مسألة موقف ">
بخطوات مسرعة, مشتت الذهن, صوت مديره يعلو تارة ويخبو تارة أخرى, أين أنت؟ أين كنت؟ ملابسه التصقت به جراء الرطوبة الشديدة التي هبت أنفاسها منذ عشرة أيام وأبت أن تموت.
خرج من المبنى بعد أن استلم شيكاً بتعويضات مالية عن حادث سببه سائق اخرق بعد عذاب استمر لأيام لإصلاح سيارته والتذلل لأصدقائه باستخدام سيارتهم لقضاء حوائجه, ففي بلادنا تصاب بالشلل الكامل دون سيارة. يذكر جيداً أنه صاح غاضباً به في حينها، فرد السائق دون اكتراث وثقته كالجبل: لدي تأمين!!
لا يلوي على شيء, الساعة التاسعة والنصف والطريق يحتاج ساعة أخرى ليصل مكتبه بينما قد وعد رئيسه أنه سيكون على مكتبه الساعة التاسعة بالضبط. لا يوجد موقف خالً, كلها اكتظت بالسيارات حتى المواقف اليتيمة المخصصة لذوي الإعاقة امتلأت. يذكر جيدا أن شخصا جسّد الصحة ترجل منها دون اهتمام بأنها خصصت لذوي الاحتياجات الخاصة وليست له.
أخذ يمشي مسرعاً ويمسح عرق جبينه بـ»شماغه» الأحمر كل حين حتى وصل إلى الموقف وهنا صاح فزعاً:
يا للهول!.. سيارة خضراء وقفت بطريقة مخالفة بشكل أحالت خروجه من الموقف من المستحيلات! يعلم أن جهاز التكييف بسيارته معطل جراء الحادث فأمواله لم تكف لإصلاحه, كان يعول على شيك التعويض ليصلحه. ماذا يفعل! تلفت محتاراً عله يجد سائقاً يمشي دون جدوى. تذكر صراخ مديره فذهب إلى المكاتب المحيطة بالموقف ويتوسل: سيارة خضراء, ارجوا من السائق أن يبعدها لكي اذهب لعملي! فترد عليه وجوه نافية. من مكتب إلى شركة، إلى معرض, يستجدي السائقين بكل اللغات، فلا يواجه إلا بالنفي والصمت عدا رجلاً أشقراً رد بفخر: في أمريكا يستحيل أن نفعل هذا!
عاد منهكاً إلى سيارته المريضة, تمنى من كل قلبه أن يشاهد السيارة الخضراء قد تحركت من مكانها, لكن خاب ظنه فالسيارة مكانها. بعد ساعة تحركت سيارة من جانبه وبصعوبة استطاع الفكاك من المأزق, اتجه إلى الطريق ليعود لعمله لكن لمعت في رأسه فكرة شيطانية. عاد إلى الموقف وتوقف أمام السيارة التي سببت له العناء ثم اخرج مدية يحتفظ بها, تلفت ليتأكد من خلو الشهود ثم مزق الإطارات بكل سعادة وأزهق أنفاسها. عاد إلى سيارته منتشياً فرحاً، وتحرك قليلاً يراقب الموقف من بعد حتى يرى السائق ويستلذ بمنظره.
لاح له رجلاً في العقد الخامس من عمره, يتكأ على عكاز أحمر الوجه, يمشي بصعوبة. أمعن النظر فإذا به رجلاً بقدم واحدة ينظر بحسرة إلى الموقف المخصص له, يحوقل ويردد بصوت عال وهو يتجه للسيارة الخضراء: الله على الظالم..
- علي محمد الماجد