أصبح ملتقى التراث العمراني السنوي، والذي يشهد هذا العام دورته الخامسة، مناسبة سنوية هامة للاحتفاء بالتراث العمراني وحشد الوعي به، وإطلاق المبادرات والمشاريع المتعلقة به، ومناقشة قضايا التراث من خلال المسئولين والمتخصصين.
ومن خلال حرص اللجنة الإشرافية للملتقى - الذي يقام كل عام في منطقة من مناطق المملكة - على أن تكون الجهات الحكومية والجامعات والمجتمع المحلي هي المنظم الرئيس، فقد أصبح الملتقى يكتسب زخماً شعبياً واهتماماً اجتماعياً في المنطقة التي يقام بها من خلال المشاركة الواسعة في فعاليات ومعارض الملتقى الذي يشهد عادة عدداً كبيراً من الفعاليات والأنشطة وافتتاح مشاريع تراثية.
إقامة الملتقى سنوياً في إحدى المناطق
وتأتي إقامة هذا الملتقى في إطار تفعيل توصيات المؤتمر الدولي الأول للتراث العمراني في الدول الإسلامية الذي نظمته الهيئة بالشراكة مع عدد من الجهات خلال الفترة من 9 إلى 14-6-1431هـ. ويعقد ملتقى التراث العمراني الوطني سنوياً في إحدى مناطق المملكة بالتعاون مع الإمارات والأمانات والجامعات المحلية. وقد أُقيم في دورته الأولى بمنطقة مكة المكرمة برعاية صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة رئيس مجلس التنمية السياحية بالمنطقة، وأُقيمت الدورة الثانية في المنطقة الشرقية برعاية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد أمير المنطقة الشرقية رئيس مجلس التنمية السياحية بالمنطقة (سابقاً)، وأُقيمت الدورة الثالثة في منطقة المدينة المنورة تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان أمير منطقة المدينة المنورة رئيس مجلس التنمية السياحية بالمنطقة، فيما أُقيمت الدورة الرابعة في منطقة عسير برعاية صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد أمير منطقة عسير رئيس مجلس التنمية السياحية بالمنطقة. وسيقام هذا العام بمنطقة القصيم برعاية صاحب السمو الملكي الأمير د. فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز أمير منطقة القصيم رئيس مجلس التنمية السياحية بالمنطقة خلال الفترة من 18 إلى 21-2-1437هـ الموافق من 30-11 إلى 3-12-2015م.
مناسبة سنوية لربط المواطنين بتاريخهم
وقد أكد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني حرص الهيئة وشركائها على أن يكون ملتقى التراث العمراني مناسبة سنوية لربط المواطنين بتاريخهم وقصص المكان الذي خرج منه آباؤهم وأجدادهم الذين ساهموا في وضع اللبنات الأولى لهذا الوطن. وقال سموه في كلمته عن الملتقى: «منذ الملتقى الأول الذي عقد في مدينة الرياض حول التراث العمراني في الدول الإسلامية في (مايو 2010م) برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، رحمه الله، وأنا أفكر في آلية تجعل الاهتمام بالتراث العمراني مستمراً، لذلك عقدت العزم على تحويل ذلك الحدث الكبير إلى حدث وطني يمكننا من مراجعة التراث العمراني في كل عام ويجعل المواطنين على صلة دائمة بتاريخهم وقصص المكان الذي خرج منه آباؤهم وأجدادهم الذين ساهموا في وضع اللبنات الأولى لهذا الوطن.
وأضاف سموه: لم يكن همي «الاحتفال» بقدر «الاتصال» و»التواصل» لذلك وضعت في اعتباري منذ البداية أن يكون هذا الحدث فرصة للتطوير والمراجعة، وأن يكون كل ملتقى مثل علامة على الطريق تبين المسافة التي قطعناها والمسافة المتبقية لنا. كنت أفكر في ملتقى يعمل كمنصة للتواصل مع كل فئات المجتمع من أجل إيصال ثقافة التراث وتأكيدها بين أفراد المجتمع، بالنسبة لي لم يكن الملتقى مؤتمراً علمياً وإن كان يحتوي على هذا الجانب العلمي والبحثي المهم، فالمؤتمرات كثيرة، كما أن الملتقى ليس مجرد فعاليات، بل هو وعاء «اتصالي» متكامل يهدف بالدرجة الأولى إلى الوصول إلى كل فئات المجتمع من أجل إيصال التراث لقلوب الناس جميعاً.
وتابع سموه في كلمته في موقع الملتقى: «يجب أن أقول هنا إن الهدف هنا أكبر من مجرد عقد ملتقى نحتفل فيه بالتراث العمراني، فقد كنا نسعى إلى إحداث حراك اجتماعي وثقافي مستمر ومرتبط بقضية التراث ويكون الملتقى فرصة «التلاقي» والحوار وعرض الإنجازات التي تمت طوال العام.. فالأيام القليلة التي يعقد فيها الملتقى كما أراها هي استعراض لما تم إنجازه في عام منصرم وتخطيط لعام قادم. فنحن لا نريد أن تنطفئ الشعلة التي اشتعلت في قلوب وعقول الناس وهذا التجمع هو الموقد لها.. ومع ذلك يجب أن أقول إنه كانت لي أهداف متعددة من الملتقى، وإن كانت كلها تصب في مفهوم التواصل، فقد كنت أرى أن الملتقى قد يكون فرصة سانحة لبناء «حلفاء» لدعم المحافظة على التراث العمراني، وهؤلاء الحلفاء يمكن أن يكونوا من الأهالي المالكين لمواقع التراث أو مؤسسات الدولة التي تتقاطع مهامها مع التراث العمراني أو حتى من رجال الأعمال والمثقفين أو ببساطة من عامة الناس.. قلت في نفسي إن نجاح أي برنامج لإعادة الحياة لمواقع التراث العمراني في المملكة بحاجة لمثل هذه التحالفات، فنحن نعاني من مشكلة أساسية وهي انقطاع الحياة في المواقع التاريخية وهذه المشكلة لا تحل بترميم المواقع ولكن عن طريق الاستثمار فيها من خلال القاعدة الاجتماعية وليس فقط من خلال تبني المشروعات الكبرى، بل يجب أن يكون هناك توازن بين تمكين المجتمع المحلي والاستثمارات الكبيرة حتى لا تنقطع الروابط العاطفية مع المكان وحتى تكون قصة المكان حاضرة في أذهان الناس الذين سيعيشون في هذه المواقع.
تفاعل لافت من المسئولين والمواطنين
من جانبه يؤكد الدكتور مشاري بن عبد الله النعيم المشرف العام على مركز التراث العمراني الوطني رئيس اللجنة المنظمة لملتقى التراث العمراني أن الملتقى يهدف بشكل أساس إلى ربط المجتمع بالتراث، وتعزيز الجهود الاقتصادية والثقافية والوطنية المتعلقة بالتراث العمراني، منوهاً بما حظي به الملتقى في دوراته السابقة من تفاعل لافت من المسئولين والمواطنين وما صاحبه من تأسيس وإطلاق مشاريع لترميم وتأهيل مواقع تراثية. ويقول: «نحتاج أكثر من أي وقت مضى أن نشكل بيئة اجتماعية تعي قيمة التراث العمراني بصفته الثقافية والتاريخية والاقتصادية، وتعمل على المحافظة عليه كونه قيمة تساهم في تشكيل المستقبل لا لأنه جزء من إرث الماضي فقط، هذه الصورة التي نريد تكريسها عن التراث العمراني تحتاج إلى قنوات للتواصل الاجتماعي تمكننا من الولوج في عقول وقلوب الناس ووضع تراث الوطن وتاريخه داخلها».
ويضيف النعيم: «إحدى هذه القنوات المهمة هي «ملتقى التراث العمراني الوطني» الذي يعقد دورته الخامسة هذه المرة في القصيم التي تحتضن عديداً من مواقع التراث العمراني المميزة. هذه المرة نقدم صورة مختلفة عن التراث بصفته «المادية» المحسوسة وغير المادية من خلال ربط فئات مجتمعية متعددة بالتراث العمراني، ومع ذلك يجب أن أؤكد أن الملتقي هو فرصة للتباحث والبحث العلمي لطرح التجارب الناجحة ومراجعة الإخفاقات من أجل تصحيحها.. البرنامج العلمي الحافل للملتقى يشارك فيه باحثون مرموقون من أنحاء متفرقة من العالم يطرحون التجارب ويقدمون خلاصة المعرفة بالمحافظة على التراث العمراني ويتداولون المستجدات التقنية في هذا المجال، كما يشارك في الملتقى شخصيات إدارية واجتماعية وطنية ساهمت وبادرت في المحافظة على التراث العمراني الوطني ووضعت أطراً وإجراءات من أجل تنميته وتطويره وتحويله إلى عنصر اقتصادي فعال من أجل إحداث تغيير على مستوى التنمية المحلية. إنني أذكر الجميع بما ذكره الأمير سلطان بن سلمان «المسألة ليست محافظة على التراث، بل هي محافظة على حكاية توحيد الوطن التي ترويها هذه الأمكنة التاريخية». الملتقى إذاً هو قناة إعلامية واجتماعية تحكي قصة الوحدة الوطنية من خلال برنامج علمي واجتماعي يعزز من البعد الاقتصادي الذي تحمله هذه المواقع التاريخية. كما أنه ملتقى «للمّ الشمل» فنحن نجتمع كل عام لنؤكد أن ما يربطنا أكثر بكثير مما يفرقنا، وأن تنوعنا الثقافي هو ضمن وحدة تاريخية وقيم مشتركة وتماسك جغرافي عميق لا يمكن فكه أو كسره».
فعاليات ومبادرات ومعارض تراثية
ويُعتبر الملتقى أحد الأنشطة التي تقدمها الهيئة بمساندة شركائها لتعزيز ارتباط المواطن بتراثه الوطني، وتكثيف البحوث والدراسات والنقاشات الهادفة إلى خدمة قضايا التراث ودعمها من خلال العديد من الفعاليات التي تتناول القضايا المتعلقة بالتراث الوطني في المملكة.
ويتضمن الملتقى عدداً كبيراً من الفعاليات والمعارض والأنشطة المتعلقة بالتراث العمراني، إضافة إلى الجلسات العلمية وورش العمل، كما يشهد الملتقى إطلاق عدد من المبادرات والمشاريع المرتبطة بالتراث العمراني، إضافة إلى معرض مصاحب يضم عدداً من الجهات الحكومية وشركات القطاع الخاص والجمعيات والمراكز المهتمة بالتراث العمراني. ويقام على هامش الملتقى سنوياً حفل إعلان وتسليم الفائزين بجائزة الأمير سلطان بن سلمان للتراث العمراني للطلاب والتي تمنح للمشروعات الجديدة للطلاب والمحترفين من المعماريين التي تعكس نجاحاً في استلهام التراث العمراني استلهاماً حقيقياً وفاعلاً، ولمشروعات إعادة تأهيل مناطق عمرانية، أو مبانٍ تراثية أو أثرية، أو مشروعات إعادة استخدامها بشكل يؤكد استمراريتها وفائدتها، كما أن التقديم للجائزة يكون من قِبل الطلاب والمتخصصين المحترفين والمؤسسات الخاصة والعامة، وذلك من أجل مشاركة أوسع وتفاعل أكبر، ودعم أفضل لدور الجائزة، ويتم الحصول على نموذج الترشيح لفروع الجائزة من خلال موقع التراث الإلكتروني. كما يلتقي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة في كل دورة من دورات الملتقى مع طلاب الجامعات في المناطق في حوار مفتوح عن التراث العمراني والقضايا المتعلقة به، ونظرة الشباب للتراث واقتراحاتهم لتعزيز الوعي بأهميته. وقد خصص موقع إلكتروني للملتقى على الرابط: http://www.nbhf.org.sa/NewsIndexAr.aspx
الدورة الخامسة بالقصيم
وتتواصل الاستعدادات حالياً لإقامة دورة هذا العام من الملتقى في منطقة القصيم برعاية صاحب السمو الملكي الأمير د. فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز أمير منطقة القصيم رئيس مجلس التنمية السياحية بالمنطقة خلال الفترة من 18 إلى 21-2-1437هـ الموافق من 30 إلى 11-3-12-2015م. وكان صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني قد رأس مؤخراً، اجتماع اللجنة التنظيمية للملتقى. وأكد سموه في كلمته في الاجتماع على أهمية إقامة هذا الملتقى في منطقة القصيم التي تميزت بإسهاماتها الرائدة في مجال التراث العمراني من خلال ما تزخر به من معالم ومشاريع للتراث العمراني ساهم فيها القطاع الحكومي والقطاع الخاص والمجتمعات المحلية. وأعرب سموه عن تقديره لسمو أمير منطقة القصيم على رعايته للملتقى ومتابعته للتحضيرات المتعلقة به، مثمّناً دعم ومشاركة الجهات الحكومية بالمنطقة المتمثّلة في الإمارة والأمانة والجامعة وبقية الجهات في هذا الحدث الهام الذي تشهده المملكة سنوياً، منوهاً سموه إلى أهمية ما سيطلق خلال الملتقى من مبادرات لدعم مشاريع التراث العمراني بالمنطقة. من جانبه أكد صاحب السمو الملكي الأمير د. فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز أمير منطقة القصيم رئيس مجلس التنمية السياحية بالمنطقة أن اختيار الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني لمنطقة القصيم لاحتضان الملتقى في نسخته الخامسة، يؤكد أهمية المنطقة وعمقها الحضاري وما تحتويه من تراث وطني نفخر به، مشيراً إلى أن الملتقى يُعد فرصة هامة لإبراز هذا المخزون التراثي الذي تسمو به القصيم مع بقية مناطق المملكة في وطننا الغالي.. وتشارك في الملتقى إضافة إلى الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني كل من إمارة القصيم، وجامعة القصيم، أمانة القصيم، إدارة التعليم بالقصيم، الغرفة التجارية الصناعية بالقصيم، مؤسسة التراث الخيرية..