روسيا تريد الأسد والمنطقة العلوية أسيرَيْ نفوذها ">
بيروت - منير الحافي:
الواقع الإستراتيجي والعسكري في المنطقة العربية، يشغل السياسيين ومراكز الأبحاث، كما يشغل الناس بمختلف اهتماماتهم. لكن خبراء الإستراتيجيات يختلفون في تحليلاتهم في الغالب، عن آراء السياسيين وغيرهم، ذلك أنهم يدرسون الواقع بمختلف أوجهه وخلفياته، ليخرجوا بنظريات قد لا تتحقق على المدى القصير، وإنما ستكون في الغالب، حقيقة على المدى غير المنظور. الدكتور سامي نادر، هو أستاذ العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف، ويشارك كخبير إستراتيجي واقتصادي في مؤتمرات عديدة سواء في لبنان أو في المنطقة لدراسة الأوضاع السياسية والعسكرية المستجدة. الدكتور نادر يعود إليه الإعلام المرئي ومراكز الأبحاث في هذا المجال.
«الجزيرة» التقت الدكتور نادر، ووقفت على آرائه في أحداث المنطقة العربية، من لبنان «بلا رئيس للجمهورية»، مرورًا بسوريا التي تدخلت روسيا في حربها مؤخرًا، وصولاً إلى اليمن التي تعاني من الانقلابيين الحوثيين وجماعة المخلوع صالح.
وفيما يلي نص الحديث كاملاً:
* دكتور سامي نادر، لنبدأ في الموضوع اللبناني، فقد جرت مؤخرًا المحاولة الثلاثون لانتخاب رئيس للجمهورية في البرلمان ولم تفلح. برأيك كيف سيتم انتخاب رئيس للجمهورية في ظل الأوضاع القائمة في منطقتنا العربية؟
- لبنان بعد 25 أيار 2014، عندما لم ينجح التوافق الداخلي ولم تنجح القوى السياسية من خلال المؤسسات اللبنانية أن تنتج رئيسًا، انتقل الملف إلى طاولة المفاوضات الإقليمية وتحديدًا على طاولة المفاوضات الإيرانية - السعودية. هذه الطاولة مقفلة منذ زمن، ومن هنا ليس هناك من إمكانية لأحداث أي خرق في موضوع انتخابات الرئاسة اللبنانية وانتخاب رئيس ما دامت هذه الطاولة مقفلة. لا شك أن الطرف الإيراني يمسك الورقة ويعرف كم هي مهمة بالنسبة إلى المكون السني في لبنان وفريق 14 آذار تاليًا. هذه الورقة مهمة، لأنها تعني الاستقرار وتعني ديمومة اتفاق الطائف الذي تم برعاية سعودية ووضع حدًا للحرب الأهلية وعمّق الشراكة الإسلامية - المسيحية وتحديدًا السنية - المسيحية وجذّر السنة في لبنان أكثر من أي وقت مضى، كما تجلى بوضوح بعد مقتل الرئيس رفيق الحريري. فمن حمل راية الاستقلال عندها، كانوا السنّة في لبنان. وهم سبقوا المسيحيين في هذا المضمار الأمر الذي لم يكن كذلك قبل ذاك الوقت. السؤال اليوم: هل ستفرج إيران عن هذه الورقة؟ إيران تريد الثمن. والسعودية ليست مستعدة لدفع أثمان. كانت في الماضي تقبل بنوع من التسوية، لكن اليوم ليس في التسوية. اليوم هناك معركة في اليمن وأخرى في سوريا. واعتقد أن موضوع التسويات وشراء الأمن وشراء الاستقرار ولىّ، واليوم هناك نهج آخر في السعودية. وقد احتدم الصراع مع إيران. الاتفاق النووي الإيراني صحيح أنه أخر إلى زمن معين، استحواذ إيران على السلاح النووي، لكنه في الوقت نفسه شكّل غطاء لعملية انتشار عسكرية على كافة بقاع الشرق الأوسط.
* ما السبب في ذلك؟ الأموال التي بدأت تتدفق على إيران وأثر ذلك معنويًا؟
- معنويًا هو الخروج من العزلة والانفتاح الأمريكي عليها، وصار هناك فائض من القوة العسكرية كما هو الحال في لبنان، وفائض من القوة السياسية. فهي جلست على طاولة الـ 5+1 وصارت قوة من القوى الكبرى في العالم! وهذا لا يتماشى مع مقومات إيران اقتصاديًا وجيوسياسيًا. لكن لا شك أن إيران انتصرت سيكولوجيًا (نفسيًا) على المستوى الرمزي السياسي فقط، مع قبول الأمريكيين بالمفاوضات معها أولاً، ثم تخفيض سقف المطالب، وبالإقرار أن هناك حاجة نووية لإيران. وبالإقرار أن السياسة الأمريكية بحاجة إلى شيء من التوازن وإلى الانفتاح على إيران بموازاة الشراكة العميقة مع المملكة العربية السعودية وتركيا ومصر. ولكن للأسف أنه عند التطبيق، ما حصل أن الاتفاق النووي كان على حساب الشراكة مع «المثلث السني الكبير» (السعودية تركيا مصر). ورأينا كيف ساءت العلاقات بين هذه الدول وأميركا.
اليوم بعد توقيع الاتفاق استفاقت أمريكا لترى أنها نجحت في إحداث خرق مع إيران، لكنها فعلت ذلك على حساب مصالحها الجيوسياسية وعلى حساب الاستقرار في المنطقة. فتوقيع الاتفاق مع إيران تبعته حروب في الشرق الأوسط، وحصل صعود للتطرف الديني. وفي رأيي هناك ترابط ما بين ذلك والاتفاق النووي مع إيران. لأن الاتفاق والمسار التفاوضي شكل غطاء لنمو النفوذ الإيراني الذي اعتمد على اللعب على الوتيرة المذهبية. فمن جهة كان هناك مسار تفاوضي يقوده روحاني- ظريف وهو مسار تفاوضي «يبتسم» للعالم، وفي الوقت ذاته كان قاسم سليماني يقود مسارًا عسكريًا يشغّل الميليشيات والقوى العسكرية على حساب السلطات القائمة في الدول العربية.
* في الموضوع السوري، هناك اليوم تدخل روسي. ماذا تريد روسيا لسوريا اليوم؟
- روسيا اقتنصت الفرصة بشكل تكتيكي. فهي خلال السنوات العشر السابقة أخرجت عبر حربي الخليج الأولى والثانية من العراق وليبيا، وقبل عقدين من ذلك أخرجت من مصر. روسيا التي كانت ممتدة أيام الحرب الباردة في كل تلك البلدان، لم يبق لها إلا سوريا. وكلنا يعلم أن الشراكة الأمريكية - الإسرائيلية كان أساسها الحد من النفوذ السوفياتي في حينه. وهو نفسه كان أساس الشراكة مع تركيا. اليوم بوتين لم يخرج بعد، من عقلية الحرب الباردة. فمن يتابع مواقفه وخطابه في الأمم المتحدة مؤخرًا يرى أن المفردات التي يستعملها هي نفسها. أراد من تدخله في سوريا تحدي الولايات المتحدة والقول إن روسيا قوة عظمى بإمكانها الوقوف أمام قوة عظمى أخرى! وهذا منطق الحرب الباردة. ثانيًا، هو وجد فرصة أن الإدارة الأمريكية لا تحمل سوى «الجزرة» من دون «العصى». والكلام «الطوباوي» للرئيس أوباما لا يكفي لحل مشكلات العالم. وصار عدم التدخل الأمريكي يسبب حروبًا أكثر مما يفعله التدخل. وفي الشرق الأوسط اليوم هناك كمية من الحروب والدماء والمهجرين أكثر بكثير مما كانت عليه أيام حرب الخليج الثانية زمن جورج بوش الذي دخل بمغامرة في العراق. دخلت روسيا اذن، وثبّتت موقعها الأخير في سوريا. ثبتت قاعدتها في طرطوس كما فعلت قبل ثلاثة أشهر في سيباستوبول الأوكرانية على بحر قزوين. وثالثًا، تريد روسيا أن تشتت الأنظار عن فشلها في أوكرانيا وعن أزمتها الاقتصادية. فاليوم روسيا فقدت 35 في المائة من قيمة الروبل. وتراجع الاقتصاد الروسي بشكل كبير. فاستعراض القوة الروسي اليوم في سوريا وحشد الشعور بالكبرياء الروسي هو لتغطية هذين الفشلين.
* كيف يؤثر التدخل الروسي على إيران؟ وماذا عن نظام الأسد؟
- روسيا تريد تقسيم منطقة المشرق. فهي تعتقد أن اتفاق سايكس- بيكو لا يعنيها. فقد قامت به قوى لمصلحتها ورسمت حدودًا ليس لمصلحة روسيا. هي ترسم الحدود اليوم كما رسمها اتفاق سايكس - بيكو في الماضي، ومثلما حاولت أمريكا رسمها سياسيًا بعد حرب الخليج الثانية. اليوم مثلاً المكون الكردي السوري يريد فتح سفارة في موسكو! وتحذر تركيا موسكو من إرسال السلاح إلى الأكراد. وفي المقابل هناك بعض مراكز الأبحاث الروسية تتحدث بشكل صريح أن الحل الوحيد هو في تقسيم سوريا.
في هذا الموضوع، لا تلتقي إيران مع روسيا، لأن التقسيم يفقد طهران التواصل ما بين بغداد التي تسيطر عليها، ودمشق. هي تريد تواصلاً ما بين طهران وبغداد ودمشق وحزب الله في لبنان.
وهذا المثلث له أهمية سياسية ومذهبية ونفطية وجيو- استراتيجية وعسكرية. غير أن روسيا تريد الأسد والمنطقة العلوية أسيرَيْ نفوذها وألا يكون هناك تواصل مباشر مع إيران. صحيح أنها تريد الإبقاء على تعاونها مع إيران، لكن بشرط أن يكون لموسكو اليد الطولى في هذا التحالف.
من هنا تريد تأمين الشروط الضرورية ليكون النظام السوري بحاجة أولاً إلى النفوذ الروسي وإلى هذا الجسر الجوي الذي تمده روسيا.
وقد رأينا في المعارك الأخيرة أنه رغم كل الإمدادات العسكرية والرجال على الأرض، لم يستطع النظام حسم معركة واحدة، حتى معركة الزبداني.
أتى السلاح الجوي الروسي لكي يوقف حالة التدهور للنظام.
من ناحية أخرى مهمة، وهي ورقة الحدود السورية الإسرائيلية. فإيران منذ البداية للصراع في سوريا تريد السيطرة على الحدود مع إسرائيل سواء في لبنان أو في سوريا.
هذه ورقة ضغط أساسية تجعل منها لاعبًا أساسيًا في المنطقة.
منذ سنتين كان هناك عرض روسي للإسرائيليين بأن تقوم موسكو بتأمين الأمن في الجولان. رحبت إسرائيل، لكن عاد ونام الموضوع في الأدراج.
ومنذ ذلك الوقت، تحاول إيران التسلل إلى هذه الحدود فردت إسرائيل بقتل خمسة قادة إيرانيين ومعهم قيادي لبناني.
* في موضوع الحدود إذن، لمن ستكون الغلبة، لإيران أم لروسيا؟
هذا ما سوف تكشفه الأيام، وأنا أقول إن هذه هي نقطة الخلاف الجوهرية التي لم تظهر بعد بين إيران وروسيا.
لأن من يسيطر على هذه الحدود سوف يكون له الموقع الأساسي، لأن المعني هنا هي إسرائيل وهي اللاعب الأساسي في المنطقة المعنية وهي حبيبة أمريكا وحبيبة روسيا أكثر من أي وقت مضى وهناك تنسيق بينهما، ورأينا أنه بعد يوم واحد من العملية العسكرية الروسية ذهب بنيامين نتنياهو إلى موسكو، لأن الموضوع أساسي بالنسبة له.
* بالانتقال إلى الموضوع اليمني، كيف تقرأ تدخل السعودية لقيادة التحاف ضد المتمردين؟
- ما حدث في اليمن ليس شيئًا بسيطًا بل هو الحدث الأهم منذ حرب الخليج الأولى، فهي المرة الأولى التي تستعمل فيها دول خليجية القوة.
وهي لم تستعمل القوة على طريقة صدام حسين ولا على طريقة بشار الأسد. استعملت القوة اليوم في مواجهة إيران بغطاء شرعي دولي وهذه نقطة تحول أساسية.
وبرهنت السعودية أنها قادرة على قيادة تحالف واسع وفعال على مستوى الخليج، وأن تقوم بعمليات عسكرية ناجحة تجعل منها قوة عسكرية تقنيًا تضاهي إسرائيل، حينما نرى أن المملكة بإمكانها أن تقوم بثمانين طلعة يوميًا هذا ليس بالأمر السهل وأن تقوم بإصابات مباشرة وبتقنيات عالية ودقيقة.
وهذا مؤشر إلى أن هناك قوة عسكرية على الأرض لا يمكن الاستهانة بها. وبغض النظر عمّا ستفضي إليه النتائج سياسيًا في اليمن. وأنا برأيي لن يتم الدخول إلى صنعاء ولكن انقلبت موازين القوى في اليمن.
هناك معارك في تعز ومأرب، وسيتم تطويق صنعاء لا الدخول إليها لأن الدخول إليها مكلف بشريًا.
وهنا لا بد من التنويه أيضًا بالموقف الإماراتي التي تشارك في الحرب، ولكنها أبقت على شعرة معاوية في موضوع التواصل مع جماعة علي عبدالله صالح.
وأرى أننا سنشهد في الأسابيع المقبلة بداية مفاوضات. في رأيي مسألة إعادة توحيد اليمن كما كان عليه صعبة.
وهي في الأصل لم تنجح. عمليًا اليوم سوف ينتهي الموضوع إلى الوضع الذي كان قائمًا قبل التسعينيات أي يمن جنوبي ويمن شمالي.
والمشكلة أن أبناء عدن لا يستطيعون بعد اليوم أن يتعاملوا مع الحوثيين.
المشكلة إذا يمنية داخلية. المملكة العربية السعودية لا تريد تقسيم اليمن حكمًا، لكن هناك مشكلة يمنية - يمنية.
مؤتمر الرياض يشكل أرضية سياسية للحوار لكن عملية احتلال عدن من قبل الحوثيين لم يكن لها مبرر. ومن الصعب إقناع الجنوبيين بالتعايش مع الانقلابيين.
* حرب اليمن ماذا وجهت رسالة لإيران؟
- هي عملية عسكرية ناجحة.
ومعناها أن السعودية أثبتت لإيران أن لديها قدرة عسكرية هائلة. حتى الإمارات أكَّدت على المستوى التقني أن لديها قوة عسكرية يفوق ما تملكه إيران في السلاح الجوي.
فما بالك بالمملكة العربية السعودية؟ إذا برهنت السعودية والإمارات أن لديهما سلاحًا ومستعدان لاستعمال هذا السلاح.
قارن مثلاً مع تركيا التي حُشرت في المسألة السورية من دون القدرة على استعمال السلاح بسبب أنها مقيدة بالمسألة الكردية.