السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
إشارة إلى ما نشر في أعداد سابقاً حول اهتمام الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالمساجد التاريخية أو التراثية لأنها تمثل جزءاً من التفاصيل السياحة ومفرداتها المهمة من ناحية ومن ناحية أخرى أهميتها كرسالة إيمانية يجب العناية بها كي تبقى شاهداً على تعلق أهل هذا الوطن الكريم بالمسجد وليكون شاهداً على مراحل التطور العمراني والنمو الحضاري، وما صدر عن اجتماع مجلس الهيئة الأخير الذي وافق فيه المجلس على تأسيس «برنامج العناية بالمساجد التاريخية» في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، إثر مباركة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- للبرنامج أثناء حفل افتتاح حي البجيري بالدرعية التاريخية وموافقته على رعاية برنامج خاص للعناية بالمساجد التاريخية في محيط مشروع الدرعية التاريخية الذي يشمل ترميم 34 مسجداً تاريخياً تقوم به الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ووزارة الشئون الإسلامية والهيئة العليا لتطوير منطقة الرياض، إلى جانب عن تبرعه بنفقات ترميم مسجد الحنفي التاريخي في جدة التاريخية الذي صلى فيه الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-.. وتهدف الهيئة من تأسيس البرنامج، بالتنسيق مع وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وعدد من الجهات ذات العلاقة إلى المحافظة على المساجد التاريخية بالمملكة.
لن أتطرق إلى ذلك إلا من باب الإشادة بهذه الخطوة للهيئة الطموحة لأن لها مساساً بالتراث الوطني الذي هو الشق الثاني من الدور المناط بها وإن كان هذا لا يعني عدم مسؤولية وزارة الشئون الإسلامية معها في هذا الجانب لأنها الجهة المسؤولة عن المساجد سواء تراثية وقديمة أو حديثه وداخل المدن أو بالطرقات وخارجها، ولكن مع ذلك نحمد الله أن قيض لهذه القيمة من يهتم بها من باب أنها أحد المقومات السياحية التي تحمل عبق التاريخ لهذه البلاد، والمشروع دون شك كبير جداً ولا يخص الدرعية وحدها وإن كانت أرض الإنطلاقة للتأسيس وسيعم ذلك جميع مدن ومحافظات المملكة وفق الآلية والأهمية والأولوية التي تراها هيئة السياحة ويكفي هنا ارتفاع الحس الشعبي بالتراث بكل تفاصيله وزيادة الوعي حول أهمية الأمس التي أوجدت اليوم وهي الانطلاقة إلى الغد المشرق، كما أن مشاركة الأهالي في المحافظة على الإرث أصبحت من الواجب لأن التاريخ مشترك مثلما هو الحاضر والمستقبل والوطن بكل أزمنته أرض وحضن للجميع، وشواهد عناية المواطنين بالتراث على مختلف مستويات أصبحت واضحة للعيان وتجدها في كل مدينة وقرية بل إن درجة التنافس في المحافظة عليها أصبحت على أشدها وساهم الإعلام بصورة مثالية في تغذية هذا التنافس باحترافية.
ولكن كيف سنرى سمو الأمير سلطان بن سلمان حينما تحركه وطنيته وقبلها إيمانه بالواجب الذي على الجميع دون تحديد في العناية بمساجد الطرق وكيف أن وضعها البعيد في السوء قد أبرز صورة عنا لا تسر أي وطني يحب هذا الوطن ويعيش على أرضه يتوسد رماله وتكسوه سماؤه عندما علم عن إنشاء مؤسسة خيرية للعناية بمساجد الطرق وبادر بدعوتهم لدفع العطاء وتلمس سبل المساعدة، وقال عند لقائه ببعض أعضاء مجلس إدارتها أنتم نعمة من الله ستساعدوننا في تغيير الصورة التي لا ترضي ولاة الامر ولا المواطنين ولا الزائرين، وبادر كذلك بدعوة وكيل وزارة الشئون البلدية والقروية ليكون أحد أعضاء هذا الهم وربما أنه علم عن عدم رغبة الوزارة المعنية بهذا الملف المتراكم الإساءة ولم يحرجهم بذلك، واستمع سموه ووكيل الوزارة وقيادات الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني إلى برامج المؤسسة الخيرية التي أطلقت والتي يجري التحضير لأطلاقها وكذلك البرامج المستقبلية وخطة التوسع لتبلغ مدن ومحافظات المملكة وإشادته ببرنامج شريك التميز وبرنامج مسجدي وبرنامج أصدقاء المساجد وكذلك برنامج طهرا وبرنامج عين اليقين التفاعلي والشراكات التي عقدت مع عدد من الجمعيات الخيرية والتقدير لكل الداعمين من المحسنين وقطاعات الأعمال.
إن من يتحرك لخدمة الوطن ويتجاوز المسؤوليات ليس من باب التسلط وحب السيطرة ولكن لشعوره بأن هذا واجب على الجميع ولا يجب ان يتأخر احد عنه بقدر استطاعته ولذا بادر بالاتصال بمعالي وزير الشئون البلدية والقروية وإحاطة بأهداف ورسالة المؤسسة الخيرية وأوصاه بهم وضرورة توقيع اتفاقية ليكون ضابط الجودة في مساجد محطات الطرق والزام المستثمرين والبلديات بذلك في كل جديد أو مجدد من رخص التشغيل كي تتغير الصورة تدريجياً، كما أن هناك شراكة ثلاثية مثالية يدعو لها سمو رئيس الهيئة بين وزارة البلديات وهيئة السياحة والمؤسسة الخيرية ليتحقق ما يرجوه المواطن والزائر ولكي يكون المسجد بالصورة التي تجعل الطريق سهلاً وميسراً على المسافرين طالما أنهم سيجدون الراحة والروحانية عند توقفهم، هذا مع إشادته وإشادة مجلس إدارة المؤسسة على التعاون المثمر الذي وجد من قبل الأمانات والبلديات في فترة التأسيس، مع الثناء على وزارتي العمل والمياه التي ساعدت المؤسسة في الموافقة على إصدار تأشيرات خاصة بمساجد الطرق وكذلك إصدار رخصة حفر آبار لتلك المساجد فور موافقة المؤسسة الخيرية للمستثمر, وكذلك صندوق الموارد البشرية لدعمه برنامج التوظيف العائلي لصيانة وتشغيل المساجد التي تشرف عليها المؤسسة.
ولعله يتضح من خلال ما ذكر كيف للمبادرات الخيرية من إثر إيجابي إذا وجدت من يتباها ويدعمها ويجعل نفسه جزءاً من الهم الوطني ويشعر بمسؤوليته الواجبة ولا يتأخر عن أدائها حتى وإن لم تكن مسؤوليته المباشرة ولكن يستطيع أن يقدم فيها ما يستطيع من الشفاعة والدعم والمساندة وإيصال الصوت ولذا فإن هذا يقع موقع الواجب الذي في التأخير عنه ضرر بغيرة وهي درجة من الإيجابية نتطلع أن تكون ثقافة لكل المسؤولين، فهكذا يوجه ولاة الأمر -حفظهم الله- وقبلهم ديننا الحنيف وهدي رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه، الذي قال إن خير الناس أنفعهم للناس، ولو كان سموه سيترك هذا الهم لأنه ليس من مسؤولياته لاستمر الحال كما هو عليه واستمرت صورة مهبط الوحي وأرض الرسالة مثلما هي من السوء.. ولذا دعا سموه لإطلاق برامج تثقيفية لعناية بالمساجد وإيجاد توأمة أو صداقة بين المسجد ومستخدميه من المواطنين أو المقيمين وإبراز الأجر الذي يحصل لمن يعتني بالمسجد من الله عز وجل وضرورة أن يتركه لغيره مثلما تحب أن يترك غيره له، ولم يكتف سموه بل كلف مساعده لشئون المناطق بالتعاون مع المؤسسة وفروعها على مستوى المملكة واستعداده لتقديم أيّ دعم تحتاجه مساجد الطرق مع تفعيل الشركات مع رجال الأعمال والقطاعات الاقتصادية.
ختاماً.. نقدر أن كل الأفئدة معلقة بالمساجد والكل يتمنى أن يراها في أبهى صورة وأطيب حلة إلا أننا نتفق أن حال مساجد الطرق مؤذ لسمعة الوطن وكذلك للمواطنين والزائرين، ولابد من وجود نظام يكفل دوام ألقها واستمرار نظافتها وهذا يقع في المرتبة الأولى على المستثمر الذي رغب في الدنيا وترك الآخرة وأمن العقوبة وأساء الأدب مع الله ومع الوطن ومع المستخدم لمرافق المسجد وكذلك للمصلين فيه وبدلاً من أجر يكسبه حمل نفسه وز يحسبه، بالإضافة إلى ضرورة إصدار عقوبات لا يملك غير وزارة الشئون البلدية والقروية الصلاحية في ذلك لأن الله ينزع بالسلطان ما لا ينزع بالقرآن، ثم إن وزارة الشئون الإسلامية مطالبة بما هو داخل النطاق العمراني حتى وإن كان على الطريق ليجد المسافر حاجته عند قربة من المحافظات والمراكز خاصة وإن مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتأهيل وتهيئة المساجد يخدم هذا الغرض.. ثم أخيراً الدور المقدر الذي تقدمه قطاعات الأعمال التي تؤمن بثقافة المسؤولية الاجتماعية فليس أنسب من ترجمة رسالتها في شأن المسجد والمحافظة عليه وضمان استدامة العناية به لنجد في يوم من الأيام التي لن تكون بعيدة وجهاً مضيئاً لمساجد طرقنا ومرفقاتها، وهو ما يرى الجميع أنه واجب مشترك يمكن القيام فيه بمثالية صادقة.
- فهد بن أحمد الصالح