جبهات إلكترونية لمواجهة الانحرافات الفكريّة والعقديّة الهادمة للدين والأخلاق ">
الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
يعمل أعداء الإسلام على إفساد أبناء المسلمين فكرياً وخلقياً، وذلك عبر مواقع الانترنت، وبرامج التواصل الاجتماعي مما أفسد القلوب، وتغيّرت الأفكار، ودمّرت الأخلاق.
وعلى الرغم من الجهود التي تبذل لمواجهة الأعداء الالكترونية إلا أننا نجد أنها ضعيفة وفردية ولا ترقى إلى العمل المؤسسي المنظّم لنصرة الدين ودحض المتآمرين على الوطن وأبنائه، «الجزيرة» التقت بعدد من المختصّين من الأكاديميّين والدعاة والتقنيّين ليتحدّثوا عن الطرق المثلى لإيجاد جبهات الكترونية لصد الأعداء ودحرهم، مبيّنين آليّة العمل التي يمكن أن تكون الانطلاقة من خلالها..
الحوار البنّاء
بدايةً يبيّن الدكتور سليمان بن صالح القرعاوي أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك فيصل أن العالم يشهد اليوم انفتاحاً غير مسبوق على الناس بعضهم مع بعض عبر طرائق عدة منها التواصل الاجتماعي عبر تويتر والانترنت وقد شكّل هذا الاتصال وصول الأخبار وسبل المدح والنقد، الأمر الذي سبّب عن طريقه تغيير المفاهيم والرؤى حول موضوعات معينة قد تكون ساخنة بعض الشيء مما ولّد انطباعاً حسناً أو كرهاً وخاصة فيما يهم الرأي العام وقد ينتج عن ذلك احتقاناً لدى البعض وبخاصة فيما يهم الشباب، فقلما تجد شاباً يافعاً إلا وهو منشغل بتلقي الخبر أيّاً كان مصدره عبر هذه التقنية الحديثة، والدول معنية بشبابها فلابد إذاً من وقفة جادة من قبل التربويين والاجتماعيين بإيجاد الحلول اللازمة لمعالجة هذه الأزمة التي ما زالت في تنامي: وأول الوسائل عن طريق الحوار البناء والهادف بين رب الأسرة وأفرادها.
الثانية: إقامة مؤتمر أو ملتقى يدعى له التربويون في لقاء مع فئات من الشباب يتسم بالشفافية والصراحة والوضوح تعرض فيه النواحي الايجابية والسلبية، ويجري على هامشه ورش عمل تخدم هذا المؤتمر أو الملتقى.
الثالثة: تقوم وزارة التعليم بتزويد إدارات التعليم بما انتهى إليه هذا الاجتماع.
الرابعة: للإعلام دور بارز في تثقيف المجتمع بمخاطر التواصل الاجتماعي إذا ترك دون رقابة، وللمنبر أهمية بالغة في طرح هذه المخاطر.
جبهة إلكترونية
ويكشف الدكتور وليد بن عبدالعزيز الجندل عميد تقنية المعلومات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن ما من وسيلة مؤثرة - سلبا أو إيجاباً - إلا واستخدمها أعداء الإسلام ببراعة مرعبة لنشر أفكارهم والتأثير على الآخرين، أو لكسب الأنصار، وإفساد أبناء المسلمين، ويؤكد الواقع والمتابعة كثرة لجوء أعداء الإسلام إلى مواقع التواصل الاجتماعي والنشر على الإنترنت واستخدام الوسائل التقنيّة بشكلٍ عام لتحقيق أهدافهم، وذلك لسهولة استخدامها وقلة التكاليف، إلى جانب صعوبة الاهتداء إلى القائمين عليها أو ملاحقتهم، لا سيّما مع سرعة الانتشار والوصول إلى المستهدفين وغير المستهدفين دون عناء.
وبالتالي اجتهد أعداء الدين للاستفادة من معطيات الإعلام والنشر الحديثة من وسائل الإعلام الالكتروني ربما أفضل من استفادة بعض المؤسسات والهيئات الرسمية والإعلامية والثقافية.
من هنا يبرز دور المختصين في المجال التقني في جميع المؤسسات والهيئات الرسمية والإعلامية والثقافية منها بصنع جبهة إلكترونية لصد الأعداء ودحرهم، وذلك انطلاقاً من الحفاظ على الإسلام وأبناء المسلمين وحماية أفكارهم من الاختراق، وصولاً للدفاع والذود عن أمن هذا الوطن الغالي وممتلكاته.
ويمكن الانطلاق بهذا العمل الإلكتروني للدفاع عن الدين الحنيف ببناء توجّه معتدل مضاد، يستقطب شباب المسلمين بشكل معتدل، ويحتوي أفكارهم ويوجههم إلى الطريق الصحيح، عن طريق برامج جيدة التصميم والإخراج، وشبكات تواصل اجتماعية فعّالة، مما يتيح للشاب أن يكوّن عالمه الخاص داخل هذا التوجه المعتدل والذي يقوم بإبعاده بشكل تدريجي عن التيارات الأخرى.
ومن منطلق دور المؤسسات الحكومية في مواجهة الإرهاب والحفاظ على الأمن الفكري وترسيخه قامت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالعديد من المؤتمرات الدعوية والتثقيفية بهذا الخصوص، متضمناً ذلك جهود عمادة تقنية المعلومات بالجامعة، حيث تقوم العمادة بالتحضير لتطبيق يدعم مفهوم BYOD (Bring Your Owen Device) والذي يتيح لطلاب الجامعة والزوار احضار أجهزتهم الالكترونية الخاصة بهم لحرم الجامعة، والربط بشبكة الجامعة والدخول مباشرة لجميع الأنظمة الالكترونية في الجامعة، مما يتيح للمسؤولين عن هذا النظام التحكم وبثّ المحتوى المناسب للمستخدم داخل الجامعة وحجب المحتوى الغير مناسب، هذا فيما يتعلّق بحماية الشباب والحفاظ على أيديولوجية تفكيرهم، لا سيّما صغار السن منهم.
مركز وقائي
ويستهل الشيخ بدر بن علي العتيبي مدير مركز الدعوة والإرشاد بالطائف حديثه بالاستشهاد بقول الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60] وهذا الإعداد (لهم) أي أعداء الإسلام والبلاد والعباد يقتضي أن يكون مقابلاً لكل ما يصد عدوانه بقوة مكافئة أو أقوى، ومن الجبهات التي أفسدت الكثير من أبناء المسلمين اليوم فكرياً وأخلاقياً، ذكوراً وإناثاً، الجبهة الالكترونية! وذلك عبر مواقع الانترنت، وبرامج التواصل الاجتماعي، فالغارة اليوم من أعداء الإسلام، وأرباب الشهوات والشبهات عن طريقها شرسة وقوية، أفسدت القلوب، وغيرت الأفكار، ودمرت الأخلاق، وفعلت بأبناء المسلمين الأفاعيل، وتجاوز الأمر مجرد البكاء والعويل وشتم هذه الوسائل، فهي ميدان عراك، وجب الثبات فيه، ولا يليق بالمسلم التولي يوم الزحف، فوجب أن يقابل جموع الباطل جموعٌ من أهل الحق، والحق محفوف بنصر الله تعالى وعلوّه ورفعته، كما قال تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81] وقال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 18]، ولا أنكر أن في هذه البرامج من هو محتسب يرد على المخالفين، ويدعو إلى ما يثبت أركان الشريعة، ومحاسن الأخلاق ويرد على المخالفين، ولكن أعمالهم غالباً فردية احتسابية غير منظَّمة، تقابل أعمالاً منظمة تدار من منظمات كبرى لغرس الأفكار المنحرفة من: الإفساد في الدين، أو الدعوة إلى العنف والإرهاب، أو تسويق الانحراف الأخلاقي وإباحة الحرام، وغير ذلك، منظمات كبرى عالمية، لها رعاتها، وقنواتها، ومواقعها، وممولوها، وأمثال تلك الجهات والجبهات لا يستطاع دفعها بالعمل الفردي، ولابد من العمل الجماعي ولو قلّ العدد، فالجماعة قوةٌ ورحمة والفرقة ضعفٌ وعذاب، ولا أجهل ولا أخفي أن في الميدان جهود منظمة نافعة ولها ثمارها، ولكنّها في تنوع وسائل التواصل، وكثافة الأعداد، أرى بأنها بحاجة إلى دعمٍ أقوى، وتوسيع الدائرة من حيث العدد وأساليب الطرح،ما بين «الصد والرد» و»المبادرة والتقدم» بالتأصيل والدعوة، وربطها بجهة رسمية وظيفية مرتبطة بوزارة الخدمة المدنية سواء بالتوظيف أو التعاقد، وتبنى على شكل هرمي يزيد عدد الأفراد كلما نزل عن الجهات الإدارية، إلى أن يصل عدد الأعضاء إلى الألف أو يزيد، ممن تتوفر فيهم الصفات الكاملة، والأهلية المناسبة: علماً وعقلاً ومعرفة، وتكون مهمتهم الأساسية هي النزول في ساحات البرامج الالكترونية، والمواقع في الشبكة العنكبوتية، بعمل مؤسساتي منظم، ومتابعة دقيقة، ومهارة فائقة، وتقارير متابعة للأثر والجودة، حتى تطهر تلك البرامج والمواقع من كدر المخالفين، ويجد أبناء وبنات المجتمع في كل زاوية من زوايا تلك البرامج اسماً أو موقعاً أو معرفاً يوجهه ويرشده، ويدلّه ويحذره، ويكشف له الشبه.
ولنأخذ من ذلك البرنامج الشهير «تويتر» وما له من شعبية قوية في بلادنا، وأثر كبير في التغيير، حتى صار الشاب يخطف من يدي أهله من حيث لا يشعرون! كيف لو كان يستخدمه ألف طالب علم عاقل محقق متقن؟ بل كيف لو كان كل طالب علم عنده عشرة حسابات متنوعة، وأستطاع أن يكسب ويجنّد من متابعيه الآلاف؟ فإلى كم سيصل التصحيح والوقاية والبيان من تأصيلات وروابط وصور وصوتيات ومرئيات وتوجيهات؟ هذا هو الإغراق النافع لو تمّ، فيا ليت من يحقق هذا الأمل، ونقيم مركزاً الكترونياً وقائياً يعتمد على «الوقاية» و»الرعاية» والإرشاد والهداية، بل لو وُصفت بـ: «القوات السعودية الإلكترونية» ما كان هذا الوصف عن حاجة الواقع ببعيد، فاليوم تُنقض دعائمُ دول، وتزالُ عروش، وتُهدم أخلاق، وتُبدّل أديان في زوايا هذه البرامج، فما الدنيا إلا حق وباطل! وهما نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، فإذا غاب الحق نصب الباطل رأيته، وباض وفرّخ!، وإذا حضر الحق دمغ الباطل فإذا هو زاهق.
تعاون دولي
ويؤكّد الدكتور فهد بن سعود العصيمي عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض أن عالميّة التهديد الإرهابي تتطلب بالمقابل عملاً دولياً لمكافحته، وبالتالي وجب تكاتف الجهود الدولية والتعاون في كافة المجالات لمواجهته، وهذا الأمر يستدعي وضع الخطط لكيفية التعاون كعقد المؤتمرات وحث جميع الأطراف على إشراك النخبة كل في مجاله ليدلوا بدلوهم في هذا المجال ثم تقدم كل دولة ورقتها في هذا الشأن.
خطر مثل هذا يتطلب جبهات الكترونية شاملة تحيط بكل أمر من شأنه التأثير في نفسية المتلقي.
جبهة أمنية: ومن واجباتها:
ممارسة ضغوطات على مؤسسات وسائل التواصل الاجتماعي للتعاون مع الدول المحاربة للإرهاب والأفكار الهدامة والتنظيمات المهددة.
ويمكن الإطلاع على ما تنوي اعتماده بعض الدول مثل روسيا التي قام بعض علماءها بجهود للبحث عن القائمين على تجنيد مسلحين يتبعون تنظيمات إرهابية من خلال شبكات التواصل الاجتماعي وكان ذلك بواسطة برنامج جديد اطلقوا عليه ( شيطان لابلاس ) وهدفي من ذكر هذا البرنامج إظهار الدور الاستخباري المعتمد على استخدام التطور الإلكتروني لمحاربة الإرهاب.
مسؤولية الأسرة
ويضيف العصيمي بأن للأسرة دور كبير في حماية الفرد من الانخراط في أعمال تسيء له ولدينه ووطنه وإنسانيته، وبالتالي يمكن تجنيد أباء وأمهات ممن فقدوا ابناءهم للتحدث عن مصير أبنائهم والحديث عن ذكرياتهم من الأبناء الذين فقدوهم ويتناولوا كل حديث من شأنه ترك أثر في الطرف الآخر، ويأتي بعلماء مختصين يقومون بمقابلات مع أولياء الأمور وإظهار كل ردود الفعل التي ستترك أثراً إيجابياً في الأبناء، وبالطبع مساندة علماء النفس والاجتماع في مثل هذه المواقع وعلماء الدين وحديثهم عن الأذى الذي سيلحق الإبن الذي ترك والديه بهذه الحالة وبالمقابل القصص التي دلت على تفضيل الرسول - صلى الله عليه وسلم - خدمة الوالدين بل الزوجة المريضة على الجهاد. فكيف بمن عصاهما ولأجل جماعة لم يتحر عنها ولم يشاور أهل العلم والرأي السديد قبل التضحية بكل جميل في حياته من أجل أهدافها.
وطبعاً من المفترض وضع خطة متكاملة لجعل هذه الجبهة فعّالة، ويكون الموقع بديلا عن التلفاز الذي هجره الأبناء واعتمدوا على كل ما يصلهم من خلال الهاتف، ولمؤسسات الاتصالات دور في الإعلان عن هذه الجبهات في مواقع التواصل، والمنتديات بل الهواتف النقالة، كما ويمكن الإعلان عن هذه الجبهة من خلال عقد دورات في الوزارات وأماكن العمل الخاصة والعامة، فنتبع سياسة الذهاب إلى المعنيين وفرض ما لدينا عليهم ونحرص على إشراكهم في التوعية ولا ننتظر أن يأتوا هم إلينا باحثين عن وسائل لمساعدة الأبناء، أو نكتفي برسالة بريدية قد يتجاهلها الكثير.
تربوية وترفيهية
ويقترح إنشاء جبهة تربوية تخاطب أولياء الأمور والمعلمين ودورهم في التنشئة، وتتحدث عن مخاطر الاهتمام بما يكفل للأبناء مستقبلا مهنيا وماليا دون الاهتمام بالجانب الروحي والنفسي فلا ينفعه مال ولا مستقبل بعد ذلك، وربما آن الأوان لندرك أننا لسنا بحاجة لتغيير المناهج بقدر ما نحن بحاجة لتغيير عقلية الأب، وعقلية المعلم، فالمعلم، عليه أن يدرك أنه يمارس الدور الأهم وأنه في مكان عمله يمثل المعلم والمربي والأب والموجّه، ودون أن نقصر الجهد على معلمي التربية الإسلامية، يجب تدريب المعلم ليكون تربوياً يستشعر الأمانة والمسؤولية الملقاة على عاتقه ويستشعر أن كل طالب ابن له وأن كل ابن معرض لتهديد، كما أننا نحتاج إلى جبهة ترفيهيّة وكيف لا!! وقد استخدمت داعش الألعاب لنشر أفكارها، وفي هذه الجبهة يجب النظر في اهتمامات الشباب والشابات وعدم الاكتفاء بما يقره المختصون في مجال الترفيه، فمن يحب الكرة والسباحة والخيل، غيره قد يميل إلى الألعاب الإلكترونية التي تستهوي سنّه. بالإضافة للمعسكرات، وهناك الهوايات الأدبية والفنية وكل ما يحتاجه الشباب خاصة بعض الهوايات التي تستأثر بها المراكز الخاصة وتتطلب مبالغ مالية كي يلتحق بها عامة الناس.
وهنا أتعجب من كثير من القيود التي تفرض على الشباب الراغب بممارسة الكرة في النوادي مثلاً !!
من المفترض أن تقوم الدولة بتجنيد جميع الوزارات ذات الصلة بالموضوع ليعقدوا اجتماعات مع النخبة ليعطوا رأيهم في هذا الأمر، فوزارة التربية تختار شريحة تمثلها فيخرجوا لنا آلية تساهم في تعزيز دور الدولة في محاربة هذه الظواهر الهدامة، وكذا وزارة الصحة تجتمع بالخبراء خاصة في مجال علم النفس وتتعرف على إمكاناتهم في التصدي لهذه الظاهرة وآلية تنفيذها الكترونياً. باختصار لابد من تغطية جميع الجوانب التي من شأنها مساندة المعنيين في مواجهة هذا الخطر وبالتالي يجب عدم الاعتماد على الجانب الأمني فقط وإنما التربوي والثقافي والاجتماعي ولهذا وجب التواصل مع كل من يمثل تلك الجهات.