فهد بن أحمد الصالح ">
كثر الحديث هذه الأيام في الصحف وفي المجالس عن الانتخابات البلدية، ونسختها الثالثة، والتطوير الذي حصل عليها بدخول المرأة، وزيادة المنتخبين إلى الثلثين، وفتح الصلاحيات لمراقبة الأداء البلدي، وكذلك مناقشة ميزانيات الأمانات، والاشتراك في صناعة القرار الذي يمس بشكل مباشر المواطن، والخدمات التي تقدَّم له، وكذلك الطموحات التي ينتظرها.
ويسعدني أن أطرح عبر هذه الصفحة وجهة النظر التي يحملها دون شك أغلب المواطنين، بل يؤكدون عليها، وأقول:
إن مما يعيق الإنجاز باستمرار هو الاندفاع في تحقيق التغيير أو التسرع في استبدال القائم؛ إذ يحصل بعد ذلك خسارة القائم، وعدم صلاحية الجديد؛ لأنه أتى دون دراسة وتروٍّ، وأخذ جميع الأسباب التي تؤدي إلى النجاح. ومن ناحية أخرى، فإن التطوير في كل عمل يستلزم أن يدرس الإنسان الواقع المنفذ، ويحدد عن قرب أماكن الخلل، وكذلك أسلوب العلاج. وهنا يأتي التقييم الصحيح البعيد عن كل المؤثرات، ثم وضع خطة عمل مدروسة بكل أبعادها، البيئية والبشرية والمالية والإدارية، وتنطلق بعد ذلك مرحلة التصحيح أو التقويم، أيهما أفضل من ناحية الكلفة والوقت ومقدار المنفعة، مع ملاحظة مقاومة التغيير التي تواجه كل من يرغب في التجديد أو التطوير، وكيف نستطيع أن نجعل مقاومة التغيير وسيلة إيجابية، تدفع به ولا تعيقه، وهذا لا يأتي إلا بمزيد من الشفافية وحفظ الحقوق واحترام الإنسان والنظام في وقت واحد، مع إيصال الرسالة في تعظيم المنفعة من التغيير، وأن الإنسان هو محوره الرئيس، وهو جزء من الإنجاز وتحقيق الهدف، ولولا وجوده وجهوده لما تحققت المنافع السابقة واللاحقة وخُدم المواطن، وقُضيت حاجات العباد على أيدي العباد، وإن خير الناس هو أنفعهم للناس. كما يجب إيصال الرسالة بأن حقوق الوطن والمواطن تقدَّم دون منَّة من أحد، بل إن هذا يأتي من باب أداء الواجب.
هذا المدخل الذي لا نختلف مطلقاً عليه يبرز في ظل الدورة الثالثة للانتخابات البلدية، التي قدمت لنا بثوب جديد في نسختها الثالثة، ودخل إلى المجلس شقائق الرجال، وأصبح الجزء المنتخب من المجلس يمثل الثلثين، وبمزيد من الصلاحيات، وكذلك الواجبات والمسؤوليات، بعد أن تم تقييم النسخ السابقة، وتم التطوير عليها؛ لتصدر هذه النسخة بالكثير من الأمل في إحداث تغيير إيجابي، ينتظره الوطن والمواطن. وتأتي هذه الدورة مع تنوع في الخبرات، وتباين في الاهتمامات، واختلاف في الأجناس، وجميع الأعضاء يحملون الكثير من الآمال بأن يكون لهم بصمة إيجابية في دورتهم التي انتُخبوا لها، أو عُيّنوا فيها في الثلث الأخير من أعضاء المجلس. ويبقى الأسلوب الذي تتحقق به تلك البصمة الصادقة، خاصة أن المجلس على مساس مباشر باحتياجات المواطن، وهو حلقة الوصل بين المواطن والمسؤول، كما أنه مخول بصلاحيات تمكِّنه من الرقابة الدقيقة على الخدمات البلدية، وكل ما يخصها في حدود صلاحيات وواجبات الأمانات والبلديات. وهناك دون شك إنجازات قائمة، لا يمكن تجاوزها إلا بوقفة شكر. وهناك احتياجات، لا بد من تحقيقها، كذلك هناك أولويات لا بد أن يكون للمجلس دور في ترتيبها مع أمانات المناطق والبلديات، وهذا كله لتحقيق الهدف الذي أُنشئت بموجبه تلك المجالس.
إن أحد أهداف المجالس البلدية هو استكمال الطموح الذي يتطلع إليه ولاة الأمر والمواطنون، وليس إعاقة التنمية بفرض الآراء والاختلاف مع المعنيين بالاستفادة من الميزانيات الموضوعة بشكل يخدم المواطن واحتياجاته، وتنفيذ البنى التحتية التي يحتاج إليها هو والأجيال المتعاقبة من بعده؛ ولذا تجد الكثير من المجالس في الدورتين السابقتين لم تؤتِ أكلها، ولم يظهر لها إنجازات؛ لأن كل فرد كان يغني على ليلاه. ويتحتم على المجالس البلدية ألا تختلف أو تتفق إلا على أعظم المنفعة، أو أقل الضرر في الخدمات البلدية المقدمة، وهكذا هو الحال للطرف الآخر. ولا نتوقع مطلقاً أن في الخلاف خيراً، ولكن نثق بأن في الاختلاف رحمة؛ لأننا سنصل إلى الأفضل إذا صدقت النوايا بين الأعضاء. ففي الخلاف - ولا شك - تعطيل وإعاقة للتنمية التي يكثر اللوم على عدم الاستفادة منها. ولا ينسى الأعضاء الكرام أنهم يبنون للأجيال، وليس لما يحقق تطلعاتهم فقط، وهذا يستلزم أن تؤخذ كل الأبعاد مع كل خيار يطرحه المجلس؛ فالحكمة ضالة المؤمن، وهي التي تدفع به إلى أفضل الإيجابية أو أقل السلبية. والمتوقع أن يغلب إنكار الذات أو الانتصار لها إذا كان ما يجمع المجلس وأعضاءه هو خدمة المواطن، وحسب الأولويات في وجوب الأخذ بأمر أو تأجيله، ولا شيء إلا لمصلحة أو منفعة أكبر.
ختاماً: إن الدخول في المجالس البلدية، سواء بالانتخاب أو التعيين، ما هو إلا أمانة.. فليؤدِّ الذي ائتُمن أمانته؛ فحملها ثقيل، والله سبحانه وتعالى لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. وينبغي أن تؤدى الأمانة على خير ما يمكن؛ لأن الصدق منجاة يوم القيامة، وعلى كل من كانت عضوية المجلس نصيباً له ألا يجعلها هدفاً، وعليه ألا تنتهي دورة المجلس إلا بخير يذكر به عند الله وعند كل الناس، وليس عند من انتخبه فقط؛ لأن المنتخبين تدفعهم أغراض يعرفها الجميع. كما أن المجالس بالأمانات، وعلى العضو أن يحفظ ما يدور من أحداث ومناقشات، ولا يبرزها على أنها خلافات؛ حتى لا تُخلق مشكلة في علاج أخرى. وليقدم الجهد والفكر والوقت من باب المسؤولية الاجتماعية؛ فهو باب من أبواب زكاة العمر.