النوري التميمي ">
الأطفال هم الكنز الحقيقي الذي لا يقدر بثمن، هم الأمل في المستقبل، وهم الذين تستمر الحياة بهم وتتجدد، هم في حياتنا كالينابيع المتدفقة، تزهر الأمة بسلسبيلهم، وتخضر أغصانها، وتورق أشجارها، وتسري في عروقها الحياة.. فالأطفال بصخبهم ولعبهم وكثرة حركاتهم وحبهم لمعرفة ما حولهم هم البداية والنواة الحقيقية، ومن دونهم لا يكون هناك أجيال للمستقبل، وتبقى الأمة بلا حياة ولا أمل.
الأطفال هم المادة الحقيقية واللازمة لاستمرار الحياة، وبهم تتوالى الأمم والأجيال، ولا يكون المستقبل مبتسماً ومشرقاً إلا أن نعتني بهم تربية وتنشئة.
فالطفولة التي تحظى بالاهتمام والرعاية والتربية الجيدة تنتج شباباً يتمتع بالوعي والإدراك مسلحاً بالصحة والوعي والثقافة، وبهم نرتقي إلى مصاف التطور والتميز بين الشعوب.
الحصول على الأطفال يمكن أن يحصل من خلال التزاوج والإنجاب؛ فهما وسيلة تناسل فطري لعموم المخلوقات.
التحدي الكبير والمهم هو في الطريقة المثلى لتربية ذلك الطفل، وتنشئته تنشئة سليمة، وتربيته التربية الصحيحة والسليمة عقب ولادته، وهو ما يتحمله أبوان يمتلكان القدرة والإدراك والمسؤولية وأمر معرفته وإدراكه ومستوى القدرة العقلية لديه وفطرته التي فطره الله عليها.. فقد جاء في الحديث الشريف الذي رواه أبو هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه».
الرعاية الأبوية المسؤولة خلال السنوات الأولى هي التي تكسب الأطفال ثقتهم بأنفسهم، وشعورهم بالأمن والطمأنينة، وتحدد أطر شخصيتهم المستقبلية حال كانت تربيتهم مبنية على أسس الفطرة الإلهية التي فطرهم الله عليها، وإدخال روح الأمل والتسامح في قلوبهم (فالعلم في الصغر كالنقش في الحجر).
إن اكتشاف مواهب الأطفال وتطويرها وتشجيعها هي الركائز الأساسية المكونة لشخصية الطفل، التي تولد معه في المنزل حيث ينشأ ويترعرع، وما يأتي بعد ذلك لا يعدو كونه إكمالاً ونضوجاً لعقليته وتصرفاته؛ ذلك أن الطفل تتكون هويته المستقلة عن أبويه بعد أن يكمل عمر السنتين الأوليين، وغالباً ما يكون تأثره بأبويه وبتعاملهما معه من خلال ما يفعلانه أمامه وما يمنعانه منه، ومدى تقبله لتعاملهما ورفضه لقراراتهما معه في حالات منعه من تحقيق شيء، أو رضاهم عن تصرف ما قد يفعله.
عادة ما يقوم الطفل بتشرب عاداته وطباعه بعد حكمه شخصياً على الأشياء التي حوله وفي متناوله، ومن خلال احتكاكه بها مع باقي أفراد أسرته، خاصة أمه الأكثر قرباً منه، وكذلك إخوته وأخواته الذين يكبرونه سناً.
من هنا يكون دور الأم هو الدور الأكبر في تربية طفلها وتنشئته التنشئة السليمة، وكذلك لتقليده من سبقه من إخوته دور بارز وكبير كنتيجة طبيعية لتربيتهم.
الأسرة عامة، والأبوان خصوصاً، يتحملون الدور الأكبر في زرع روح الثقة في نفس الطفل؛ فيجعله يعتمد على نفسه لحل مشكلاته الخاصة التي تواجهه، وذلك بتشجيعه المستمر، وزرع ثقته في نفسه، والاعتماد عليها، وإفساح المجال لقدراته ومواهبه؛ ليتمكن من ترجمته على أرض الواقع، وعدم الإقلال من موهبته وتصرفاته مهما كانت، وتدريبه على تحمُّل مسؤولياته من خلال تكليفه ببعض الأمور البسيطة التي تتناسب مع عمره، والتعامل معه بالمكافأة والعقوبة الإرشادية لتشجيعه على نهج سلوك جيد، والابتعاد عن أي سلوك سيئ.
الأطفال مع الأسرة المتسامحة كلياً يميلون لأن يكونوا اندفاعيين، ولا يراعون الآخرين، ولكن لا يعني ذلك أن يسرف الأهل في تأديب ونهي طفلهم المخطئ، أو أن يغالوا فيه؛ لما قد يسببه ذلك من فقدانه للإحساس بضعف شخصيته.
يجب على الآباء تجنب القسوة مع أطفالهم؛ لما قد تزرع في نفس الطفل من خوف دائم، وعدم القدرة على الاستيعاب واتخاذ القرار مستقبلاً، وهو أسلوب لا أصل له في التربية الإسلامية التي يتميز بها ديننا الحنيف أو قيمنا الإسلامية، فنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - لم يعرف عنه أنه ضرب بيديه الكريمتين طفلاً أو خادماً أو امرأة.
الآباء والأمهات لهم دور مهام ورئيس في الإشراف بأنفسهم على أطفالهم من خلال مساعدتهم بالاعتماد على أنفسهم قدر المستطاع فيما هم قادرون عليه في مثل هذه السن، وبذلك يصبح هؤلاء الأطفال أكثر ثقة بأنفسهم.
إنَّ وسائل الإعلام، وخصوصاً التلفاز، لها تأثير قوي على الأطفال؛ فإنه يتعين على الآباء انتقاء البرامج التي يمكن أن يشاهدها أطفالهم عبر شاشة التلفاز بحيث تكون برامج تعليمية وثقافية وتسلية بعيداً عن لغة المغامرة والحماس والبطولات والقوة؛ لأنها حتماً ستنمي روح العداء وحب السيطرة والقوة التي لربما شوشت على عقلية ذلك الطفل، وكانت بمنزلة مفتاح الغلو والتطرف مستقبلاً.
عندما يبدأ الطفل مراحل تعليمه، بدءاً بالمرحلة الابتدائية، فإنه يحتاج إلى الاستقلال الكافي، وذلك من خلال إشراف جيد، يضمن حمايته من الأخطار الجسدية والتأثيرات النفسية والغلو التي قد يتعرض لها.
المعلم الملتزم والخبير في التربية يقع عليه العبء الأكبر في مساعدة هؤلاء الأطفال على اكتشاف مواهبهم ونقاط ضعفهم، وعليه أن يعلمهم التعايش معها، وكيفية التخلص منها وتجاوزها، وعليه تقع مسؤولية اكتشاف المتخلفين من الأطفال العاجزين عن التعلم ومسايرة الركب، ومعالجة الأسباب التي يمكن أن تكون سبباً لهذا التخلف، ومعالجة الانقطاع عن المدرسة لأي سبب كان، وتعزيز التواصل بين المدرسة والمنزل، وبين الآباء والمعلمين، ومعالجة اضطرابات السلوك التي تبدأ في المنزل قبل دخول الأطفال إلى المدارس، ورفضهم أو تقبلهم للدراسة، أو الخوف منها، والحرص على معرفة المشاكل النفسية والعضوية والمرضية الأخرى للطفل لضمان انضمامه إلى ركب الأطفال الآخرين من جيله.
أطفال اليوم هم عماد المستقبل، وهم رجاله وصناع القرار فيه، وتنشئتهم مسؤولية كبيرة على عاتق الأسرة والمجتمع والتعليم.
تكاتف الأسرة والمجتمع والتعليم، واتباع الوسطية في الأسرة والمدرسة والمجتمع، يُنشِّئان جيلاً محباً لوطنه محافظاً عليه، لا يساوم، ولا يزايد فيه، ومنافساً قوياً في تطوره وتقدمه علمياً وثقافياً.
- سدير