عبد العزيز صالح الصالح ">
الكل يدرك تمام الإدراك أن كل أمة لها ذوق عام كما أن لها رأي عام وعرف عام.
فالرأي العام يحتوي على الآراء والأفكار والمقالات، والعرف العام يحتوي على العادات والتقاليد أما الذوق العام يحتوي على الفن والجمال - كما أن أشكال الأطعمة بشتى أنواعها وأشكالها خاضعة للذوق العام في الأمة.
وكذلك أنواع الملابس واشكال البناء وما يستجد منها وما لا يستجد كلها خاضعة للذوق العام في الأمة.
ولكل أمة في هذه الشؤون ذوقها يميزها عن غيرها ويضعها في درجة خاصَّة من سلم الرقي.
فالذوق العام يقوم الأدب الذي يجعل لكل أمة أدباً خاصاً.
فالذوق العام للأمة يستبد الأفراد استبداداً لاحد له فالبشر جميعاً خاضعون لأنواع شتى من الاستبداد كاستبداد النظم السياسية واستبداد العقول واستبداد الآراء والأفكار ولكن هذه الأمور محدودة الدائرة أما استبداد الذوق العام فلا حد له ولا سلطان فكل فرد من أفراد الأمة له ذوقه الخاص يتحلى به ويستحسن به ويستهجن ويستجمل ويستقبح ولكنه في تلك الحالة أنه مسلوب الحرية خاضع تمام الخضوع إلى الذوق العام قد يشتد فصل الصيف فلا يطيق الإنسان نفسه - فالعبرة أن الذوق العام لا يعاقب إلا على ما يتذوق ، وفي دائرة ما يفهم.
فهو إذا قوَّم مناظر الطبيعة عوقب من لم يتذوقها وإذا أدرك جمال النظام وآداب المجتمعات عوقب من مسها بسوء.
وبعد هذا وذاك فإن شأن الذوق العام شأن الرأي كلاهما قابل للإصلاح والرقي فالرأي العام ضعيف إذا صدر من أمة جاهلة لا تعي للذوق قيمة ويرتقي الرأي العام بانتشار الثقافة الاجتماعية مع غرس التربية في نفوس أفراد الأمة - فهذا يدل على تاريخ كل أمة على أنها في أوَّل أمرها لا يكون لها رأي عام وَمِمَّا يؤسف له أن هناك مجهودات كبيرة بذلت في غرس الثقافة العقلية إلى جانَّب البرامج التربوية - ولكن لم تحدد برامج لتربية الذوق العام - وإذا أراد المرء أن يصلح نتائج الأمة لا بد أن يصلح المقدمات أولاً فمثلاً الفنان في الأمة إلا صدى لذوقه العام فإذا صح الذوق صح الفن وإلا فلا وهكذا.