مشاعل العيسى ">
قبل أكثر من عشر سنوات تقريباً استشعرت دولتنا خطر الإرهاب الذي يختطف صغار السن ويجندهم فسارعت وزارة التربية والتعليم بتفعيل برنامج الأمن الفكري في المدارس وكنت ضمن أعضاء اللجنة المرشحة وخضعت لبرنامج تدريبي لهذا الغرض وكانت الخطة أن نقوم نحن بتدريب الطالبات على هذا البرنامج... ولكن هذا لم يحدث على الرغم من أننا قمنا في الفترة ذاتها تقريباً بعقد دورات في المدارس الثانوية لنشر ثقافة الحوار بإشراف ومتابعة مركز الحوار الوطني وتم ذلك في كل أنحاء المملكة (وإني أقترح هاهنا على وزارة التعليم الاستفادة من تجربة مركز الملك عبدالله للحوار الوطني في نشر ثقافة الحوار من الناحية التنظيمية والإدارية).
ولقد اطلعت على الإصدارات الخاصة ببرنامج الأمن الفكري في المدارس والتي انفق عليها بسخاء وعلى الخطة التنفيذية للأنشطة واسترعى انتباهي وقتها - إن لم تخني الذاكرة- وجود نشاط للطالبات داخل البرنامج عن (الرسم على الخزف أو الزجاج أو طرق العناية بنباتات الظل)... أو شيء من هذا القبيل، وأذكر أني سخرت من ذلك حينها.
وبما أنني كنت في ذلك الوقت مشرفة نشاط ومتحمسة جداً لمشروع وطني كمشروع الأمن الفكري، فقد وجدت في هذا البرنامج وغيره من البرامج المطروحة خلطاً لا ينبغي.
كيف يدخل في برنامج فكري غرضه التوعية بخطرالفكر الإرهابي برنامج كالنقش على الخزف ؟!! ومادخل هذا النوع من البرامج؟
ثم إني أدرك أن هذه الأنشطة قد تم تفعيلها جيداً في حصص النشاط وخاصة مايتعلق بالجانب الفني والجمالي وتطوير المهارات الفنية!
واطلعت على بقية البرامج المقدمة ولاحظت تشتتها عن الهدف الرئيس، فعرفت حينها أن البرنامج لم يكن جاداً في التركيز على الأمن الفكري وأن هناك عدم وضوح للرؤية حيال هذا المشروع الأمني والاستراتيجي
الذي حصل أن المشروع سُحب من النشاط وسُلم للتوعية الإسلامية فقط، ولم ندرب أحداً في المدارس على معنى الأمن الفكري وخطوات الفكر الإرهابي (ولقد بحثت قريباً عن التعميم وعن تلك الاصدارات لكنها اختفت لقدمها).
وقبل ثلاث سنوات تقريباً رشحت لأمثل مكتبنا الإشرافي لحضور اجتماع حول مشروع الأمن الفكري، فسعدت جداً وذهبت مصطحبة مبادرة شخصية عبارة عن مشروع للنشاط عن الأمن الفكري قمت بإعداده لهذا الغرض.
تفاجأت أن الاجتماع كان بخصوص إقامة معرض للأمن الفكري بحضور أمير منطقة الرياض وأن المطلوب هو حصر وجمع وعرض كل الأنشطة السابقة والتي تعدت عشر سنوات ونيف.
خذلت وقتها حيث ظننت أن المشروع الوطني الجبار قد بعث من جديد وخاصة إبان أحداث الخريف العربي.
واليوم وأنا أحضر حفل تدشين المشروع الوطني (فطن) شعرت بأن مرارة الخذلان تلك قد ولت، وسعدت بأن هناك تحركاً جاداً حيال هذا الهم الوطني، خاصة وأنه قد تم تخصيص إدارة مستقلة للأمن الفكري ولقد دار في ذهني حينها عدد من الأسئلة:
س/ هل سيحقق المشروع طموحات الجهات الأمنية ويساهم في الحد من الإرهاب؟ والسؤال الأصعب: لماذا ازداد الإرهاب والتسمم الفكري رغم وجود مثل هذه البرامج؟
س/ هل سيكون المشروع جاداً يواكب الحدث كماهو؟ أم أنه سينتهي بتقرير مزخرف يمتلئ بالصور والأوراق ليكون إنجازاً للحبر على الورق... كعادة بعض المشاريع التي ليس لها تأثير قوي على الواقع؟
س/ هل سيتداخل البرنامج التوعوي والفكري مع برامج تنمية الذات وتطوير الذات ....الخ
وهنا أعبر عن خوفي من استقطاب الوزارة لمراكز تدريبية تشتت التركيز عن هذا الأمر المهم، لتصرف الطلبة لأمور أخرى لها نصيب من النقد لدى علمائنا الأفاضل، وخاصة دورات البرمجة العصبية والثقة بالنفس والمطالبة بالتغيير... وماشابهها... والتي فيها من الأخطاء العقدية ما فيها.
ويصبح الغبن أكبر إن نحن دفعنا مالاً سخياً من المخصص للمشروع على شيء يضر ولاينفع ويشتت عن الهدف
س/ هل ستكون إدارة الأمن الفكري مركزاً مشعاً؟ وهل ستحصل على نفس الاهتمام الذي حصل عليه مركز الملك عبدالله للحوار الوطني.. بمعنى هل سيتم تحويل هذه الإدارة لمركز وطني مستقل عن وزارة التعليم متعاوناً معها؟
س/ ماهي المعايير والأسس التي سيتم اختيار أعضاء اللجان من كل مناطق المملكة وفي المدارس لهذا المشروع الحساس؟
هل تم التأكد من سلامة منهجهم ؟ هل عرف عنهم حبهم للوطن والدفاع عنه في كل موقف؟ هل لهم أنشطة يُحس منها أن لديهم غيرة حقيقية على الأمن الوطني؟
س/ من هي الشخصيات المشهورة المرشحة للمشاركة في هذا البرنامج؟ وهل هي ممن لم يعرف عنها أي نوع من التحريض على الوطن وحكامه؟!
س/ هل المشروع لما وضع له حقاً؟ بمعنى هل ستهتم وزارة التعليم بالأمن الفكري كأمن فكري يتعامل مع الفكر ويفكك الأفكار ويفند الشبهات ويساهم في محاربة الفكر الذي يصنع الإرهاب؟
أم أنه سيضع في برامجه النقش على الخزف أو الرسم على الرمل والزجاج
نرجو أن تتفطن الوزارة بقائدها الوزير لهذا الأمور
إننا بحاجة إلى تعليم أبناءنا أن السلطان ظل الله في الأرض وأن من أهان سلطان الله أهانه الله... بدلاً من تعليمهم طرق العناية بنباتات الظل.
إن الذين اكتووا بنار الإرهاب و تحسروا على فقدان أبنائهم وبناتهم وماتوا كمداً على ضياع أمخاخ أطفالهم... لن يهمهم أن تتعلم بناتهم طريقة صنع الأساور فثمة أناس يعلمون أبناءنا وبناتنا طريقة خياطة وصنع حزام ناسف.
وإن الذين تناثرت أشلاء أبنائهم... لايهمهم الرسم على الزجاج وقت تناثر زجاج شبابيك البيوت والمساجد.