د. زيد بن محمد البتال ">
مقدمة: حدثت خلال العقود القليلة الماضية تطورات ذات أهمية في مجال تربية وتعليم التلاميذ العاديين بشكل عام والتلاميذ ذوي الإعاقات البسيطة mildly handicapped students على وجه الخصوص، إذ تم دمج mainstreamed هؤلاء التلاميذ في الفصول العادية لجزء من يومهم الدراسي أو لليوم الدراسي بأكمله؛ ولكن سرعان ما لاحظ المختصون في مجال التربية الخاصة أن هؤلاء التلاميذ لم يحظوا بقبول أقرانهم العاديين داخل الصف الدراسي وخارجه، الأمر الذي دفع بالباحثين إلى محاولة تطوير بعض الاستراتيجيات الرامية إلى تحسين مستوى القبول الاجتماعي لدى هؤلاء التلاميذ. ومن هنا برز التعلم التعاوني كأحد الأساليب التي أثبتت فاعليته وقوة تأثيره في تعزيز العلاقة بين المتعاونين في عملية التعلم.
إن دراسة موضوع التعلم التعاوني وإمكانية تطبيقه في برامج الدمج في مدارس التعليم العام ببلادنا يعتبر أمراً حيوياً، خاصة إن القائمين على شؤون التربية الخاصة في وزارة التربية والتعليم يسعون إلى تفعيل دور المدارس العادية في مجال تربية وتعليم التلاميذ غير العاديين وذلك من خلال دمج هؤلاء التلاميذ في تلك المدارس (الموسى. في هذه المقالة سيتم التركيز على تحديد مفهوم التعلم التعاوني وتوضيح إجراءات تطبيقه.
مفهوم التعلم التعاوني: ورد العديد من التعريفات لتوضيح معنى التعلم التعاوني. فقد قدم بعض الباحثين تعريفات عديدة لهذا المصطلح، حيث يعرف التعاون بأنه العمل معاً لتحقيق الأهداف المشتركة. فمن خلال أنشطة التعاون، يسعى التلاميذ إلى تحقيق النتائج التي تعود بالفائدة عليهم وعلى أعضاء مجموعتهم في آنٍ واحد. كذلك عرف التعلم التعاوني بأنه أسلوب تدريس ناجح وفعال يتم فيه تقسيم التلاميذ إلى مجموعات صغيرة، قـوام كل منها عدد من الأفراد ذوي القدرات المتباينة، وتمارس كل منها مجموعة من الأنشطة المختلفة بهدف رفع مستوى فهمها في موضوع ما. ويكون كل عضو في الفريق مسؤولاً، ليس فقط عن تعلم واستيعاب ما درسه، ولكن أيضاً عن مسـاعدة أقرانه على التعلم؛ ممـا يفضي في نهاية المطاف إلى تهيئة الجو للإنجاز. واستناداً على ما تقدم حول تعريف التعلم التعاوني، يمكن القول إن التعلم التعاوني هو أسلوب لا يمكن فيه للتلاميذ الذين يعملون معاً أن يحققوا أهدافهم ما لم يتعاونوا مع بعضهم البعض في تحقيق هذه الأهداف جميعاً. كما أن مجرد توزيع التلاميذ على مجموعات وإبلاغهم بأن يعملوا معاً لا يندرج تحت مسمى التعلم التعاوني، حتى وإن كانت هذه العوامل من معالمه البارزة؛ إذ أن هنالك فرقاً بين توزيع التلاميذ على مجموعات للعمل وبين تأصيل مفهوم التعاون وترسيخـه في أذهان التلاميذ.
إجراءات تطبيق أسلوب التعلم التعاوني:
يقدم هذا الجزء شرحاً للإجراءات المتبعة في تطبيق أسلوب التعلم التعاوني في مجال تدريس التلاميذ ذوي الإعاقات البسيطة، وفي هذا الصدد يلزم لتطبيق أسلوب التعلم التعاوني أن يقوم المعلم بالأدوار التالية:
أولاً - إكساب المهارات الاجتماعية:
يجب بادئ ذي بدء تدريس التلاميذ كيفية فهم واستيعاب ما ينبغي عليهـم عمله عند المشاركة في أنشطة المجموعات التعاونية، خاصة وأن معظم التلاميذ تنقصهم الخبرة في مجال التعلم التعاوني ولم يخوضوا غمار تجربته، لذلك ينبغـي أن يتعلموا ثلاثة أمور أساسية هـي: النقاش، والحل، والعمل، حيث يتطلب الأمر عند اشتراكهم في نشاط جماعي معين قيامهم إما بمناقشة المعلومات الخاصة بمهمة ما، أو حل المشكلات المتعلقة بهذه المهمـة أو العمل على إنجاز بعض الأعمال الخاصة بهذه المهمة ككتابة تقرير للفصل. وقد ربط بعض الباحثين بين نجاح أسلوب التعلم التعاوني واكتساب التلاميذ للمهارات الاجتماعية، والتي اعتبرت متطلبات سابقة يجب تدريب التلاميذ عليها قبل تطبيق أسلوب التعلم التعاوني. وهناك أربعة مستويات من المهارات الاجتماعية التعاونية على النحو التالي:
مهارات التشكيل : forming تعد مهارات التشكيل البداية في تكوين المجموعة وتأسيس المعايير السلوكية الملائمة، ومن أهم المهارات في هذه الفئة ما يلــي:
-التحرك إلى المجموعة بدون ضجيج أو إيذاء للآخرين.
-الجلوس مع أعضاء المجموعة.
-استخدام الصوت الهادي والتحكم في التصرفات.
-تشجيع الزملاء في المجموعة على المشاركة.
-استخدام الأسماء عند التخاطب والنظر إلى وجه المتحدث.
مهارات الأداء أو توظيف الجهد: functioning وتمثل المهارات في هذه الفئة المستوى الثاني من مهارات التعلم التعاوني وتحتوي هذه المهارات على إدارة جهود المجموعة لإكمال المهام المناطة بهم والمحافظة على علاقات عمل فعالة بين أعضاء الفريق. ومن أهم المهارات في هذه الفئة ما يلـي:
-توجيه عمل المجموعة بتحديد هدف المهمة وزمنها.
-طلب المساعدة وعدم التواني عن توجيه السؤال من أجل مزيد من التوضيح.
-التعبير عن الدعم والقبول من حيث اللفظ والحركة.
-توضيح وشرح ما تم فهمه.
-تشجيع أعضاء المجموعة.
مهارات الصياغة: formulating وهي مهارات ضرورية لتقديم العمليات العقلية المطلوبة للوصول إلى مستوى فهم أعمق. وتتمثل هذه المهارات في:
-التلخيص بصوت واضح لما تم تعلمه بشكل متكامل.
-البحث عن الدقة من خلال تصحيح ما يبديه الزملاء في المجموعة.
-البحث عن طرق ذكية لتذكر الأفكار والحقائق.
-تمحيص الفهم.
-سؤال الزملاء في المجموعة للتخطيط بصوت مرتفع عن طريقة تدريسهم لما تعلموه.
مهارات التعمق: fermenting وهي المهارات الضرورية للمحاورة والنقاش الأكاديمي بغرض إعادة صياغة المفاهيم المدروسة ووجهات النظر، ومن أهم هذه المهارات ما يلي:
- نقد الأفكار لا الأفراد.
-التمييز عندما يكون هناك عدم اتفاق داخل المجموعة.
-دمج الأفكار المختلفة في وجهة نظر واحدة.
-تطوير إجابات الأعضاء في المجموعة.
-البحث عن إجابات أخرى.
-التدقيق من خلال الأسئلة العميقة.
-اختبار الحقيقة من خلال فحص عمل المجموعة.
وبالإضافة لذلك كله يجب على التلاميذ أن يتعلموا عدم التردد عن طلب المساعدة من زملائهم في المجموعة، حيث يتوقع من التلاميذ أن يتفاعلوا معاً، وأن يتبادلوا الرؤى والأفكار والمواد والأدوات، وأن يساند كل منهم الآخر ويشجعه على الدرس والتحصيل. فضلاً عن ذلك، فإن من المهم جداً أن يكتسب التلاميذ مهـارات التعاون لكي يتمكنوا من الأداء الفعال. وتشمل المهارات المطلوبة في هذا الصدد مهارات القيادة، والقدرة على اتخاذ القرارات، وبناء جسور الثقة، ومهارات تبادل الأفكار والآراء والمعلومات عن طريق الكلام أو الكتابة والإشارة، ومهارات إدارة النقاش، والجدل والعمل على فضه.
ثانياً - تشكيل مجموعات التعلم:
يأتي دور المعلم، بصفته مسؤولاً عن إدارة الفصل الدراسي، واستشارياً لتطوير العمل الجماعي. وعلى هذا، يقوم المعلم بتشـكيل مجموعـات التعلم والتي تتراوح عضويتها بين عضوين إلى خمسة أعضاء يتصفون بخصائص وسمات شخصية غير متجانسة، كما يقوم بتقديم العون اللازم عند اللزوم لأداء المهمة المطلوبة. وبصفة عامة، يشمل دور المعلم في تطبيق أسلوب التعلم التعاوني خمس خطوات رئيسة هي:
1 -تحديد أهداف الدرس.
2 -توزيع التلاميذ على مجموعات تعليمية قبل بدء الدرس.
3 -توضيح المهمة وهيكل الأهداف وشرحهما للتلاميذ.
4 -رصد أداء التلاميذ ومراقبة أعمالهم وتقديم المساعدة المطلوبة.
5 -تقويم أعمال التلاميذ ومساعدتهم على مناقشة كيفية عملهم معاً.
بالإضافة إلى ماسبق ينبغي للمعلم أن يحدد أنماط السلوك المرغوب فيه داخل مجموعة الدارسين كأن يطلب مـن التلاميذ البقاء ضمن المجموعة، وخفض الصوت عند التحـدث مع الآخرين، وأخذ كل فرد دوره، وأن ينادي كل منهم زميله باسمه. فضلاً عن ذلك ينبغي أن يؤدي المعلم دوراً مهماً في تحقيق العناصـر الخمسة المشار إليها آنفاً. ولهذه الأسـباب، ينبغي أن يكون اعتماد التلاميذ بعضهم على البعض الآخـر إيجابياً من خلال المطالبة بإجابة واحدة من كل مجموعة، وأن يكون التفاعل المباشر بين أفراد المجموعة مبدأً ثابتاً ومضطرداً؛ وأن يتم تأسيس آلية للمسؤولية الفردية من خلال إجراء الاختبارات الفردية الموجـزة (لكل فرد من أفراد المجموعة) عقب المهمة؛ وأن يتم التأكيد على أهمية مهارات العمل الجماعي والتعاون؛ وأن يتم تحقيق المعالجة والمباشرة الجماعية للمهمة من خلال تعليم التلاميذ كيفية العمل بكفاءة واقتدار.
وفوق ذلك كله ينبغي أن يكون المعلم ملماً بمسؤولياته ومدركاً لها فيما يتعلق باتباع أسلوب التعلم التعاوني من حيث تصميم طريقة التدريس وتحديد الموضوعات التي تناسب قدرات التلاميذ، وشـرح المهمة وأهدافها بطريقة واضحة، وإحاطة التلاميذ عامة بالكيفية التي سيتم بها تقويمهم؛ والعمل على تسيير عملية التعلم، وتسهيل مجرياتها، وتبسيط إجراءاتها، ومشاركة المجموعة في منتجاتها وسبل تعلم أفرادها.
وفي هذا الصدد يوجدخمسة مقومات أساسية لا بد من توفرها في التعلم التعاوني، إذ بدونها يستحيل أن يكون التعلم تعاونياً وتتمثل هذه المقومات في الآتي:
أ ) الإيجابية في اعتماد التلاميذ على بعضهم البعض، ويتحقق هذا العامل عندما يستيقن التلاميذ في المجموعة من أنهم على متن سفينة واحدة «إن غرقت غرقوا جميعاً وإن نجت نجوا جميعاً» مما يستدعي منهم الحرص على تضافر جهودهـم وتنسيقها مع جهود أقرانهم لإنهاء المهمة المنوطة بهم - أو الواجبات الدراسـية المقـررة عليهم - بنجاح، وتحقيق أكبر قدر من التعلم واكتساب المعارف لدى أفراد المجموعة كافة، وعلى حد سواء.
ب) التفـاعل المثمـر من خـلال التعامل المباشر وجهاً لوجه، وفي هذا الصدد، يتعين على التلاميذ أن يتفاعلوا معاً على نحو يفضي إلى الارتقاء بمستوى التعلم لدى كل منهم.
ج) المسؤولية الشخصيـة، ويتحقق هذا العامل عندما يخضع أداء كل تلميذ للتقويم وتنشر نتائج التقويم بين جميع أعضاء المجموعة. ومن المهم هنا التأكد من تعريف كل المجموعة على العضو الذي يحتاج للمساعدة حتى يتمكن من إنجاز المهمة الموكلة إليه.
د) مهارات التعامل مع الآخرين ومهارات العمل في مجموعات صغيرة، ويتحقق من خلال الاستخدام الأمثل لهذه المهارات، إذ ينبغي أن يتمتع التلاميذ ببعض تلك المهـارات كحد أدنى يتسنى معه العمل بطريقة مثمرة والتمكن من التغلب على المشكلات المختلفة.
هـ) المعالجة الجماعية، وتتحقق عندما يناقش التلاميذ مدى نجاحهم في تحقيق المهام المنوطة بهم والمحافظة على علاقات عمل مثمرة فيما بينهم.
وعلى كل حال، هنالك قواعد أساسية يتعين مراعاتها داخل كل درس يتم فيه استخدام أسلوب التعلم التعاوني، وهي: اتخاذ كل عضو لدوره المحدد، والانهماك والاسـتغراق في المهمة، والمساهمة والمشاركة، والانتظار إلى أن ينتهي كل فـرد، ومراعاة عدم عزو النتيجة إلى فرد بعينه.
الخلاصـة: ركزت هذه المقالة على أسلوب التعلم التعاوني، وإمكانية الاستفادة منه في برامج دمج التلاميذ ذوي الإعاقات البسيطة بمدارس التعليم العام. فأسلوب التعلم التعاوني، يتميز بقوة تأثيره كأداة فعالة لمساندة التلاميـذ ذوي الإعاقات البسطة من خلال رفع مستويات أدائهم الدراسي وتحسين تقبل التلاميذ العاديين لهم. وفوق ذلك كله يتميز أسلوب التعلم التعـاوني بسهولة تطبيقه وقلة تكلفته. ولا شك في أن العمل الجماعي والتعاون مع الغير يمثلان حجـر الزاوية في بناء علاقات تتسم بالإيجابية. وللآن هذه المقالة حاولت توضيح خطوات تطبيق أسلوب التعلم التعاوني ومدى فعاليته مع التلاميذ ذوي الإعاقات البسيطة في برامج الدمج بمدارس التعليم العام، فأنه من المؤمل أن يسعى معلمو تلك المدارس إلى الإلمام بهذه الأسلوب وخطوات تطبيقه، واستخدامه مع تلاميذ فصولهم العاديين منهم وغير العاديين كلما كان ذلك ممكناً أو متاحاً.
** ** **
الهوامش
Balkcom S.D. (1999). Cooperative learning. Washington, DC: Education Research Consumer Guide (ERIC Document Reproduction Service No. Ed 346 999).
Bender, W.N. (1992). Learning disabilities: Characteristics, identification and teaching strategies, Needham Hights, MA: Allyn and Bacon.
Goodwin, M.W. (2000). Cooperative learning and social skills: what skills to teach and how to teach them. Intervention in School and Clinic, 35 (1) 29-33.
Johnson D.W., الجزيرة Johnon R.T. الجزيرة Holubec E.J. (1990). Circles of learning: Cooperative in the classroom. Edina, Minnesota: Interaction Book Company.
Madden N.A., الجزيرة Slavin R.E. (2009). Effects of cooperative learning on the social acceptance of mainstreamed academically handicapped students. Washington, DC: Bureau of Education for the Handicapped. (ERIC Document Reproduction Service No. Ed 209 882).
Schwenn J., الجزيرة Goor M. (1992). Three strategies that enhance participation in cooperative learning activities for students with learning disabilities. Paper presented at the annual convention of the Council for Exceptional Children, Baltimore, MD.
- كلية التربية، جامعة الملك سعود، الرياض، المملكة العربية السعودية