مدارسنا، هو سبب رئيسي ومباشر لميلاد العنف وتقويته في نفوس أبنائنا؛ فبدلاً من أن يكتسب التلميذ معلومة أن النظام هو الأقوى، والجميع تحت النظام، ولا أحد فوق النظام، وأن النظام هو الكفيل بأن يحصل الجميع على حقوقهم، يُفاجَأ بأن العنف هو سيد الموقف في المدرسة.. ماذا تنتظر في هذا الموقف؟ بالتأكيد سيتحول إلى واحد من ممارسي العنف أمام المقصف المدرسي، وفي الفصل الدراسي، بل خارج أسوار مدرسته، وفي بيته، وفي محيطه الاجتماعي.
كثيرة هي النظريات التربوية التي تناولت تعديل سلوك تلاميذ المدارس.. وكثيرة هي القرارات الدلالية التي سعت إلى ضبط وتقويم سلوك التلاميذ.. ولكن واقع المقصف المدرسي ظل بعيداً، وبعيداً جداً عن فكر المفكِّر التربوي، وقرار الإداري. كما أن عين الرقيب داخل المدرسة أهملت جانب تعديل وتقويم سلوك التلميذ أمام المقصف المدرسي. قديماً قالوا إن الأخطاء الصغيرة إذا أُهملت وتُركت تنمو وتكبر.. ويصعب ويستحيل حلها وعلاجها..
قضية ضبط طابور المقصف المدرسي هي بداية لضبط وتقويم سلوك التلاميذ داخل وخارج المدرسة. مع هذا الضبط ستحل الكثير من الإشكاليات السلوكية والتربوية، وبالتأكيد ستختفي ظواهر عدة موجودة داخل المدارس وخارجها..
الضبط سيكون متعباً ومقلقاً في البداية، لكنه مع مرور الأيام سيتحول إلى سلوك مكتسب، وسيصبح تصرفاً تلقائياً من الجميع.