د. محمد أحمد الجوير ">
من فضل الله علينا في هذه البلاد أن أكرمنا برجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، نشأوا على يد رجل همام، جعل همه الأول نصرة دينه القويم وإعلاء كلمته، عندما عزم على توحيد هذه البلاد يوم أن كانت متفرقة متشرذمة، يتسلط فيها القوي على الضعيف، لم يكن هدفه الطمع لذاته، بقدر ما كان تطلعه للم الشعث وبسط الأمن وإقامة شرع الله القويم، فتحقق له -رحمه الله- ما كان يرمي إليه، يدفعه لذلك صدق نواياه وانتفاء أطماعه، ذالكم هو المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه-، خلّف بعده أبناء بررة سلكوا مسلكه ونهجوا نهجه إلى يومنا الحاضر، حتى باتت بلادنا مقصدًا للمؤمنين الآمنين وغيرهم من عباد الله، وباتت واحة أمن وارفة تهوي إليها النفوس المطمئنة.
أمتنا، خير الأمم؛ إِذ بعث إليها أفضل الرسل وأنزل عليها خير الكتب، وأوجب الله عليها الاستمساك به والتحلي بأخلاقه وآدابه، والمملكة العربية السعودية، تتشرف بأنها موطن الحرمين الشريفين ومبعث الرسالة المحمدية الخالدة، وحاملة لواء الدعوة إلى الله، وهي بفضل الله تتخذ كتاب الله عز وجل دستورًا لها، وأساسًا ركيزًا ومنهاجًا سليمًا في جميع شؤونها، وتولي دراسته وتجويده وحفظه عناية فائقة، تتمثل بذلك التوجيه النبوي الشريف (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).
جهود المملكة في اهتمامها بكتاب الله، تذكر فتشكر، أنشأت مدارس نظامية لتحفيظ القرآن الكريم في كافة مناطق ومحافظات المملكة، وأقامت الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في جميع مدن ومحافظات وقرى وهجر المملكة، بهدف تعليم القرآن الكريم وإتقان تلاوته، وتحفيظه، وما يستلزمه ويتتبعه من إعداد المدرسين الأكفاء للنهوض بهذه المهمة الشريفة، وتهذيب أخلاق النشء الذي يأنسون في رياض حلقاته بالبيئة التربوية الحسنة، ويبعدهم عن كل ما يلبس ويدلس عليهم في أمور دينهم ودنياهم، ولا شك أن من أبرز وأجل مظاهر العناية بالقرآن الكريم في هذه البلاد الطيبة، تنظيم مسابقات محلية ودولية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره، وما تحظى به هذه المسابقات من دعم متواصل لا محدود من الدولة ومسؤوليها وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وإخوانه الميامين وأمراء المناطق، بدليل تشريفهم ورعايتهم لها على الدوام، وتأتي مسابقة الملك عبدالعزيز لحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره التي تضطلع بتنظيمها ومتابعتها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد سنويًا، بمزيد من التوهج والتطور في جميع جوانبها، يشّنف فيها القراء المتميزون من مختلف دول وشعوب الأمة الإسلامية في مختلف أنحاء العالم، آذان المستمعين في أجواء إيمانية قلّ نظيرها، هذه المسابقات نراها في كل عام تحقق مآثر كبيرة، انعكست على هؤلاء الحفظة بتقوية سلوكياتهم، والأخذ بأسباب صلاحهم وهدايتهم، وبعدهم عن دواعي التطرف والتشدد، وكل ذلك يعود بالخير على الأمة الإسلامية بأكملها، ويحق لكل مسلم أن يفخر ويفاخر بهذه المسابقات التي يجدر بنا أن نصفها بالوسيلة العظمى لتحقيق الغايات النبيلة، وقد أخبرنا الحق تبارك وتعالى بقوله {إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} الآية.
والقرآن الكريم رأس العلم وأساسه، ونور الطريق للفرد والأمة، فهو الحبل المتين والنور المبين، قال تعالى: قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم .
ومن أجل هذه الغايات النبيلة، جاء حرص ولاة الأمر في هذه البلاد المباركة على خدمة كتاب الله الكريم، والعناية به، وتعلمه، يبتغون من ذلك الأجر والثواب من الله جل جلاله، ودفع الشرور عن هذا الوطن وأهله، وإبعاد الأمة عن المخاطر التي تجلبها الأهواء والأفكار الشاطحة، وهذه المسابقة الكبيرة، مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره، التي نحن على مشارف انطلاقتها في الرحاب الطاهرة، اكتست أجمل حلّة، وظهرت بأبهى زينة، بفضل توفيق الله تعالى ثم بما يبذله ولاة أمر هذه البلاد لكتاب الله عز وجل، نشرًا وتعليمًا وتكريماً لحفاظه، لا يسعنا ونحن نرى بأم أعيننا جهود حكومتنا في هذا الإطار وجميع أطر الخير، إلا أن نسأل الله بمنّه وكرمه أن يجزي القائمين على هذه المسابقة النبيلة ومثيلاتها، خير الجزاء، وأن يبارك في أعمالهم وجهودهم، ويجعلها في موازين حسناتهم، وأن يديم على هذه البلاد الأمن والرخاء والطمأنينة والاستقرار، ويبعد عنها الفتن ما ظهر منها وما بطن، ويبقى كتاب الله عز وجل، النور المبين والصراط المستقيم، لكل مسلم مؤمن سليم العقيدة، يحفظه من ويلات الفتن والشرور التي يموج بها عالمنا الإسلامي اليوم، ولا ينبغي لنا أن نلتفت لتلك الأصوات الشاذة التي تحاول الصاق التهم في أهل القرآن من خلال مدارس تحفيظ القرآن الكريم النظامية أو من خلال حلقاته المنتشرة، فهؤلاء أحسب أنهم لا يريدون الخير لبلادنا ولا لأمتنا أن ترتقي بالقرآن كلام الله، بقدر ما يهدفون لتشويه صورة هذه المحاضن الخيرة في بلادنا وإلحاق السوء فيها وأهلها، والتقليل من قيمتها..