د.أحمد بادويلان ">
عندما تريد أن تكتب عن قامة مثل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله لا بد أن تخونك المفردات والكلمات والمعاني لعلو مقامه وعظيم شأنه، ولكن سعة صدره وحبه لأصحاب القلم يحفزني لأكتب عنه بعفويتي وفطرتي، وأرجو أن أوفق في ايصال ما أريد قوله عن سلمان بن عبد العزيز عاشق الكتاب الأول بلا منازع، فالقريبون منه يعلمون هذا العشق والحب الكبير بين سلمان والكتاب والقراءة بشكل عام، فهو قارئ ليس عادياً، بل قارئ يدرك تماماً ما يقرأ ويناقش ما يقرأ ويتابع بنهم كبير ما فوق السطور وما خلفها.. ونظراً لقربي من مهنة الوراقين وعملي فيها فقد علمت أن كل جديد من الاصدارات يصله أولاً بأول، ويختار منه ما يقرأ بعناية ولا ينتظر أن تهدى إليه الكتب الجديدة، بل يكلف من يبحث عنها ويحضرها له حسب ما قيل لي.
ولي مع خادم الحرمين الشريفين موقف لن أنساه ما حييت وأعتز به كثيراً، فأنا رغم تقصيري فإنني أهديه بين حين وآخر ما يستجد من اصداراتي لأنني أتشرف وأسعد كثيراً باطلاعه عليها، ورغم أنني تأخرت كثيراً في الكتابة عن هذا الموقف إلا أن الزخم الثقافي الكبير الذي نعيشه هذه الأيام حفزني لكتابة هذا الموقف.. فقبل سنتين من الآن وحينما كان صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز رحمه الله يتلقى العلاج في امريكا وكان يرافقه مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان طوال فترة مرضه وحتى وفاته بِراً وحُباً في أخيه رحمه الله.. في تلك الفترة أهديت الملك المفدى آخر كتاب لي صدر في حينها، وهو كتاب (موسوعة كوني مثلهن) وليس المقام في الحديث عن الكتاب ومضمونه، وأرسلت الاهداء للإمارة حينما كان حفظه الله أميراً للرياض.
وبعد عدة أيام من ارسال الكتاب بلغني سكرتيري أن مندوباً من الإمارة جاء للمكتب وطلب عدداً من نسخ الكتاب ودفع قيمتها.. سألت: ومن طلب؟ قالوا: لا نعلم.
إلى هنا ونسيت الموضوع، ولم تمر إلا أيام قلائل، وفي إحدى ليالي رمضان جاءني اتصال من رقم لا أعرفه من أمريكا، وعندما أجبت قال لي محدثي: إن سمو الأمير يرغب في التحدث إليك ابق قريباً من الهاتف وسوف نتصل بك.
لا أخفيكم، أول مرة في حياتي يصلني اتصال من شخصية قيادية كبرى مثل قامة سلمان بن عبد العزيز, لم أذكر ابداً في ماذا يمكن أن يقول لي بل أصبت بحالة من الشرود قطعها رنين جوالي، وعندما رددت قال لي: تفضل سمو الأمير سيتحدث معك. أصابتني حالة من الارتباك وحالة من الفرح وحالة من الخوف، مجموعة مشاعر اختلطت مع بعضها وأنا لا أعلم ماذا سيقول لي سلمان وهل سيكون إلا خيراً، ولو كان سوى ذلك لوصل إلى قنوات أخرى.. فسلم علي وبارك لي بالشهر الفضيل وطمأنني على صحة سمو الأمير سلطان رحمه الله، ثم قال لي ما يثلج صدري ويشرح قلبي.. قال لي ان لم تخني الذاكرة وبما معناه: وصلني كتابك القيم (موسوعة كوني مثلهن). وأثنى على الكتاب وموضوعه ومضمونه، وقال لي بالحرف الواحد: قرأته كاملاً ولم أجد عليه إلا ملاحظة بسيطة لا تقلل من قيمة الكتاب وقد طلبت نسخاً من الكتاب وأهديته لقريباتي.
والله ان هذه الكلمات وقعت على قلبي برداً وسلاماً وفرحاً وسروراً لا يعلمه إلا الله، وكانت مكافأة عظيمة لي لم أنل مثلها من جميع مؤلفاتي التي تفوق المائة كتاب.
ما أسعدني، يكلمني سلمان بن عبد العزيز ويثني على كتابي! من مثلي اليوم؟!.. لقد عدت إلى بيتي والفرحة لا تكاد تسعني وجمعت أهلي ورويت لهم فحوى الاتصال، وكان الفرح ملء كل الوجوه وكانوا يقولون لي «من قدك اليوم».
واستطراداً لهذا الاتصال اود ان أذكر بعض النقاط:
- الملك حفظه الله صديق للكتاب والأدباء والمفكرين وجميع فئات المثقفين والاعلاميين بشكل عام والصحفيين بشكل خاص، وهو خير داعم ومشجع لهم وقريب جداً من همومهم ولواعجهم, يسأل عنهم ويتابعهم ويدعمهم معنوياً ومادياً، وأنا واحد ممن حظي بعظيم هذا الشرف.
- اهتمام سموه بالكتاب لا يبلغه كثيراً ممن هم بحجم مسئوليات ومشاغل أبي فهد.
- بكل صراحة كلما صدر لي كتاب اهديه لأكثر من 25 مسئولاً، ونادراً ما يصل خطاب شكر على الاهداء ما عدا الملك سلمان أول من يصلك خطابه شاكراً اهداءك وآخر مرة شرفني باتصاله الكريم.
وحبذا لو يتخذ المسئولون الملك قدوة لهم فلو يعلمون اثر الشكر على الإهداء على المؤلف لما بخلوا عليهم بذلك.
- أذكر قبل عدة سنوات أرسلت للملك سلمان عندما كان أميراً للرياض خطاباً عندما كان معرض الكتاب تنظمه سنوياً جامعة الملك سعود.
وذكرت لسموه في الخطاب أن مدينة الرياض يجب ان يكون معرض الكتاب يحمل اسمها أسوة بالعواصم العربية الأخرى، مثل معرض القاهرة ومعرض بيروت ومعرض الخرطوم ووجد مقترحي هذا اهتمامه، حيث خاطبني الدكتور ناصر الداوود، وكان مدير مكتب سموه في ذلك الوقت، وقال إن سموه اطلع على الفكرة وستحال للمختصين لدراستها.
ولم تمض سنتان إلا وأقيم معرض الرياض الدولي للكتاب بإشراف وزارة الثقافة والاعلام.. ولا اعلم إذا كان ذلك استجابة لمقترحي أم أن مثل هذا الاقتراح لم يغب عن ذهن المهتمين بالكتاب في الدولة.
وبما أن الفرصة سنحت لي للكتابة عن الملك سلمان وعشقه للكتاب فإنني سأعرج على بعض ما يدور في أذهان المؤلفين والكتاب، وكلي رجاء وأمل أن تحظى بعنايته حفظه الله.
- كان في السابق دعم الدولة للكتاب والمؤلف غير محدود فجميع الجهات كانت تشتري من المؤلف والكمية جيدة وبسعر تشجيعي، أما الآن فموضوع الشراء من المؤلف أصبح فقط من قبل وزارة الثقافة والإعلام، وسعيد الحظ من يتم الشراء منه ولان ذلك أصبح من النوادر، أما بقية الجهات فتوقفت عن الشراء بعد دمج الثقافة بالإعلام والغاء ادارات الثقافة لديها.. فحبذا لو يعاد النظر في هذا الأمر لأنه حافز قوي لأهل الفكر والأدب.
- تراود أهل الفكر والثقافة أسئلة منها: لماذا لا تفصل الثقافة بوزارة مستقلة عن الإعلام حتى تهتم أكثر بالثقافة والفكر والأدب؟.
- يتساءل البعض: لماذا لم تنشأ الهيئة العامة للكتاب أسوة بعدد من الدول العربية التي يوجد بها هيئة مختصة بالكتاب تهتم به وتتولى كل أموره؟.
هذه بعض الخواطر التي تجرأت ووضعتها بين يدي عاشق الكتاب الأول مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، راجياً ان يعذرني على جرأتي وعفويتي وبساطتي في الطرح، وعزائي كما ذكرت رحابة صدره وتقديره لأصحاب القلم والفكر.. حفظه الله ذخراً لنا.