د.فهد بن نايف الطريسي ">
لفت نظري في كلمة سمو ولي ولي العهد محمد بن سلمان بمناسبة اليوم الوطني أنها ذات مضامين قانونية ككلمة العدل من ناحية واستخدامها لمصطلح القانون من ناحية أخرى؛ وهي الكلمة التي يتحرج من استخدامها المسؤول دائما وكذلك هي الكلمة التي استبعدها المشرع السعودي مستخدما كلمة أنظمة ونظام مع فرق المعنى والدلالات في اللغة والاصطلاح، صحيح أن سموه خريج كلية حقوق جامعة الملك سعود وشارك في صياغة العديد من الأنظمة إبان عمله في هيئة الخبراء في مجلس الوزراء؛ لكنني أعتقد بأن هذا ليس هو السبب الوحيد في تناول العدالة والقانون، بل أعتقد أن السبب هو استشعار المستقبل، أي ارتهان الدولة على قيمة البناء القانوني والمؤسسي لها، إن كلمة قانون هنا تعني البناء الذي يحيط ببناء الدولة الإداري والمؤسسي، وأعتقد أن الوجهة الحقيقية والمستقبلية ستكون هي القانون بما تعنيه هذه الكلمة من قواعد عامة مجردة تقترن بجزاء وتعم كافة مسارات الدولة شعبا وحكومة. إنها تعني طفرة في العلاقة بين المكون السياسي والإداري والشعبي. هذه الطفرة لمسناها فيما سبق من اهتمام بسن الكثير من القوانين الإدارية والجنائية ولكنه يظل تقنين جزئي وليس كلي إضافة إلى أن من يقوم بإعمال هذه القوانين ليس من المتخصصين بهذه القوانين الصادرة. إننا في زمن التخصص فلا يصح أن يشغل التخصصات الجنائية متخصص في القانون التجاري والعكس صحيح وهم أهل اختصاص أعلى واحد فما قولنا إذا رأس الأجهزة ذات الصبغة القانونية من غير المتخصصين في القانون. وهذا ما يفسر التسرب الوظيفي من بعض الهيئات ذات الصبغة القانونية. وفي ظل هذا الخطاب لابد أن نعي أن الشريعة الإسلامية تعلو ولا يعلى عليها ولكن في ظل الأعمال التنفيذية يقدم المختص على غير المتخصص فالنص القانوني يقدم على الشرعي من منطلق الخاص مقدم على العام بشرط أن لا يخالف الأول الثاني.
نعود إلى كلمة صاحب السمو ولي ولي العهد ودعوني أنقل لكم هذا الاقتباس:
«إذ تحافظ بلادنا على استقرارها، فإنها تحافظ على ازدهارها وتقدمها، إذ يضمن هذا الاستقرار صيانة القانون والحقوق، وأمان بيئة الإنتاج، ويشجع المستثمرين، ويخلق فرصا متنامية للعمل وتوسع الأعمال، وهذا الاستقرار لم يكن ليتحقق لولا إقامة العدل بمنهج يزيد الثقة في مؤسسات القضاء وأجهزة الرقابة، ويكشف الغطاء عن الفساد، ويحاسب بعدل وشفافية، ولم يكن لهذا الاستقرار أن يستمر، لولا تطبيق أحكام الله، والعمل بما جاء في الشريعة الإسلامية، دستوراً مضيئا للمملكة، التي نذرت نفسها لنصرة الإسلام والمسلمين، وخدمة قاصدي المسجد الحرام والمسجد النبوي، من الحجاج والمعتمرين والزائرين». انتهى الاقتباس.
فهل هذه الرؤية تعبر فقط عن الحالة الراهنة، بالتأكيد - وهذا ما أجزم به - لا بل تعبير عن انفتاح فكري كامل بين النمطين الشرعي والقانوني، بين السيادة والشركات العابرة للقارات ومتعددة الجنسيات، بين ثنائية العمل والقوى العاملة. أي أنه موقف ليس وسطيا فقط، بل نهضويا أيضا.
أنه موقف يوازن بين عدة اعتبارات منها الهوية الثقافية والدينية للمملكة وبين ضرورة الانفتاح الاقتصادي والثقافي على الآخر. لم يتجاهل إذا الثوابت بل وقف معها وألقى الضوء على الضرورات المستقبلية ونحن في عصر العولمة. إنه خطاب السياسي الوطني الذي يقف فوق حبل مشدود في الأعلى ويوازن بعصاة رفيعة ولكنه يعلم بقينا بأنه سيصل إلى الضفة الأخرى.
أعتقد بأن سموه لم يقل كل شيء ولكنه قال كل شيء ؛ فهذا يعتمد على القراءة خلف ظاهر النص.
- أستاذ القانون المشارك بجامعة الطائف