د. مقرن فؤاد خياط ">
احمد الله حتى لو عصيته، فهو الذي قدرها عليك، ولولاها لما عرفت مرارة البعد عنه، وألم فعل ما يغضبه، ونتائج اقتراف المحرم على حياتك، إِذْ كيف تستبدل حلاوة الطاعة بعلقم المعصية؟ كيف تنسى روعة الإيمان وأثره في انشراح صدرك وابتهاج أيَّامك وقربك من ربك الكريم؟ وتؤثر متعة عاجلة تنتهي وتزول بمجرد انتهائها؟ وتكتب حسرات ومشاكل لا تعلم لها أولا من آخر؟ تذكر كل هذا واشكر الله أن أعادك لجادة الصواب لتعرفه، برحمته وتوبته وتقبله لعباده على علاتهم، وهو القائل لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولأتى بقوم يذنبون فيستغفرن فيغفر الله لهم، كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (53) سورة الزمر. ألم تستشعر نداء هذه الآية لك قبل اليوم؟ إنه ربك الرحمن الرحيم الكريم الواسع الودود، سبحانه لم ينس عبادا له أذنبوا وأسرفوا على أنفسهم بالمعاصي حتى يناديهم، نادى من قبلُ عباده الصالحين وقال يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم التعب والمشقة ويصيروا إلي، وقال (يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ) (68) سورة الزخرف، وقال (إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) الصافات وقال: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34)) النبأ، وقال: (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)) الانسان، وقال (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ) سورة محمد.
ومع كل هذه الوعود، التي تبعث الإِنسان وتعطيه روحا تدفعه ليكون من هؤلاء، المتقين والصالحين والأبرار وعباده الأخيار، إلا أنه لم ينس عبادا له آخرين أسرفوا على أنفسهم، فناداهم بأحلى عبارة وأجمل كلمة، يا عبادي، يتودد إليهم وهم الذين عصوه وعصوه وعصوه، قل يا محمد يا رسولنا الكريم، يا رحمة للعالمين، واتل عليهم هذه الآيات.... {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }.
احمد الله أن جعلك يوما من أهل هذه الآية بعد أن أسرفت على نفسك، فأقبل على هذا الإله الكريم الطيب، الذي لم ينسَك حتى في أحلك الظروف، حتى وأنت في ظلمات الضلال، حتى وأنت في أحزان المعصية، ثم تذكر أنك إن أتيته واقتربت منه فسوف يكرمك، ويمسح عنك ما مضى، إلا من تاب وامن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدّل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما، ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا.