رمضان جريدي العنزي ">
نحن نغضب دائما، وتثور أعصابنا بسبب الاختناقات المرورية في الشوارع، لكننا نضع أعصابنا في ثلاجة عندما نرى من يقطع الإشارة الحمراء، أو يرمي بقايا النفايات من نافذة السيارة أمام أعيننا، أو يخالف الأنظمة والإرشادات والقوانين، نستصعب تسديد ما بذمتنا من ديون، ونستكثر دفع الحد الأدنى لمن يستحق المساعدة من الفقراء والمحتاجين، لكننا ربما نستسهل دفع الرشوة لمن يطلب منا ذلك، من دون أن نحتج أو نغضب أو نرفض، نتمادى في عرقلة سير المركبات، وربما نجبرها على تغيير مسارها، أو نمنعها من الحركة حتى لو كانت المركبة سيارة إسعاف تنقل مصابا إلى المستشفى، أو عربة إطفاء في سباق مع الزمن لإخماد النيران المشتعلة وسط الحي، نعيش في عصر التلون، والمظاهر الخداعة، فنرى البعض كيف يتلاعبون بتضاريس وجوههم، يضعون الأقنعة التنكرية لتغطية ملامحهم الحقيقية، يتخذون ماكياج الوقار الزائف كبطاقات ترانزيت لعبور بوابات النصب والاحتيال، أو لاستغلال سذاجة الناس وطيبتهم، تمهيدا لتحقيق مآربهم الدنيوية، ونيل المناصب والدرجات الرفيعة، فانحصرت أدوات التظاهر بترديد بعض العبارات المشفرة، والكلمات المنمقة، وإظهار الشدة والصلابة المفتعلة وقت الضرورة ووقت الحاجة، والتمسك بالقشور إلى درجة المبالغة في استعراض صور نمطية منسوخة من قوالب كاريكاتيرية متناظرة، حتى صار من المألوف مشاهدة الكثير من هذه النماذج المتخشبة، من الذين أساءوا للناس وللحياة بحركاتهم المصطنعة وكلامهم البغيض، نحتل موقع الصدارة في استيراد هذا الكم الهائل من أجهزة الهواتف النقالة بشريحة أو بشريحتين، بعدسة أو بعدستين، من باب التباهي والوجاهة والإسراف، فانشغلنا بهواتفنا من الصباح إلى المساء، وتعالت جدران العزلة بيننا، ولم نعد نتحدث مع بعضنا البعض حتى تحت سقف الأسرة التي تجمعنا، استوردنا من السيارات الحديثة فوق طاقة شوارعنا الاستيعابية، حتى تكدست عندنا بأعداد وأحجام وموديلات لا تخطر على بال الجن الأزرق أو الأسود، نعطي السائل المسكين بعض الريالات المعدوددة على مضض وتأفف، وفي المقابل نعد الولائم الباذخة بإسراف مملوءة بأصناف الطعام والشراب لمن لا يحتاجها، أو ليس أهلاً لها، عندما نسافر خارج البلاد نتصرف وكأننا ملائكة غادرت أسوار المدينة الفاضلة لنعلن للعالم عن التزامنا الروحي والأخلاقي بالأعراف والأنظمة والقوانين المرعية في البلدان التي نزورها، لكننا سرعان ما ننقلب علىأنفسنا ونعلن تمردنا على كل القوانين والأنظمة حالما نعود إلى بلادنا، فنلجأ إلى ممارسة هواياتنا الفوضوية في البيت والسوق ومكان العمل، ويحلو لبعضنا العودة إلى البدائية في التصرف والأخلاق والسلوك، ليس المهم ما نحمله من ذكاء ومواهب ومهارات ومؤهلات وقدرات علمية وإدارية ومهنية حتى نتبوأ المراكز التي تليق بمؤهلاتنا الأكاديمية والمهنية، المهم هو كيف نستفيد من ذكائنا في التسلل إلى أفكار خارقة جديدة نقفز بها نحو الغاية والمراد لنتغلب على من هم أكفأ منا وأقدر وأقدم وأكثر إبداعا وإنتاجية، فالغاية تبرر الوسيلة في معظم حاجاتنا وتطلعاتنا، وبات باستطاعتنا تحقيق المزيد من الكسب والربح وفق قفزات بهلوانية وحركات زئبقية، إنها التناقضات العجيبة الصارخة والازدواجية الرمادية المخيفة والتمظهر الباذخ الذي اجتاحتنا مثل هبة ريح عاتية جافة وقاسية، ليس بها ندى ولا هواء منعش وعليل.