عدن - بشير عبدالله:
منذ أن سيطرت ميليشيات الحوثي الانقلابية على عدن مطلع فبراير الفائت، بدأت حربها ضد كل شيء في مدينة هي من أقدم مدن الجزيرة العربية. حيث عمدت المليشيا إلى جانب قتلها لمئات الأبرياء، إلى تدمير البنية التحتية بما في ذلك المؤسسات الثقافية والتعليمية والمعالم التأريخية والأثرية.
وعبث المليشيات بكل صنوف الحياة المدينة الساحرة حتى تم دحرها مهزومة من قبل المقاومة الشعبية المدعومة من قوات التحالف العربي بقيادة السعودية. حيث عمدت الجماعة المهزومة أن تجعل من البنية التحتية والمساجد والمدارس والمستشفيات فضلا عن المواقع التاريخية والأثرية والثقافية أهداف لنيرانها في محاولة منها لتدميرها وطمس الهوية الثقافية والتاريخية لهذه المدينة والقضاء على رصيدها الحضاري العريق في عمل إجرامي ينم عن حقد دفين تجاه عدن وأهلها الذين رفعوا شعار الرفض للانقلاب الحوثي منذ اللحظة الأولى لدخول مليشياتها العاصمة صنعاء في نهاية شهر سبتمبر من العام الماضي 2014 م.
وفي تقرير مصور تحاول «الجزيرة» إيضاح جوانب من العمل الإجرامي الذي خلفته المليشيات الحوثية وقوات صالح في عدن، من خلال عرض مناقشة بعض جوانب تلك الجرائم مع المختصين الذين أكدوا أن مرتكبيها يجب أن يلاحقوا محلياً وعربياً ودولياُ.
جريمة عظمى
يصف الباحث في شؤون علم الآثار والمواقع التاريخية الدكتور شاكر أحمد تدمير الحوثيون للبنى التحتية، والاستهداف المنظم للآثار والمعالم الحضارية والتاريخية في اليمن عموما وعدن خصوصا بـ»الجريمة العظمى التي ينبغي عدم السكوت عنها ويجب ملاحقة مرتكبيها عبر المحاكم الدولية».
وقال «تابعنا بألم بالغ، مئات الجرائم التي طالت بالقصف المدفعي وقذائف الهاون وصواريخ الكاتيوشا والاستهداف والتدمير المنظم لخارطة الآثار والمواقع التاريخية والمعالم الثقافية والدينية التي تزخر بها مدينة عدن وغيرها من المدن اليمنية».
وأعلن عدد من المهتمين بالموروث الثقافي والحضاري في اليمن استنكارهم الشديد لجرائم الحوثي التي طالت البنى التحتية الثقافية، وأوضحوا في بيان صحافي - حصلت «الجزيرة» على نسخة منه - أن هذه الأعمال الإجرامية بحق التراث سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة تعد خرقا للاتفاقيات الدولية وتحديا للنداءات العالمية والتي كان آخرها النداء العالمي لمنظمة اليونسكو بتجنيب مواقع التراث أي استهداف عسكري مباشر أو غير مباشر.
وطبقاً لمهتمين بالمورورث الثقافي والحضاري فـ»إن ارتكاب هذه الأعمال الإجرامية تنم عن مدى الحقد الدفين الذي تكنه جماعة الحوثي على تاريخ اليمن وتراثه وحضارته». مطالبين المنظمات الدولية المعنية بحماية التراث الإنساني التدخل وإدانة هذه الأعمال ووضع حد لها باعتبارها تستهدف تراثا إنسانيا وثقافة وهوية شعب.
اليونسكو تقلق
وعبرت المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا ، عن قلقها من تدمير آثار اليمن والإضرار بها. وقالت : أنا قلقه للغاية إزاء الأنباء المؤسفة القادمة من اليمن حول مواصلة تدمير والإضرار بتراثها الثقافي الفريد، وناشدت بوكوفا، في تصريحات صحافية بضرورة حماية التراث الثقافي الفريد من نوعه في اليمن وتجنب استهداف المواقع الأثرية ومعالم التراث الثقافي.
ودعت إلى إبعاد التراث الثقافي عن دائرة النزاع، الامتناع عن القيام بأي عمل عسكري من شأنه استخدام أو استهداف مواقع التراث الثقافي والآثار، وذلك احتراماً للمعاهدات الدولية، لاسيما اتفاقية لاهاي بشأن حماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح وبروتوكولاها (????) واتفاقية اليونسكو بشأن التراث العالمي????.
توثيق وصور
في سياق متصل، رصدت مؤسسة «عدن أجين» الثقافية تقريراً موثقاً بالصور الأضرار التي تعرضت لها المؤسسات الثقافية والمعالم التأريخية في المدينة بسبب مليشيات الحوثي وصالح. وذكر تقرير أصدرته المنظمة مؤخراً أن هناك العشرات من المعالم والمؤسسات الثقافية والتأريخية كانت ضحية للصراع الذي شهدته مؤخراً مدينة عدن، محملة الجماعات المتصارعة مسؤولية الأضرار التي لحقت بالمؤسسات الفنية والثقافية وداعية إلى ضرورة حفظ معالم المدينة التي عرفت بأنها مدينة السلام والتعايش.
المتحف الحربي
وأكد التقرير أن مبنى المتحف الحربي في كريتر هو أول المباني الأثرية التي طالتها آلة الدمار الحوثية، إذ أصابته قذائف مطلع إبريل الفائت، وتسببت بفتحة في إحدى أقواس الدور الأرضي، وبعد الاشتباكات التي انتهت باقتحام الحوثيين لمدينة كريتر مطلع شهر مايو، تضرر المتحف أكثر فتخرمت جدرانه، وحطمت بوابته الكبيرة تماما، وتهدمت جهته الغربية وأصبح معرضا للسرقة.
وأشار التقرير إلى أن معظم مقتنيات المتحف الحربي التي معظمها ثمينة وهامة، قد نهبت، حيث قامت مليشيا الحوثي وصالح بسرقة بعض القطع الأثرية الهامة والنفيسة فترة استيلائهم على كريتر واتخاذهم المتحف كثكنة عسكرية.
المكتبة الوطنية
وذكر التقرير أن مكتبة باذيب أوما يعرف بالمكتبة الوطنية والتي بنيت في مطلع الثمانينات في مدينة كريتر التاريخية التي تحوي أرشيف عدن الثقافي وعدة وثائق هامة ونسخ قديمة جدا من أقدم الصحف العدنية التي كانت تنشر في أوج عهد عدن الثقافي مطلع القرن الماضي، قد تعرضت للتدمير وطالتها يد العبث. وتهشمت واجهتها الزجاجية بالكامل، وتسببت قذيفتين أطلقتهما مليشيا الحوثي وصالح بفجوتين كبيرتين بمبنى المكتبة بسببها تعرضت المكتبة لسرقات متعددة.
وأشار التقرير إلى أن من المواقع الأثرية التى تعرضت للهدم بفعل مليشيات الحوثي وصالح مسجد الخوجة والذي يعد من المساجد الأثرية وذات الطراز المميز في مدينة عدن، وقد بني في بداية القرن العشرين, وقد اتخذته مليشيا الحوثي وصالح ثكنة وتمركزت فيه، غير أبهة بقيمته الأثرية مما تسبب في تعرضه للقصف والتدمير، لمعظم أجزائه، ولم يتبقى منه سوى القبتين الجميلتين.
كنائس عدن
ونوه تقرير «عدن أجين « إلى الأضرار التي تعرضت لها عدد من الكنائس في عدن منها كنيسة سانت جوزيف في منطقة البادري بكريتر التي أصابها العبث والتدمير لمحتوياتها من قبل مليشيا الحوثي وصالح , حيث قاموا بكتابة شعاراتهم وصرختهم بجدران الكنيسة, كما أقدمت ميليشيات الحوثي وصالح في إلحاق أضرار بالغة في عدد من الكنائس الأخرى في مدينة عدن مثل، كنيسة سانت جوزيف بكريتر, وكنيسة شيلدن بحافون .
رصيف السياح
ولفت التقرير إلى أن رصيف ويلز والمشهور برصيف السياح والذي بني بنفس طراز بوابة ميناء بومباي, عام 1905م ويعتبر بوابة الميناء السياحية, وأحد المعالم الجميلة التي تتميز بها مدينة التواهي, حيث تمركزت فيه ميليشيات الحوثي وصالح عند دخولها مدينة التواهي مما تسبب في تعرضه للقصف, وتدميره بشكل كلي ولم يتبق منه سوى الواجهة الأمامية.
معبد الهندوس
وتطرق التقرير إلى الخراب والدمار الذي لحق بمعبد الهندوس بعدن والذي يقع في منطقة الخساف الجبلية, و بني قبل أكثر من مائة عام، ليؤدي فيه الهندوس طقوسهم وشعائرهم الدينية، نتيجة لحالة الفوضى التي عمت أرجاء عدن عند احتلال مليشيا الحوثي وصالح مدينة عدن.
وأشار التقرير إلى الخراب والتدمير الذي طال عدد من منازل مدينة كريتر العتيقة العريقة العبقة برائحة التاريخ والقدم , والمتميزة بطرازها المعماري القديم الذي يميزها عن باقي مدن الجنوب والمنطقة, حيث تكسرت مئات النوافذ القديمة, وتهدمت بعض المنازل الشمسانية.
ولم يغفل التقرير عن مدى تأثر ثقافة المجتمع العدني بفعل هذه الحرب ، حيث أشار إلى أن من أهم المظاهر التي أثرت على ثقافة المدينة تعطيل المسيرة التعليمية، انتشار ظاهرة حمل السلاح، انتشار أناشيد وزوامل تتبع لثقافة متطرفة لم تعهدها ثقافة المدينة مسبقا.