استبيان يكشف ضرورة تعيين جهة دولية من أجل «اعتماد» فقهاء المصارف ومحاسبتهم ">
الجزيرة - الرياض:
أكَّد عاملون بصناعة المال، ضرورة النظر بجدية نحو قطاع الفُتيا في البنوك الإسلامية ومحاولة حوكمته وإصلاحهه. وبحسب الاستفتاء الذي قامت به مجلة «اسلاميك فاينانس نيوز» فقد اتفق 100 في المائة من الذين شاركوا في الاستفتاء على ضرورة وجود جهة دولية معتمدة تقدم شهادات تجمع بين التخصص الدقيق الذي يمزج بين فقه المعاملات والأمور المصرفية.
وحول «هوية» الجهة الدولية المعتمدة والموثوقة التي بإمكانها إصدار مثل تلك الشهادات والاعتمادات، اختلف المشاركون بين خيارين:
الأول يدور حول مشاركة البنوك المركزية والجهات التشريعية في ملكية تلك الجهة الدولية. الخيار الثاني لا يميل نحو إنشاء جهة دولية جديدة من الصفر.
وعليه فهم يقترحون الاعتماد على المؤسسات الدولية (في صناعة المال الإسلامية) التي تم تأسيسها منذ وقت طويل وبنت اسمًا لها في الصناعة. يعلق أكاديمي رفيع على تلك الاقتراحات بقوله: «لدينا البنية التحتية الدولية الخاصة بالمالية الإسلامية. فعلى سبيل المثال لدينا «هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية» (آيوفي).
ويتابع فإن برنامج «شهادة المراقب والمدقق الشرعي» (CSAA) الصادر من آيوفي يعد بمنزلة الخطوة الأولى للمؤهل المعتمد الذي نبحث عنه. ويطالب هذا الأكاديمي بتطويل تلك الشهادة بحيث يتم تقديم شهادات مماثلة لها لمستوى 2 و3.
يقول مدير تطوير المنتجات بأحد البنوك الماليزية: «يجب أن تكون تلك الشهادة معتمدة على النطاق العالمي بسبب أن الشريعة وتطبيقها هي بمنزلة رسالة عالمية».
وفي الإطار ذاته يقترح أحد العاملين بالشركات الاستشارية القيام بتوكيل بنك التنمية الإسلامي للقيام بمهمة هيكلة ذلك البرنامج المعتمد والمخصص لفقهاء المصارف وذلك من أجل الحصول على شهادات معتمدة تتواءم مع التخصص الدقيق الذي يجمع بين فقه المعاملات والأمور المصرفية.
ويعود سبب اختيار بنك التنمية الإسلامي للمكانة الدولية والسمعة الحسنة التي يتمتع بها البنك بين الدول الإسلامية وغير الإسلامية.
يقول أكاديمي آسيوي: «يجب على الفقهاء المصرفيين أن يكونوا مستقلين» ويتابع: «تعتبر الهيئة الشرعية الوطنية بإندونيسيا مستقلة عن البنك المركزي ووزارة المالية».
وبحسب الاستفتاء الذي قامت به مجلة «اسلاميك فاينانس نيوز» فإن هناك إجماعًا من المشاركين (89 في المائة منهم) بضرورة وجود جهة تنظيمية دولية يقوم فقهاء المصارف بالرجوع إليها وكذلك تتم محاسبتهم عن طريقها».
يشار إلى أن صعود الصناعة في السنوات الأخيرة، والرغبة في تطوير الخدمات المالية الإسلامية، كان من شأنه نشوء كميات ضخمة من العمل على فقهاء الطبقة الأولى. ويشير البعض إلى أن هذا الحِمل الكبير أدى إلى انحراف الصناعة عن مبادئها الأساسية.
يعلق مدسر صديقي، وهو فقيه مصرفي في حديث سابق له مع صحيفة الفاينانشل تايمز حول إجازة بعض الفقهاء منتجات مثيرة للجدل بقوله: «كان السبب في (إجازة بعض تلك المنتجات) هو أنه إما أن الفقهاء لم يحاطوا علمًا بكل الأمور المتعلقة بالمنتجات، أو لأنهم كانوا تحت الضغط من كثرة العمل. إن الفقيه إنسان عادي وليس سوبرمان. هناك حِمل ضخم من العمل هم مسؤولون عنه، لذلك يبذلون أقصى ما لديهم، ولكننا لا نستطيع أن نتجاهل حدود التحمل البشري وقدرة الإِنسان».
وسبق للزميل محمد الخنيفر المشرف على صفحة المصرفية الإسلامية بمؤسسة «الجزيرة»، وهو مراقب ومدقق شرعي معتمد من (AAOIFI)، أن أشار في مقابله سابقه مع مجلة إسلاميك فاينانس نيوز الماليزية إلى أن التشوهات في النظام الحالي (يقصد النظام المالي الإسلامي) أصبحت «واضحة لأولئك الذين يعملون بداخله» ومشددًا في نفس الوقت على أن هناك «حاجة ماسة لإصلاح الصناعة واستعادة مصداقية ما يمكن أن يطلق عليه «منتج إسلامي».
وتابع: «عندما نشاهد فقيهًا ذائع الصيت يقوم بإجازة الصكوك المقترحة لبنك جولدمان ساكس الأمريكي، ومن ثم يعلن نفس الفقيه في مجلس شرعي آخر أن هذه الصكوك محرمة، حينها تعرف أن هناك خطبًا ما في صناعتنا.. أن هذا لهو خير مثال على تضارب المصالح وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على سمعة الفقهاء.. مما يؤدي إلى تبعيات سلبية على الجهات التي ترغب بإصدار الصكوك».
ويقصد بتضارب المصالح عندما يجلس الفقيه المصرفي الواحد مع عدة هيئات شرعية، مما قد يؤدي إلى تسريب بعض المعلومات الخاصة بمنتجات أو حتى ظهور فتاوى متضاربة (على نفس القضية) من نفس الفقيه.
لكن يقول بعض المصرفيين: إنه على الرغم من العدد القليل من الفقهاء المؤهلين على نحو مناسب، وحتى العدد الأقل من ذلك من الفقهاء أصحاب «العلامة التجارية»، فإن اختلاف الفقهاء في الاجتهادات ما يزال يعيق تطور الصناعة.
يقول أوزجور تانريكولو، الرئيس السابق للتمويل الإسلامي لدى وكالة ماكينزي: «يعتمد مستقبل المصرفية الإسلامية على وجود أو عدم المعايير الموحدة المناسبة. سيكون هناك ابتكار طالما كانت المعايير الأساسية واضحة. لكن إذا كان لديك صناعة يتشكك الناس بصورة مستمرة في أساسياتها، فإن هذا سيعيق النمو.
من ناحيته قال محافظ مصرف البحرين المركزي رشيد المعراج، أن البنك يعكف على تأسيس هيئة شرعية مركزية تسهم في الإشراف على منتجات التمويل الإسلامي بالمملكة وستضع قواعد جديدة لتعزيز الحوكمة في القطاع.
وقال المعراج: «الحوكمة الرشيدة باتت موضوعًا منتشرًا في عصرنا هذا ولا يمكن التقليل من أهميتها للبنوك الإسلامية».
ويضم مصرف البحرين المركزي بالفعل هيئة شرعية لكن عملها يقتصر على فحص منتجات البنك. لكن تشكيل هيئة شرعية وطنية يتسع نطاق علمها إلى جميع أنحاء البلاد سيسهم في الحد من التناقض بين المنتجات وتسريع ابتكار منتجات جديدة وتعزيز ثقة المستثمرين.
وقال المعراج: «يجري تشكيل هيئة شرعية مركزية أيضًا لمساعدة القطاع على تحقيق التجانس في الخيارات المتوافقة مع الشريعة وتحديد اتجاه ابتكار المنتجات» لكنه لم يذكر إطارًا زمنيًا.