الجوهرة الربيعة ">
منذ الطفرة الاقتصادية في الثمانينيات ونحن نربي أولادنا على نفس المنهج والطريقة، رغم تغير الحال كثيراً عما سبق، الأغلب منا يتعامل مع أبنائه بعاطفة متناهية يفترض أن يعاقِب عليها القانون لأنها في الغالب تؤدي إلى مفسدة لا محالة، قال تعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (31) سورة الأعراف، فالإسراف في كل شيء مذمة وبُعد عن المنهج الصحيح الذي أحبه الله وشرعه لنا. فالكثير منا يعتقد أن إظهار المحبة لأولاده تتمثل في مدى توفير الاحتياجات المادية لهم كمثال أحدث الأجهزة الإلكترونية المتوافرة في الأسواق وأمتع الألعاب وأفضلها، وأن يغطي جسده بقطع الملابس الفاخرة لأشهر الماركات العالمية، وأن يملأ بطنه من الوجبات السريعة المفضلة له، حتى أن الطعام المعد في المنزل لا يتناوله إلا الوالدان والخدم، وعندما نلبي لهم كل هذا نشعر بالسعادة والرضا فنحن (الآن عدانا العيب).
ولكن ماذا عن حاجة الروح والفكر والسلوك البناء؟
لو استعرضنا لدقيقة فقط ما نصنعه لأولادنا يومياً فسيتضح لنا الخلل الجسيم، وهو أن جل تركيزنا على الحاجات المادية، والكثير للأسف يردد دائماً عبارة (واكلين شاربين نايمين ما نقصهم شيء).
الأبناء أمانة ومسؤولية، يقول عليه الصلاة والسلام: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ). إننا أمة مستهدفة من أعدائها فإن لم نعد لهم السلاح الفعال الذي يخمد فتنتهم ويردهم على أعقابهم خائبين، فسيتمكنون منا لا محالة، طال الزمن أو قصر.
إن الأسلحة المعتادة في الحروب أثبتت فشلها وعدم تصديها للعدوان.
إذاً ما هو سلاحنا الفعال؟
سلاحنا الفعال هو تربيتنا لأبنائنا روحياً وفكرياً وسلوكياً منذ نعومة أظفارهم من الولادة إلى سن الخامسة، هنا ترسخ القواعد الصحيحة والمتينة لهم.
ألم يخطر ببالنا أنهم خليفتنا في الأمة من بعدنا هم من سيحمل همها ومستقبلها؟
لماذا لا نضع تركيزنا واستثمارنا فيهم.. فالأمم لا تبنى ولا تتقدم ولا تنتصر الا بعقول أبنائها؟
أطفالنا هم رسالتنا الحقيقية للعالم فهم يعكسون مدى اهتمامنا بتربيتهم وتثقيفهم.
لماذا نترك عقولهم خاوية إلا من تجارب بسيطة إلى سن المدرسة ثم نحمل المجتمع والمدرسة بل والدولة مسؤولية انحرافاتهم الفكرية؟
عندما نترك الوعاء فارغاً، فحتماً سيجد من يملأه!
فالمجتمع والمدرسة ليسا الأساس في التربية وإنما هما جناحان مساعدان للأسرة.
إننا نحصد الآن ثمرة إهمالنا للجوانب الروحية والفكرية والسلوكية في فلذات أكبادنا، شغلتنا الدنيا عنهم فأشغلونا بهم عن الدنيا.