د. محمد أحمد الجوير ">
في هذه الحقبة، تتابع ظهور الحركات الإرهابية، والتي تشكّلت من فئات ضالة غارقة بالجهل، وقودها، الغلاة والمتشددون في الدين، الشاحنون للعقول الغضّة، المحرضون على دولهم وأوطانهم، وهم الكارهون أصلاً للسلم والأمان وللحياة، حجتهم إقامة ما يسمونه زوراً بالخلافة الإسلامية، كغطاء مكشوف لمآربهم ومخططاتهم الفرعونية، ونحن الآن في عراك مع أزمة وموقعة حاضرة، يحسن بنا أن نطلق عليها موقعة «ذات الدواعش» والدواعش من «داعش» وهي طائفة مارقة، قريبة لما عرف في التاريخ الإسلامي «بالخوارج» خاصة إذا ما شاهدنا أشكالهم وأحاديثهم ومنطقهم وأهدافهم الشكلية، لا الحقيقية، خوارج هذا الزمان، حذو القذة بالقذة، لخوارج ذاك الزمان، طغى عليهم الجهل المركّب بتعاليم وسماحة الدين، الذي يمتطون صهوته، وهو منهم ومن جرائمهم براء، القاسم المشترك والسِّمة البارزة لهم، إطلاق شعر الرأس، وشعر الوجه، دون ترتيب وتهذيب، قريبون لمجموعة القاعدة ومماثلون للنصرة، بات الدواعش كالحيوانات المفترسة، عاشقون للدماء، يتلذّذون في إنهاء ضحاياهم، بطريقتهم الخاصة، التي كثيراً ما رأيناها، كالحرق بالنار، أو الدفن أحياء، أو الذبح بالسكاكين، أو إطلاق الرصاص، أو التدلي من علو، أو التفجير بدور العبادة، يحرصون على تصوير جرائمهم وبثها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بغية ترهيب غيرهم، ولاشك أنهم مجرد أدوات لحالات استخباراتية ربما تكون ملتصقة بإيران الصفوية، بدليل أن (داعش وإيران) لا يتحرشان ببعض، ولو لمجرد الذكر، ما علينا، داعش باتت مرضاً سرطانياً يسري في جسد الأمة، رأينا كيف يحاول الدواعش ومن يؤزّهم ويخطط لهم، ضرب لحمتنا الوطنية، عندما فخّخوا عقولاً فارغة، لتفجر نفسها مرات بالمنطقة الشرقية ومرة في نجران، ورأينا كيف كانت وحدتنا صخرة في وجه هذا العدو المتحرك، الدواعش بمجملهم، لا يرون فائدة من هذه الحياة، لبّس عليهم منظروهم، أن الحور العين في انتظارهم، لكن عن طريق بوابة تفخيخ الأجساد وتفجيرها وسط الآمنين، كيف لا! وقد رأينا بعض الوعّاظ المزيفين في وسط شباب وفتيات في محاضرة له، ولسانه يقطر شوقاً للحور العين، لا يستحي من ألفاظه الجنسية المهيجة، هؤلاء هم الدواعش الخفيّون الواقفون على أبواب الحور العين، عندما همَمْتُ بالكتابة عن هؤلاء «الدواعش» في سياق كتاباتي عنهم في هذه الصحيفة، تذكّرت بالفور «حمار القايلة» الذي كان أهالينا (الزلفونيون) في بداية التسعيات الهجرية، يخوفوننا منه، وكان هدفهم منعنا من الخروج وفت الظهيرة في جمرة القيظ، وحمار القايلة هذا يبدو أنه من جملة الخرافات في ذيْك الزمان، لذات الغرض، ولغرض في نفس يعقوب أحياناً، في تلك الفترة نحن على الفطرة، تعصف بنا خرافات نصدقها، مثل «مسدّد عيونه بالخرق» و»عبد السلة» و»السعلو والسعلوة» وهكذا، لكن حمار القايلة محل مقال اليوم، لم تغفله الموسوعات، فقد تناولته ببعض الحديث، ومنها ما يقول، إنه حمار وقت الظهيرة، وهي أسطورة شعبية ظهرت في المجتمعات العربية، وعلى الأخص في الجزيرة العربية، وتقال لمن يكثر التجوال في وقت الظهيرة، ومن لا ينام في قيلولة الصيف، وخاصة الأطفال، وهذا الحمار يقال عنه، إنه وحش مخيف يأكل الأولاد الصغار، الذين يخرجون وقت الظهيرة، كحالتنا في الزلفي، عندما نتجمع صبية في (القبّة) بقريتنا «علقة التراثية» اليوم، والتي باتت الآن، مقصداً للزوار، كنا نتقاطر بعد الظهيرة لتلك القبّة، حفاة أشبه بالعراة، تحرقنا الشمس، ويشوينا لهيب حرارتها، ولا غرو فقد تناقلت قصة «حمار القايلة» وغيرها، الجدات والأمهات، وحذرن أطفالهن من مغبة الخروج وقت الظهيرة، لشدة حرارة الصيف، ولا تزال الصورة الخيالية لحمار القايلة عالقة في أذهان شباب ذلك الجيل في السعودية والكويت وليبيا والمغرب والإمارات وقطر والكويت، وهي عندنا في نجد وخاصة الخاصة بالزلفي حاضرة معنا عند كل ظهيرة، كما غيرها حاضر قبيل النوم لأهداف لا تكاد خافية مثل مقولة ناموا لا يجيكم «مسدد عيونه بالخرق» أو لا يجيكم (عَفِتَ الله) أو (السعلو) للولد، أو (السعلوة) للبنت، ولك أن تتصور الحالة عند القيام لصلاة الفجر، تصاب (بأم الركب) وهي نتاج هذا الرعب، الذي عاشه الصغير قبيل نومه.
الذي نريد أن نتوصل إليه في هذه المقالة، من باب المحاكاة والمجاراة، أهلنا في ذلك الزمن الجميل، رغم أمانه وجمالاته، كانوا يخوفوننا من حمار القايلة بالذات، خشية أن نُختطف أخلاقياً، ويكثرون من هذا الترهيب، وكان الهدف جميلاً، ونحن إذ نتذكر هذا النوع من التخويف، ألا يجدر بنا، أن نُخوف أبناءنا وشبابنا من «داعش» وما ظهر منها وما بطن، دواعش الخارج، ودواعش الداخل، نعم نخوفهم بذكر كل قبيح فيهم، وفي من يتعاطف معهم، من واعظ أو شيخ أو داعية، نخوفهم من كل محرض وشاحن وأفاّك لا يرى قيمة لدينة الوسطي السمح، ولا لأمن وطنه وثبات استقراره، نحن مواطنون بمختلف أطيافنا، من لا يحرص على أمن وطنه، فلا يستحق العيش فيه، الدواعش وبناءً على ما لدينا عنهم من مشاهدات ومعطيات ومؤشرات قذرة، هم في الحقيقة «حمير القايلة» بل إن «الحمير الحقيقية» أنفع منهم، نعم ذكر الله الأنعام في معرض الامتنان، فساق فيها وجوها من المتاع وأنواعاً من الانتفاع، وساق الخيل والبغال والحمير، فكشف حقيقة انتفاعها وذلك الركوب والزينة، قال تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}، فأين وجوه الانتفاع من الدواعش؟ بل هم ضالون مضلون، سفاكون للدماء، يحتقرون الحياة، مفرقون للجماعات، مشوهون لسماحة الدين، عملاء، خونة، مجرمون من كافة الوجوه، رأينا منهم من يقتل ابن عمه وخاله، وسمعنا بالصوت من يتوعد ويهدد ويستعدي على خاله وقريبه، بل والده، هل نقول عن هؤلاء إنهم بشر؟ كلا، والحالة تلك، ونحن في حرب مع الدواعش، يجدر بنا أن نحذّر أبناؤنا وشبابنا منهم، ومن مجرّد الاقتراب من المتعاطفين معهم، نعم نرهّب ونخوّف هؤلاء الأبناء من الدواعش، كتخويف أهلنا لنا من «حمار القايلة»، هذه من وجهة نظري، وسيلة، لعلها تكون من جملة الوسائل الناجعة، لمحاربة هذا الفكر الضال والسام .. ودمتم بخير.