هل تساهم في صناعة البطالة الصفرية... والحلم السعودي؟
د. ناصر بن إبراهيم آل تويم ">
يعمل الزعماء الحقيقيون والملهمون صانعو التاريخ على ملامسة الألم وزراعة الأمل عملياً من خلال تطوير الأفكار إلى كيانات وأشياء ذات قيمة مضافة، خصوصاً في أكثر الأمور اتصالاً بالناس وللناس ذات العلاقة بتطلعاتهم وحاجاتهم ومتطلباتهم المباشرة، وليس أي شيء مقدم على ذلك من ضمان واستمرارية مصدر الرزق والحيز المعيشي.
في ظل الظروف التي تواجهها المملكة، كان من الممكن أن تبقى مهمة توليد الوظائف ومكافحة البطالة متروكة لرحمة واحتياجات البيروقراطية، في واقع لم تحقق فيه مبادرات وتجارب السعودة سوى الاسم إلا ما قل وندر رغم الجهود التي بذلت ومازالت تبذل على الأصعدة كافة.
لكن للقيادة في مملكتنا الرشيدة رأياً آخر، وهذا يعتبر جزءاً من قربهم للناس وأسطورة القائد في التاريخ، وذلك بتبني ثقافة الإفصاح، فهذا الإفصاح يعبر عن نضج أكثر عمقاً ليس فقط في أهمية الاعتراف بحجم المشكلة وإنما وهو الأهم بضرورة معالجتها عملياً ضمن إطار تنظيمي وبناء هيكلي مرن حاضن للإبداع ومولد للمبادرات الجريئة، خصوصا أن البطالة تمثل الهم الأكبر لدى الأوطان والشعوب كافة، وتعطى الأولوية على أجندة الحكومات نظرا لانعكاساتها السلبية على مفاصل المجتمع كافة، لما لها من تداعيات اجتماعية وأمنية وخلافه.
إن إنشاء هذه الهيئة وربطها تنظيمياً بمجلس الشئون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه القيادي الشاب صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية، يعني المبادرة والحزم في إدارة تحديات الحاضر واستشراف المستقبل للبطالة، وأن الدولة صادقة في تمكين الشباب وظيفياً، وأن القيادة الجديدة أيضا ماضية نحو مستقبل مشرق لشباب الوطن الذي يمثله ويقدره الشاب محمد بن سلمان الذي يؤثر العمل بصمت وبمهنية عالية تجمع بين الفعالية والكفاءة في الأداء والتميز والسرعة في الإنجاز، والمسؤولية والأخلاقيات في التعامل.
وقد يكون من المفيد عملياً في المرحلة البنائية لهذه الهيئة التي يفترض أن تتميز بالتكاملية والبعد عن النمطية أن تعمل على تحقيق تطلعات ولاة الأمر ورضا المستفيدين من خلال المساهمة فيما يلي:
1- تعظيم الاستفادة من توليد وظائف القطاع الثالث، حيث يعد ذلك القطاع شريكا أساسيا للدولة في جميع عمليات التنمية ومكملا لها وهو يستوعب جميع أنواع الأعمال والوظائف، وتعتبر التجربة الأمريكية الناجحة في هذا المجال مثالا يحتذى به، حيث إن القطاع الثالث فيها يعتبر من أكثر القطاعات نموا في مجال التوظيف ومعالجة البطالة كما هو الحال في الدول المتقدمة كافة.
ويمكن على سبيل المثال توليد ما لا يقل عن 500.000 (خمسمائة ألف) وظيفة بشكل مباشر وغير مباشر فقط من خلال تبني الاقتصاد التعاوني والبيوت التعاونية وإعادة إحياء العمل التعاوني في المدارس الحكومية، حيث سيكون جل تلك الوظائف -بإذن الله- مخصصا للقوى العاطلة النسائية التي تشير الأرقام بناء على نتائج آخر مسح لها صادر عن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات بلوغها 32.8% من مجمل معدل البطالة في المملكة.
2- توليد وظائف إضافية للقوى العاملة النسائية تليق بالحاضر المستقبل والمستقبل الحاضر كخلق المزيد من الوظائف الجزئية الذكية وبنظام نصف الوقت وتقاسم الوظيفة، ووظائف تكفل مرونة ساعات العمل لأجل المواءمة والموازنة بين الحياة العائلية والحياة العملية المهنية.
3- تغيير صورة المسئولية الاجتماعية من الترف الإعلامي والوجاهات الاحتفالية إلى حلول عملية وإبداعية مع سرعة الحسم لمشاكل المجتمع العاطل الذي يملك حصة صغيرة من الرخاء، أي تحوير المسئولية الاجتماعية إلى الشعور بالمسئولية وترجمة ذلك في توطين حقيقي مقاس.
4- الالتزام بالرؤية الإستراتيجية للدولة، بحيث تأتي فرص توليد الوظائف الجاذبة بالتوازي مع تحفيز ودعم الشباب بالتوجه نحو إنشاء مشروعاتهم الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر لأجل صناعة جيل من رواد الأعمال المواطنين، حيث إن تحفيزهم وإنجاحهم مهم لنمو وتطور ذلك القطاع بما يساهم في خلق الوظائف المركبة، وبما يفتح الباب واسعا لكي تتحول تلك المشروعات الصغيرة إلى متوسطة وكبيرة مستقبلا -بإذن الله- بمواصلة دعمها بالخبرات والأموال اللازمة.
5- إحداث توليفة عملية بين احتياجات السوق ومخرجات التعليم من خلال تغيير ثقافة صبغ مجتمعنا بالطابع الجامعي واتباع سياسات التأهيل بناءً على الاحتياج لا المزاج، وتوليد الفرص Job Creation أكثر من الإحلال Job Replacement خصوصا أن الاقتصاد السعودي يتميز بمتانته وتنوعه وقدرته على خلق أنواع فرص العمل كافة، التقليدية والذكية والناعمة.
6- زيادة معدلات العدل الاجتماعي والاقتصادي من خلال بناء منظومة شبكات الأمان الاجتماعي الذكية المنتجة، وتوسيع آفاقها، الأمر الذي يتطلب نقل وربط صندوق تنمية الموارد البشرية بالهيئة لتعزيز الذراع المالية للهيئة.
7- تبني وتطوير الأفكار الإبداعية التي توائم بين صور العمل المهني مع المعطيات التكنولوجية بما يتيح بدائل حقيقية للتعليم الجامعي مع الأخذ في الاعتبار الصورة والوجاهة الاجتماعية للمهن الجديدة والمجددة، والتركيز على مضاعفة الجهود في تنمية المهارات العملية والحياتية وإدارة الذات.
8- الاستفادة من التوسع المتزايد في المعرفة والتكنولوجيا المقترنة مع تسهيلات الاتصالات في توليد الوظائف المبتكرة والمرنة والتوسع في تطبيق أساليب العمل عن بُعد، مع استثمار المزايا النسبية المولدة للأعمال في مناطق المملكة المختلفة.
9- المساهمة بتوجيه التعليم والتدريب نحو مجالات الابتكار المهمة والصناعات المستقبلية والدراية الفنية وربطها مخرجاتها مع متطلبات سوق العمل لضمان الاستغلال المسئول لأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا والاستفادة من معطيات التعليم والتدريب المهني المزدوج وبرامج التجسير الجاذبة.
10- العمل على تعزيز التنسيق والتكامل بين القطاعات الحكومية المختلفة كافة، المرتبطة بسوق العمل من ناحية وبين القطاعين العام والخاص من ناحية أخرى، مع التأكيد على تبني نماذج التحول الذكي من العام إلى الخاص والعكس بالعكس مع تطوير السلالم الوظيفية والسعي نحو بناء سلالم وظيفية مشتركة.
11- التخلص من البيروقراطية في أنظمة العمل وفك قيود المركزية التوظيفية والتخندق التنظيمي لأجل إبقاء الحدود مفتوحة لتسهيل خدمة الإنسان المحتاج، وبالتالي فلابد أن تكون لدى الهيئة الشجاعة في مواجهة الأنماط التنظيمية القديمة والاستثمار في الفكر وصناعة المعلومات والخدمات والابتكار المؤسسي المبني على إيثار الأخلاق على النظام في التعامل مع الناس.
12- إطلاق مؤشر إحصائي لحظي علمي (التوطين/البطالة) للتحقق من مدى تحقيق الأهداف بحيث يكون مدعوما بمؤشرات قياس ومقارنة الإنجاز KPI›s وأدوات الجودة Q-Tools والمؤشرات الكمية والتطبيقية والتوجيهية والعملية، وذلك ضمن إطلاق مجموعات قطاعات العمل المتخصصة، وبحيث يكون متاحا للعموم، مع وضع سقف زمني لتوظيف العاطلين وفقا للوزن الوقتي.
13- إنشاء مرصد وطني وقاعدة بيانات تفصيلية وقطاعية وجغرافية لسوق العمل، بالتعاون مع مختلف الأطراف الفاعلة في سوق العمل بهدف دراسة ورصد -من ضمن أمور أخرى- العدد الإجمالي للمتعطلين وتركيبهم التعليمي والعمري والجغرافي مع الحرص على توفير وإتاحة جميع المعلومات والمؤشرات المتعلقة بسوق العمل وتقييم اتجاهات السوق مع التركيز على مساعدة الباحثين عن عمل وأصحاب العمل لمعرفة المتاح من الأعمال ومتطلبات سوق العمل من المهارات والكفاءات المطلوبة، مع الأخذ بالاعتبار المقاربات المكانية والزمانية ومتطلبات الفئات المحرومة كالمعاقين والنساء وذوي الدخل المدقع.
14- دراسة فعالية ومدى جدوى عقد وتنظيم معارض التوظيف، حيث إنه رغم أن بعض الجهات الحكومية تنظم معارضها الخاصة بها للتوظيف وتستقطب عشرات المنظمات والمؤسسات والشركات الحكومية والخاصة إلا أنه من الملاحظ أن معظم مخرجات تلك المعارض لا ترقى إلى الطموحات المطلوبة وبالأخص من القطاع الخاص، وبالتالي لا بد من إعادة منظومة القيم لدى القطاع الخاص في المملكة الذي يتمتع بمزايا لا يحلم بها أي قطاع مماثل في العالم، بحيث يجب أن يعرف قطاعنا المعفى من الضرائب والمدعوم بكل الحوافز أن الغرب سبقنا بقلب معيار التقدم من الدخل المادي إلى الاهتمام بالعمل والعامل الإنساني، فكيف يكون ذلك؟ أليس ذلك! محيرا من أهل دين الإنسانية والعطاء.
إننا نحن السعوديين نواجه عددا من التحديات الكبرى التي ستتحول -بإذن الله- إلى تحديات صفرية متى ما تم اتباع الصراحة والاحترافية والمسؤولية فيما نقوله ونفعله، وفق منهج اتخاذ القرارات بحزم وحسم بعد استيضاح الترتيبات البديلة ثم الانطلاق للعمل وفرض النتائج وفق منهج أولويات الاحتياجات، وهذا ما تجسد في الكيان الجديد الذي فاجأ الجميع رغم قصر عمره بمبادراته وفعالية متابعاته وقراراته.. إنه مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية الذي بحق يستحق أن يطلق عليه بأنه المنظمة المؤهلة والقادرة على رسم خارطة طريق لمشروع حضاري تنموي نحو صناعة وتحقيق الحلم السعودي... نعم الحلم السعودي، وذلك بمساندة ودعم وإشراف ولي الأمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه وسنده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية ورئيس مجلس الشؤون السياسية والأمنية حفظه الله ورعاه.
فلدينا الفرص كافة لتحقيق الحلم السعودي، من خلال تحقيق -ليس فقط الأهداف الثلاثة الصفرية كما أشار الدكتور محمد يونس مؤسس بنك الفقراء والحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد- بل وأكثر من ذلك من خلال (7) سباعية الحلم السعودي وهي:
1- السلامة والأمان المجتمعي.
2- الاقتصاد والدخل المناسب لتأمين حياة كريمة.
3- التعليم الراقي الذكي.
4- الإسكان اللائق.
5- الخدمات الصحية المتميزة المستدامة.
6- الحقوق البيئية.
7- شبكات الأمان الاجتماعي الشاملة.
إننا سنسعى ونظل نعمل بإذن الله وتوفيقه ثم بفعل قيادتنا لكي نجعل الحلم السعودي حقيقة ونصنعها لكي تكون مصدراً للحلم العربي وللإلهام العالمي، خصوصا مع أفول الحلم الأمريكي... وهو ما يعني العمل على تحقيق الرؤية الملكية التي تنص على ما يلي:
«هدفي الأول أن تكون بلادنا نموذجا ناجحا ورائدا في العالم على الأصعدة كافة، وسأعمل معكم على تحقيق ذلك بإذن الله».
وهذا يتطلب من الجميع في القطاعات كافة وعلى مختلف المستويات، الارتقاء بأن تكون المملكة في مخرجاتها كافة، الخدمية والإنتاجية، معيارا في تحقيق وتجويد المعدلات التنموية العالمية المنشودة، وبالأخص العمل بكفاءة وفعالية ومسؤولية على تحقيق سبعة (7) أهداف صفرية تتلخص فيما يلي:
1- صفر في عدد الفقراء.
2- صفر في عدد العاطلين عن العمل.
3- صفر في عدد الذين لا يملكون منزلاً.
4- صفر في نقص الخدمات الصحية.
5- صفر في التقصير في الحقوق البيئية.
6- صفر في الأمية الإلكترونية.
7- صفر في التقصير في خدمات الأمان الاجتماعي.
شكراً خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو ولي ولي العهد الأمين على الإرادة والإدارة الجديدة والعمل بمنهج التفكير خارج الصندوق، ومن ضمن ذلك إنشاء تلك الهيئة التي ستكون -بإذن الله- ذخيرة من القيم والأخلاقيات تنطوي على رسائل بأن الغد سيكون -بإذن الله- أفضل من اليوم بفعل هيكلة الحاضر من منظور مستقبلي بحلول عملية استباقه، وأن كلاً منا يتحمل جزءاً من المسئولية الأخلاقية والاجتماعية والمهنية لتحقيق الحلم السعودي الذي يأتي في سلم أولوياته توليد الوظائف ومكافحة البطالة بلا هوادة.
رئيس الجمعية السعودية للإدارة - رئيس الاتحاد العربي للإدارة