الصالح: المجلس البلدي.. دفع للعطاء لا تصيد للأخطاء ">
السلام عليك وعلى القراء الكرام ورحمة الله وبركاته
اطلعت في العدد الذي صدر يوم الأحد الموافق 19 / 1 / 1437 للهجرة الشريفة المباركة - على صاحبها أفضل الصلاة والسلام - في العدد رقم 15739 من السنة الـ 55 لجزيرتنا الغالية على تصريح للمتحدث الرسمي للانتخابات البلدية المهندس/ جديع القحطاني، أوضح فيه العديد من المهام والمسؤوليات المناطة بالمجلس، منها مقابلة المواطنين، وتلمُّس احتياجاتهم، والرفع بها للجهات المختصة، ومتابعة تنفيذها، وإيصال صوت المواطن بكامل احتياجاته؛ ليكون المجلس حلقة الوصل بينه وبين الجهات المعنية، ثم تطرق إلى الصلاحيات المتعددة للمجلس التي أعطت مساحة واسعة للإنجاز لرسم بصمة مميزة للدورة الثالثة التي أتت بتحسينات متنوعة بعد التجربتين السابقتين.
ويسرني أن أشيد بهذه التحسينات. ولأننا نحن المواطنين متفائلون، نسعى إلى أن يكون القادم أفضل من الماضي، ونستفيد من التجارب التي مرت بنا، ونأخذ منها دروساً وعبراً؛ لكي نضع للأجيال أرضية صلبة، يتكئون عليها، وحتى نقف على حقيقة واقعنا فإنه لا يخفى على الجميع أن في مجتمعنا السعودي عامة تواجه الكثير من الخطط والبرامج أو حتى المبادرات تعاقبات من التعثر، ليس لأنها لم تكن مدروسة أو غير ذات قيمة وفاعلية، ولكن لأن الاختلاف في وجهات النظر قاد إلى ذلك الأمر؛ وهذا ما يجعل أعضاء الفريق لا يتعاونون في دفعها للأمام، وربما أن بعضهم يتصيدون الخطأ غير المقصود عند وقوعه، وينظرون في تلك الخطط والبرامج للجزء الذي لم يتحقق، في حين أن الكثير من الإيجابيات قد تحققت، وحتى وإن كانت هي الأغلب. ويدفع بذلك أن الإنسان ينظر إلى كل أمر بنظرة شخصية، ويرى أن غيره على خطأ وهو على صواب، ولا يقر في بعض التجمعات مبدأ أن النقاش أو حتى الاختلاف لا يفسد للود قضية، وهذا يعظّم المشكلة أكبر، ويجعل الخطط والبرامج والفعاليات تراوح في مكانها، والكثير من الإنفاق لا يأتي بأي منفعة؛ لأن خدمة العامة لم تكن مقدَّمة؛ وبالتالي إنكار الذات لم يكن في الغالب موجوداً، وغُلّبت بذلك «الأنا» التي لا تأتي في شيء إلا وتعطله؛ لأنها تخلق الصراعات، وتعزز الاختلافات؛ وبالتالي بدلاً من دفع العمل والإنجاز إلى الأمام تنشغل تلك الأجهزة والمنظمات بالتبرير أو إيضاح الصورة، وربما تأخذ وقتاً طويلاً في دفع التهم، وتتعطل لغة التنفيذ، ولا ينعم المواطن بما سعت الدولة لتوفيره من خدمات أو مشاريع، قُصد بها رفاهيته.
هذا المدخل يقودنا إلى قراءة المشهد القادم للمجالس البلدية التي أقرت سياستها الدولة، ووصلنا للكثير من التعديلات على النظام الخاص بها حتى صدرت النسخة الثالثة، وتم زيادة أعداد المنتخبين، وإدخال شقائق الرجال؛ كي يجتمعوا للمشاركة في اتخاذ القرار البلدي الذي يخدم المواطن، ويجعله ينعم بما خُصص له، ولكن لا ينكر الجميع أن بعض الأعضاء المنتخبين يأتي ودرجة الاحتقان لديه عالية جداً على الخدمات البلدية؛ لأنه قد يشكو من جزء بسيط في الخدمات البلدية، هو أو مَن انتخبه، وهذا التقصير يعتبره أهم ما يقدم من الأمانات أو البلديات، وتصوّر له نفسه أنه صاحب التجديد حتى وإن كان له أجندة خاصة يحملها عن نفسه، أو ربما عن قبيلته التي تكتلت واجتمعت على انتخابه؛ كي يمثلهم من ناحية، ومن ناحية أخرى يتابع ما يخصهم في الخدمات البلدية. ولا ننفي كذلك وجود هذه الإقليمية التي أعاقت بعض المجالس البلدية في بعض المحافظات والمراكز. كما أن تصوير الأمانات أو البلديات بصورة غير حقيقية في تفعيل المجلس البلدي يزيد من درجة الاحتقان، ويجعل المرشح يسعى إلى الدفاع عن أمر أو تصحيحه وهو لم يقف عليه، وإنما هي تغذية أخدها بالنقل عن غيره، ولم يقف بعد بنفسه على هذه الحقيقة؛ لأن المشاهد مخالف، لم ينقل في أغلب الأمانات والبلديات.
إن النسخة الثالثة من نظام المجالس البلدية تحتاج لنجاحها للمزيد من النضج؛ لأن فيها تجديداً حقيقياً، وأهم ما فيه دخول المرأة للمجلس. والمرأة بطبيعتها دقيقة الملاحظة، وتعتز بوجهة نظرها، وتدافع عنها، بل تستميت في الإقناع بها. والرجل لا نقول «مطواع»، ولكن يقر الطرح النسائي، ويدفع بتحقيقه، وهذا قد يكون على حساب احتياجات أخرى، ربما تفوق ذلك في الأهمية. ومن ناحية أخرى، فإن عدد الناخبين ممن تقل أعمارهم عن 21 سنة قد تجاوزوا 213000 مواطن، وهم قد أتوا إلى المجالس البلدية بشيء من الحماس، حتى وإن كانت تنقصهم الخبرة في الخدمات البلدية واحتياجات المواطنين، وستتركز مطالباتهم بما يحتاج إليه الشباب، وهذا بكل تأكيد سيجعل هناك شداً وجذباً، نتمنى أن لا يعيق جهود الأمانات والبلديات؛ وبالتالي نأمل بأن لا يكون على حسابات المتطلبات والاحتياجات الأخرى، مع العمل على رفع درجة الإنجاز فيما يخدم المدينة والمحافظة والمركز بصورة عامة، ويؤكد أن التعديلات التي أتت على هذه النسخة من همنا البلدي صحيحة، وفي محلها، مع دفع عجلة التنمية، والبُعد عن شخصنة الخدمات والاتجاهات، وحفظ الأولويات؛ لأن التنمية للوطن وليس لغيره، ولرفاهية المواطن وليس لغيره، دون الاهتمام بالجنس أو العمر، ودون - كذلك - تداخل الأولويات، أو عدم الاهتمام بترتيبها في التنفيذ.
ختاماً، إن تجربة المجالس البلدية والانتخاب، وإن كانت جديدة علينا، فإنها قد آتت بثمارها، وجعلت المواطن يشارك في صنع العديد من القرارات، ولا ينبغي أن يعاق هذا التوجُّه، ولا أن يشجَّع فيه على التحزب، أو يدفع به فقط إلى إبراز صوت المعارضة أو الرفض لمجرد الرفض، كما لا يجب أن تصور الأمانات والبلديات أنها الخصم والحكم حتى وإن شاركت أو رأست اجتماع المجالس البلدية، ويجب أن تؤخذ الأمور بالرفق؛ فرسولنا الكريم - صلوات الله وسلامه عليه - يقول: «الرفق ما أتى في شيء إلا زانه، ولا نُزع من شيء إلا شانه». وضرورة الرقي بالحوار بين جميع الأطراف؛ لأن الهدف المشترك تحقيق المصالحة العامة. وبأيدي المجالس أن تنجح التجربة، ولا قدر الله أن تفشلها. والثقة بهم بعد الله موجودة.
فهد بن أحمد الصالح - مستشار خدمة المجتمع - الأمين العام للجنة أصدقاء المرضى - الغرفة التجارية الصناعية بمنطقة الرياض