غدير الطيار ">
تعجز عباراتي وتعجز كلماتي عن كتابة ما يجول بخاطري ولكن لساني لو عجز، فحروفي تعبر وإن قصرت، ما أجمل لحظات الصفاء والنقاء، كثير هم الأحباب والأصدقاء، نحبهم ونحترمهم ومقياس حبنا لهم كبير، ولكن هل يمكن قياسه، بالتأكيد لا، لا يمكن أن نقيس مقدار الحب بأي شكل من الأشكال فمثلا حينما نسأل عن مقدار حبنا لغيرنا نقول مثلا (مئة في المئة) هذا المقدار بالمقياس الرياضي، ولو وضعنا تلك النسبة لحددنا كمية وحجم مقدار حبنا، وهو ليس كذلك أبدا وإنما يقاس بمقدار التضحية -الشوق- الحنين، أي كما قال ابن القيم في كتابة روضة المحبين، إن للحب قريبا من ستين اسما، الحب شعر الحواس تعريف جميل بين الروح والجسد فما أجمل ما قيل فيه، خطرات ذكرك تستثير صبابتي، فأحس منها في الفؤاد دبيبا لا عضوا لي إلا وفيه صبابة، فكأن أعضائي خلقن قلوبا، نعم ما رأيك بإنسان يشعرك بأنك بالفعل الأمل الواعد والود الصادق يشعرك بما لديك من قلب كبير وروح حلوة وطاقات مختزنة واعدة، إنسان لا يملك أن يقول لك سوى أنه محب لك معاتب لك مخلص لك؟ فهنا تظهر المشاعر الصادقة مشاعر خالية من الزيف والخداع، وما أحوجنا إلى النقاء والصفاء أي مستقبل لعلاقتنا مع بعضنا ونحن على أنانية وزيف هل نضطر لكي نكسب الآخرين أن نخسر أنفسنا ونمحو شخصيتنا التي تربينا عليها طوال هذه السنين؟ هل لمجرد أن نرضي الآخرين نقسو على أنفسنا ونخسر أعز أحبابنا؟ هل عدم قبول الآخرين لنا بالأسلوب الذي يريدون والكيفية التي يرغبون هل هذا يقلل من قيمتنا لأنفسنا؟ إذا كان كذلك بالنسبة لهم فلا يهم المهم من نحن ومن نكون، كثير هم الأحباب وكثيرة هي المشاكل والمتاعب بين الأحباب نعاتبهم نقسو عليهم من أجل محبتنا لهم واستمرارها، إذن العتاب هو الحب فلولا العتاب لما وجد الأحباب، كلمة تحمل في معانيها أشياء جميلة تعني الصفاء -إن قال - الحب - الإخلاص- تعني الاستمرار تنحدر من شفاهنا بكل يسر وسهولة، فما أروعها وما أروع المتصفين بها، تلك الكلمة التي تجعلنا في عالم يملؤه الحب والأمل ونحن نسأل لماذا تصنع بنا هذه الكلمة كل ذلك؟
العتاب يؤدي إلى أن نعيش سعادة دائمة فحينما نتجاهل هذه الكلمة ولا نطبقها في حياتنا نخسر من حب الآخرين الكثير والكثير -نحن نعاتب الأشخاص العاديين فكيف مع أعز الناس على قلوبنا فالبدار البدار إلى تحسين علاقتنا.
إنها دعوة من أجل النقاء، #الله سبحانه وتعالى استخدمها مع أحب الخلق إليه محمد صلي الله عليه وسلم حينما انصرف عن عبده المؤمن عبدالله بن أم مكتوم -رضي الله عنه- حينما كان الصحابي يريد المزيد من الجلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم ليستشعر منه تعاليم الدين، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمر بالرسالة فانصرف عنه إلى سادة قريش ليكسبهم في صف الإسلام هؤلاء الذين يحتلون الرأي والمشورة، فأنزل الله عتابه في سورة عبس لنبيه عليه الصلاة والسلام قال تعالى:
{عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَاءهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} عبس من 1-3، وكان النبي -صلي الله عليه وسلم- يقول حينما يرى عبدالله بن أم مكتوم هذا الذي عاتبني فيه ربي.
إذا كان ربنا قد عاتب أحب الخلق إليه فكيف بنا نحن البشر، فلنعاتب من نحب من أجل الحب، إذن العتاب هو البلسم الشافي لتلك الجروح التي تصدر عن المتحابين كيف لا والمثل يقول (العتاب صابون الأحباب)، فالعتاب أيها الأحباب طريقنا إلى صفاء القلوب، عتابنا بكلماتنا بنظراتنا نعبّر عما يكنه وجداننا، فيكون خير وسيلة لإبداء ما نعانيه عن طريق تلك النظرة التي تجعل غيرنا يعرف ما نرمز إليه: العين تنطق والأفواه صامتة، حتى ترى من صميم القلب تبيانا، ما أجمل اللحظات الحلوة التي تزداد حينما نحس أن من عتبنا عليهم قد فهموا قصدنا وقدروا ذلك، إنها دعوة صادقة للعتاب الحقيقي وعدم تفسير الأقوال والأفعال على محمل الظن السيئ الخاطئ، فأهلا بالعتاب من الأحباب وإلى الأحباب وقفة: هاهي عبارتنا، تعبر عنها كلماتنا، تعبر عنها نظراتنا، عما يكنه وجداننا، فلنعاتب بعضنا، ليعم الحب بيننا، وتسود الألفة مشاعرنا، لتكتمل سعادتنا.