«صيد الوعول نشاط مقدس في ديانة جنوب الجزيرة العربية قديما» للباحث علي بن مبارك طعيمان ">
منذ أن خلق الله الإنسان على الأرض خلقت معه ظاهرتين التدين والعبادة حيث تعد جزءا من حاجات النفس البشرية لأنها تندفع بغريزة فطرية إلى الاعتقاد بها وجعلها الإنسان في تفكيره وكان يعتقد بأنها سبب أساسي التي تمده بالخير ومن هذه المعتقدات الدينية التي رافقت الإنسان في جنوب الجزيرة العربية أداء شعائر الصيد المقدس وهو مايعرف» بصيد عثتر» إله المطر فلقد كان يتم صيد الوعل من أجل الاستسقاء لنزول المطر فلقد اختار الإنسان القديم الوعل لما يتمتع به من خصائص يتميز بها عن سائر الحيوانات البرية فهو يتحسس سقوط المطر ولمحات البرق قبل حدوثه.
الوعل هو تيس الجبل البري الذي يمتاز باللون الأحمر المنقط وأطرافه تكون بيضاء ومن أسمائه العصم بسبب اعتصامها وتمركزها في أعالي الجبال ويعرف عند العرب بالوعل بضم الواو وكسر العين وفتح اللام, في بداية العصور التاريخية في جنوب الجزيرة العربية انتشرت مناظر صيد الوعول حيث كانت ترافق طقوس وشعائر دينية موسمية امتدت إلى بداية الديانة الكوكبية في جنوب الجزيرة العربية وأصبح تقديس الوعل وصيده يعتبر من الشعائر الدينية التي يقوم بها المكرب في مملكة سبأ حيث ظهرت لوحات فنية تمثل انتشار شعائر الصيد المقدس في جنوب الجزيرة العربية فقد كان يتم تصوير الوعل على أعمدة المعابد ذكر الباحث بأن الوعل كان يمثل رمزا مقدسا لحضارات جنوب الجزيرة العربية فقد عرف في مملكة سبأ حيث كانت تقام له شعائر موسمية من كل عام يتصدرها الملك ومن بعده المكرب وكان القيام بذلك يعتبر شرطا دينيا وكان يشارك الحكام رجال الدين وكبار الدولة وشيوخ القبائل بالإضافة إلى النساء ولقد ذكرت ألفاظ تدل على الصيد التي وردت في نقوش دينية وهذه النقوش تعود تاريخها إلى القرن الثامن قبل الميلاد ومما يؤكد ذلك نقوش منطقة» يلا» فقد كان الوعل يمثل رمزا للماء الذي يعتبر أمرا ضروريا لقيام النشاط الزراعي وهو من أهم المقومات الأساسية لنشوء وتطور الممالك في جنوب الجزيرة العربية ومن خلال ذلك أصبح الوعل أساسا في عمليات الصيد المقدس وبما أن مجتمعات جنوب الجزيرة العربية كانت مجتمعات زراعية كان يمارس فيها الصيد المقدس كإحدى طقوس دينية وذلك طلب رضاء الإله حتى يمن عليهم بالخير والبركة ويجلب لهم نزول المطر لكي تروي الأرض وقد كان الصيد يقوم في حضارة جنوب الجزيرة العربية باسم عدد من الآلهة الرئيسية حيث ظهرت الديانات الكوكبية التي عرفت بعبادة الثالوث «القمر-الشمس -الزهرة) وكانت تقوم هذه الديانة على آلهة مقدسة ومجسدة تقدم لها القرابين والإهداءات والنذور من أجل طلب الرضا والعون ومن بين تلك الشعائر الدينية التي تقام لتلك الإلهة هو الصيد المقدس وبعض من الآلهة الرسمية كانت تقترن بالحماية والخصوبة ويرمز لها ببعض الحيوانات كالوعل والثور والثعبان بالإضافة أنها كانت تمثل رمزا للقوة ولقد كان من الشواهد الأثرية التي تدل على الاهتمام بالوعل هو نحت رأسه وقرنيه بشكل مبالغ فيه في فنون جنوب الجزيرة العربية والتي تتمثل في تلك الأحجار التي عثر عليها في معبد «عثترذوبيان»ي جبال اللوذ شمال اليمن حيث يظهر على أحد الأحجار صفان من الوعول الرابضة وفي الوسط نقشان بخط المسند الجنوبي ويظهر في الأسفل النقش حزمة القلم والبرق المزدوج.
ومن تشريعات الصيد المقدس التي تحدثت عنها نقوش جنوب الجزيرة العربية قديما هي تشريعات ظهرت في حضارة مملكة سبأ تعود إلى فترات متأخرة ومن هذه التشريعات أنه لا يحق لأحد أن يعترض الحيوانات المقدسة الخاصة بالصيد الديني كما تمنع الأغنام الجبلية من الرعي في المراعي الخاصة بحيوانات الصيد كما يتوجب إقامة الصيد في أيام معدودة من كل عام ويجب الالتزام بتقديم بعض الحيوانات التي تم اصطيادها للمعبود ولايجوز صيد إناث الوعول الحوامل والمرضعات كما لايجوز إقامة الكمائن للصيد.
- تغريد الشمراني