د.أحمد سالم بادويلان ">
رغم تطبيق مواصفات كفاءة الطاقة على الأجهزة عالية الاستهلاك وغيرها من المبادرات التي تدعو بجدية إلى ضرورة تخفيض استهلاك الطاقة، وبخاصة الكهرباء إلا أننا ما زلنا بحاجة ماسّة إلى مراجعة الكثير من القوانين والأنظمة في سياسات الترشيد بشكل عام، وبصفة خاصة قطاع الكهرباء، حيث يقع البعض في ممارسة العديد من الأخطاء سواءً كان ذلك بقصد أو بدون قصد مما يؤدي إلى هدر كبير للكهرباء.
لذلك أرى من الضروري أن تنشأ إدارة متمكّنة ومدعومة بالكفاءات لوضع الأسس والإستراتيجيات وإصدار القرارات لوقف هدر الطاقة بشكل أفضل مما يُطبق حالياً.
إذ إن الأرقام الحالية والمستقبلية باتت تشكل بعبعاً مفزعاً رغم أن مفاتيح الحل ما زالت بأيدينا لتخفيضها إلى أقل من 50% من الأرقام الحالية والمستقبلية للاستهلاك.
فقد دقّ المعهد الملكي البريطاني للشئون الخارجية في دراسة حديثة له ناقوس الخطر، فذكر أن هدر الطاقة سيكلف المملكة وحدها ما يقارب الأربعين مليار دولار سنوياً خلال العقد المقبل، وخمسين مليار دولار للمملكة ودول الخليج مجتمعة.
وبالرغم من أن إنتاج المملكة من النفط يبلغ 12% من الطلب العلمي للبترول، إلا أنها تستهلك أربعة وعشرين في المائة من الاحتياج المحلي أي بمعدل ما بين ثلاثة إلى أربعة ملايين برميل يومياً.
ومن المتوقع كما ذكر التقرير البريطاني أن يصل استهلاك البترول المحلي في المملكة عام 2030 م إلى خمسين في المائة إذا لم يتغير نمط استهلاك الطاقة من خلال برامج التوعية والترشيد التي تعاني ضعفاً في هذا الجانب.
ويأتي تأكيد قوي آخر لحجم الهدر والاستهلاك الذي لفت أنظار مراكز الأبحاث في عدة دول إلى الحجم الهائل لاستهلاكنا للطاقة، إذ ذكر المركز الدبلوماسي الكويتي أن تخطي معدل النمو السنوي لموارد الطاقة في المملكة بلغ خمسة في المائة، بينما معدل النمو الاقتصادي لم يتجاوز أربعة في المائة، ووصل استهلاك الطاقة إلى ما يقارب أربعة ملايين برميل نفط مكافئ يومياً على تباين واضح خلال فصول السنة.
ويُعتبر نمو الاستهلاك المحلي للطاقة الأعلى في العالم، وهناك توقعات تشير إلى وصوله إلى ما يقارب التسعة ملايين برميل يومياً ما لم يتم معالجة الوضع وتداركه.
ومن أهم هذه العوامل التي ممكن أن تساهم بشكل جيد في خفض استهلاك الكهرباء في المملكة تلك التوقعات التي أشارت إلى احتمال رفع سعر تعرفة الكهرباء على الجهات الحكومية والقطاع الصناعي، اللذين يحصلان على الكهرباء بسعر زهيد مقارنة بالعديد من الدول الأخرى، ونرجو ألا يُطال رفع تعرفة الكهرباء المواطن الذي يرزح تحت أعباء طائلة من المصروفات التي لا طاقة له لدفع ما هو أكثر من الوضع الحالي.
ومن أساليب ووسائل خفض استهلاك الكهرباء وضع أنظمة صارمة على الجهات الحكومية والمدارس والمستشفيات والمساجد التي تترك فيها الإضاءة والتكييف تعمل طوال اليوم بلا رقيب ولا حسيب.
واقترح كحل وسط رفع سعر التعرفة على الشرائح الكبرى من الاستهلاك حتى يشعروا بما يقومون به من هدر للطاقة، وينتبهوا إلى ضرورة نشر ثقافة الترشيد بين العاملين لديهم، وإذا لم يحقق رفع سعر التعرفة هدفه، أقترح وضع جزاءات وعقوبات صارمة على المتسببين في هدر ثروات البلاد.
وقد قارب ما تستهلكه الكهرباء والتحلية من النفط أربعة ملايين برميل يومياً, تخيلوا لو استطعنا أن نخفض ذلك إلى النصف كيف سيظهر أثره الإيجابي في الميزانية بزيادة الصرف على البنية التحتية والمشاريع الحيوية.
أيضاً، حبذا لو تقوم هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج بوضع حوافز ومكافآت للأفراد والجهات والمصانع التي تحصل على جزء من طاقتها من خلال توليد الطاقة الشمسية، وبخاصة في مجال تسخين المياه شتاءً والإضاءة أيضاً.
فقد أطلعني صديق على مصباح من إنتاج الصين وسعره زهيد جداً يستمد طاقته من الشمس، ويوضع في المداخل ولا يضيء إلا إذا مر من تحته شخص، وأكيد أن هناك ابتكارات كثيرة في هذا المجال لا يحضرني ذكرها، وأظن أنه بالإمكان إضاءة مصابيح الشوارع بالطاقة الشمسية.
وحبذا لو تكون هناك حملات إعلامية متواصلة للتوعية باستهلاك الكهرباء في المنازل والمدارس والمستشفيات والمساجد والمصانع والقطاعات الحكومية.
ونوجه الدعوة لرجال الأعمال لمساندة حملات التوعية، وذلك بتكفل مصاريف إنتاج برامج التوعية بترشيد الاستهلاك في وسائل التواصل الاجتماعي (السوشيل ميديا) وعبر التلفزيون والإذاعة والصحف ويمكن لرجال الأعمال إدراج ذلك ضمن برامج المسئولية الاجتماعية التي تخصص لها ميزانيات جيدة لدى شركات القطاع العام.
وأيضاً هناك التوعية من خلال المدارس وخطباء المساجد الذين لهم تأثير بالغ ومؤثر للوصول إلى نتائج إيجابية خصوصاً أن ديننا الحنيف يدعو لعدم الإسراف والتبذير، وقد جاء في الحديث النبوي الشريف (لا تسرف ولو كنت على نهر جار).
إنها دعوة صادقة من القلب أبثها من خلال هذا المنبر الإعلامي الهام لمراجعة كل ما نقوم به من إسراف وبذخ من أجل أن يحقق الوطن كثيراً مما نصبو إليه والذي في نهاية الأمر سيعود على الأجيال الراهنة والقادمة بالخير الكثير.