كتب - زهران عون الله المطيري:
يعد الرثاء غرضا مهما من أغراض الشعر لما به من صدق العاطفة وتأججها حزنا على من افتقده الشاعر من الأقارب والأحبة، ولكن هناك من الشعراء من قاموا برثاء أنفسهم بقصائد تقطر ألما وحسرة وبكاء على النفس قبل الموت عند الإحساس بقربه، وربما من أشهرهم الشاعر مالك بن الريب، عندما قال:
أَيَا صَاحِبَيْ رَحْلِي دَنَا الْمَوْتُ فَانْزِلاَ
بِرَابِيَةٍ إِنِّي مُقِيمٌ لَيَالِيَا
وَقُومَا إِذَا مَا اسْتَلَّ رُوحِي فَهَيِّئَا
لِيَ السِّدْرَ وَالْأَكْفَانَ عِنْدَ فَنَائِيَا
وَخُطَّا بِأَطْرَافِ الأَسِنَّةِ مَضْجَعِي
وَرُدَّا عَلَى عَيْنَيَّ فَضْلَ رِدَائِيَا
ومن قصيدة قالها الأمير الشاعر سليمان التركي السديري عندما أحس بدنو أجله، يوصي فيها ابنه فيصل، نختار منها قوله:
أشوف دياني وقف لي على الباب
يبي الوفا مني ويطلب حسابه
ما ينّسي دينٍ تقفاه طلاب
الدين مايوفيه كثر الطلابة
يافيصل اودعك توديع من غاب
لا ترتجيه انه يجي من غيابه
غيبة دهر ماهي شهر عد وحساب
في مظلمٍ ينهال فوقي ترابه
ابيك لاتجزع وتفزع وترتاب
ان جاك من ينعي ويشلق ثيابه
عمر البكا مافاد حيٍ ولاثاب
لو سر غيرك كان سر الندابة
أما الشاعر الكبير مرشد سعد البذال فعندما كان في المستشفى وفي المنعطف الأخير من حياته أحس بدنو أجله وقال قصيدة طويلة منها:
ياحّول اشوف الحق جتني طروشه
جتني مطاليبه وانا منه منحاش
اليوم كن بداخل الصدر هوشة
مثل اختراش الريم في داخل الجاش
يالله عسى لطفك وعطفك نحوشه
ويالله بحسن الخاتمة عند الاقراش
دنياك لو تعطيك زين المعوشة
تالي سوالفها تعود على ماش
أما الشاعر المعروف حمد بن هادي المسردي القحطاني، المتوفى عام 1412هـ، فقد رثى نفسه بقصيدة طويلة عندما أحس بدنو أجله نذكر، منها قوله:
اشوف الموت حيٍ في شليلي
ولو نفسي بعد يقرع نسمها
انا مني دنا الموت المزيلي
تمركز فوق الانفاس وكتمها
وانا حالي ثوى وانهد حيلي
وانا حالي لحى اللاحي لحمها
أما الشاعر عقلا الجويعان العـنزي، عندما اشتد عليه المرض وأدرك أنه سوف يوافيه الأجل المحتوم، ولما زاره بعض جماعته للاطمئنان على صحته، وبعد سلامهم عليه، تناجوا فيما بينهم بأنه مريض وعليه علامات الموت، وقد سمع تناجيهم وما دار بينهم من كلام، فقال أبياتا يرثي نفسه بها ويذكرهم أن الموت حق، حيث يقول:
هذا وديع الروح نوخ مفاجي
وقالوا شفيت وقلت والله مريضي
جتني سبور الموت ماهي مناجي
هذا النذير والايفيد الفضيضي
لاجا مليك الموت مالي ملاجي
عقب الغلا غديت مثل البغيضي
وان قدموني يم شين المهاجي
يقدا علي الثوب ماهو عريضي
في ظلمةٍ مااسمع كثير اللجاجي
ولاعاد ينفع نوحهم والجضيضي
إلى أن قال فيها:
يالله حسن الخاتمة هي مزاجي
زابنك عن نارٍ ملكها غليضي
في ماقفٍ كل الخلايق حراجي
والناس كلٍ مع طريقه يفيضي
أما الشاعر نمر منور السحيمي -رحمه الله-، فقال هذه القصيدة بعد أن رأى في المنام أنه يموت وأن الروح تخرج منه وأنه يغسّل ويصلى عليه ويدفن ويسأل في قبره.. حيث يقول:
جاني وانا في وسط ربعي وناسي
جاني نشل روحي مثل باقي الناس
مني نشل روحٍ تشيل المأسي
تشكي من ايام الشقى تشكي الباس
اثر الالم في سكرة الموت قاسي
ماهالني مثله وانا انسان حساس
جابوا كفن ابيض مقاسه مقاسي
ولفوا به الجسم المحنط مع الراس
وشالوني اربع بالنعش ومتواسي
عليه ومغطى على جسمي الباس
وصلوا علي وكلهم في مأسي
ربعي ومعهم ناس من كل الاجناس
ياكيف سوى عقبنا تاج راسي
وامي الحبيبية ويش سوى بها الياس
اسمع صدى صوت يهز الرواسي
قولوا لها لاتلطم الخد ياناس
قولوا لها حق وتجرعت كاسي
لا تحترق كلٍ يبي يجرع الكاس
اصبحت في قبرٍ ولابه مواسي
واسمع قريع انعولهم يوم تنداس
من يوم قفوا حل موثق الباسي
وعلي رد الروح صوتٍ بالاجراس
هيكل غريب وقال ليه التناسي
صوته رهيب وخلفه اثنين حراس
وقف وقال ان كنت يانمر ناسي
هذي هي اعمالك تقدم بكراس
ومن هول ماشفته وقف شعرراسي
وانهارت اعصابي ولا ارد الانفاس
ياليتني فكرت قبل انغماسي
بالغفلة اللي منتهاها بالافلاس
فزيت من نومي على صوت ناسي
واصرخ واقول الموت واحذر الناس
ويقال إنه توفي بعد هذه القصيدة ببضعة أيام. رحمهم الله جميعا ورحم أموات المسلمين. وعلى المحبه نلتقي مع موضوع آخر، ولكم تحياتي.