د. عبد الرحيم جاموس ">
لقد أتقن الأمريكيون بيع الوهم للعرب عموماً، وللفلسطينيين منهم خصوصاً، وكانوا يجدون دائماً مشترين جاهزين لهذه البضاعة الفاسدة في معظم الأوقات، وها هو وزير الخارجية الأمريكية بعد لقاءاته مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبوع الماضي في برلين، وصل إلى عمان والتقى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ثم الرئيس الفلسطيني أبو مازن، وبعد ذلك زار الرياض والتقى العاهل السعودي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز... مسوقاً ومروجاً لما جرى التفاهم عليه بينه وبين رئيس وزراء الكيان الصهيوني، لما بات يعرف (بتفاهمات الأقصى)، وادعاء نتنياهو بالتزام (إسرائيل) بالوضع القائم في الأقصى منذ الرابع من حزيران من العام 1967م، مؤكِّداً أن العبادة والصلاة في المسجد الأقصى المبارك، تقتصر على المسلمين فقط، وأن الزيارة فقط لغير المسلمين.. واحترام دور وزارة الأوقاف الأردنية المتفق عليه في الإشراف على الأقصى والمقدسات الإسلامية في القدس، كما طالب الأردن بوضع كاميرات مراقبة للتأكد من تنفيذ ذلك، وقد أعلن الأردن على لسان وزير خارجيته ناصر جودة أن الأردن يرحب بهذه المبادرة وينتظر التنفيذ، أما الرئيس الفلسطيني فقد عدّ ذلك غير كاف، وقد قدم عدة ملفات للسيد كيري تبيّن انتهاكات إسرائيل للاتفاقيات الموقعة معها من جهة، وسلسلة الاعتداءات التي يتعرض إليها الفلسطينيون يومياً على يد قوات الاحتلال ومستوطنيه من قتل واغتيال واعتقال وهدم للمنازل ومصادرة للأراضي وتوسيع للاستيطان ومن حواجز وحصار وسياسات عنصرية تهدد حياة الفلسطينيين الطبيعية، وتعمل على تغيير الأوضاع القائمة على الأرض سواء في القدس أو في بقية الأراضي الفلسطينية، بهدف تدمير كافة جهود السلام، وجعل الاحتلال والاستيطان واستمرارهما خياراً وحيداً أمام الفلسطينيين.. هذا ما ترفضه القيادة والشعب الفلسطيني بكل مكوناته، وكذلك جميع الدول العربية دون استثناء، وكل قوى العدل والإنصاف والديمقراطية في العالم، والذين انتصروا دائماً للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ودعموا وأيدوا حل الدولتين، وأدانوا استمرار الاستيطان والجدار وسياسات البطش التي يمارسها جيش الاحتلال ومستوطنيه، فمن هنا يتبيّن لنا أن هذا الوهم الذي قام بتسويقه نتنياهو لدى رئيس الدبلوماسية الأمريكية الوزير كيري، وقام الأخير بدوره بتسويقه للأردن ولفلسطين ولبقية العرب تحت عنوان تفاهمات الأقصى وإبقاءلوضع على ما هو عليه... ظناً من الكيان الصهيوني وحليفه الأمريكي أنه كافٍ لاستعادة ما يعرف بالهدوء، والمقصود هنا بـ(الهدوء) وقف واغتيال الهبة الفلسطينية وانتفاضة القدس، التي فجرتها سلسلة الإجراءات العدوانية والفاشية التي يمارسها الاحتلال سواء في القدس أو في بقية أنحاء الأراضي الفلسطينية.
لن ينطلي ذلك على الفلسطينيين قيادة وشعباً، مهما مورس عليهم من ضغوط دبلوماسية وتهديدات لوح بها الأمريكيون مثل تقليص المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية.. وغيرها من الضغوط المنتظرة من الجانب الإسرائيلي.. لأن المطلوب فلسطينياً من أجل استرداد الهدوء والأمن والسلام للجميع، هو بعبارة بسيطة (إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية) وما نتج عنه من استيطان وجدار وتغيير للمعالم الجغرافية والسكانية في القدس وبقية الأراضي الفلسطينية، وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين التي تعج بها السجون الإسرائيلية، والتمكين للشرعية الدولية أن تأخذ طريقها بفاعلية لإنهاء الصراع على أساسها من حق العودة وتقرير المصير، إلى التنفيذ الدقيق والأمين لمبدأ حل الدولتين الذي يرجع أساسه إلى القرار الأممي 181 لسنة 1947م، والذي نشأ بموجبه الكيان الصهيوني، وبقي الكيان الفلسطيني مغيباً، ولذلك لن تتوقف الانتفاضة الفلسطينية ولن يعود الهدوء جراء بيع الوهم أو ممارسة الضغوط، فهل تدرك الدبلوماسية الأمريكية ذلك، وتسعى جادة نحو فرض حل للصراع، بناء على هذه الأسس، أم ستستمر في بيع الوهم، وبالتالي سيستمر العنف..؟!! وستستمر انتفاضة الشباب الفلسطيني، الذي فقد الثقة بكل هذه السياسات، حتى يستعيد كرامته وحريته واستقلاله، والذي بات يعي جيداً أنه ما حك جلدك غير ظفرك..!!
- عضو المجلس الوطني الفلسطيني