مها بنت سالم السبيعي ">
حَظِي تعليم الأشخاص الصم وضعاف السمع بالاهتمام في السنوات الماضية، نتيجة إلى ما دعت إليه الاتفاقيات الدولية وحقوق الإنسان والمساواة بين أفراد المجتمع. وقد تمثل هذا الاهتمام في تطوير البرامج التربوية والخدمات التأهيلية التي من شأنها تحسين المستوى التعليمي لهؤلاء الأشخاص، وبالتالي زيادة فرص تعليمهم العالي، وفرصهم الوظيفية.
وقد شهد مجال تربية وتعليم الصم وضعاف السمع العديد من التوجهات الحديثة
منها: ثنائي اللغة وثنائي الثقافة، وتطبيق منهاج التعليم العام، والدمج في المدرسة العادية، واستخدام التكنولوجيا المساعدة في التعليم.
(السوالمة، 2013، ص 109)
ونظرا لطبيعة الأشخاص الصم الخاصة يتطلب تدريسهم تكييف طرق التدريس، ويعني تكييف التدريس للطلاب الصم: «استخدام طرائق تدريس معدلة، أو ممارسات صفية أكثر مرونة، أو نشاطات علاجية تركز على جوانب القوة، واستخدام القدرات المتاحة لدى هذه الفئة. ويستهدف تكييف التدريس لذوي الإعاقة السمعية تمكينهم من التعلم على الرغم من جوانب الضعف لديهم، ويتضمن تعديلات في طرائق التدريس، وكذلك البيئة التعليمية، والمناهج الدراسية، والتقنيات التعليمية، وأساليب التقويم أي تعديلات في العملية التعليمية بأكملها» (عقل،2012، ص 16).
فليس من المعقول أن يركز التدريس على نقل المعلومات فقط مع فئة تعاني من العديد من المشكلات اللغوية. الأمر الذي يتطلب من معلمي الطلاب الصم، تأدية مهام عديدة ومتنوعة لا يستطيع القيام بها إلا معلمون مدربون جيدا وذوو كفاءة مهنية متخصصة. (الخطيب والحديدي، 2003) والتربويون يدركون الجهود طويلة المدى المطلوبة للوصول إلى الكفاية في القدرات اللغوية لدى الأشخاص الصم. فنجد الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية يخطئون في التركيب البنائي للغة المكتوبة؛ ويستخدمون الأفعال في أزمنة غير صحيحة، ويخطئون في وضع الكلمات في جمل، وقد يحذفون حروف الجر والعطف، بالإضافة إلى أنهم يعانون من صعوبات في فهم معاني الكلمات، ويُلاحظ البطء في تعليم القواعد اللغوية عند الطفل ذي الإعاقة السمعية. لذلك يجب أن يكون تطوير المهارات اللغوية الهدف الرئيسي من تعليم الطلاب الصم؛ لنضمن تطور مهارات التواصل لديهم. الأمر الذي يتطلب منا تعديل وتكييف مناهج التعليم العام بجميع عناصرها بما يتناسب مع الأشخاص الصم في الفصول الخاصة.
ولمعرفة واقع الطرق المستخدمة لتدريس اللغة العربية للطالبات الصم في مراحل التعليم العام، تم سؤال بعض معلمات اللغة العربية في الفصول الملحقة بمدارس الدمج المكاني في جميع مراحل التعليم العام، والتي يدرس فيها الطالبات الصم في فصول خاصة، ولا تتجاوز أعدادهن 10 طالبات في الصف الواحد، تتنوع فيها شدة إعاقتهن في بعض الفصول بين الصمم التام وضعف السمع، وتختلف مؤهلات المعلمات، فمنهن المتخصص في التربية الخاصة، ومنهن المتخصص بتعليم اللغة العربية وخصوصا معلمات المراحل العليا، هذه العوامل بالطبع سنتعكس على طرق واستراتيجيات التدريس المستخدمة، وبالتالي مستوى الطالبات.
كانت أغلب الاستراتيجيات والطرق التي ذكرتها المعلمات تدور حول استراتيجيات التعليم التعاوني، والتعلم النشط، والألعاب التعليمية، والخارطة الذهنية، وحل المشكلات والحوار والمناقشة والنقد وإبداء الرأي، وأحيانا التعلم الفردي. ومعيارهن في اختيار الاستراتيجية مناسبتها لاحتياج الطالبات التي تتنوع شدة إعاقتهن في الصف؛ مما يتطلب استخدام أكثر من طريقة تواصل واستراتيجية تدريس في الحصة الواحدة.
وتلجأ بعض معلمات اللغة العربية إلى بعض الممارسات التدريسية الخاصة التي ترى أنها تفيد كثيرا في استيعاب المعاني من قبل الطالبات الصم، مثل المقارنات، واستخدام الأضداد، وتبسيط المعنى وتقريبه للطالبات، والاستعانة بالتمثيل لشرح المفردات. وتخفيف المنهج على الطالبات الضعيفات، وتجزئة المعلومة إلى أجزاء حتى يسهل على الطالبات تعلمها.
وتبسيط المعلومات، وعدم الخوض في تفاصيل الدرس المعطى غير المطلوبة لمنع تشتت الطالبات، بالإضافة إلى ربط ما يتم تقديمه بالواقع.
مما سبق يتضح اجتهاد المعلمات في التنويع في الطرق المستخدمة ووسائل التواصل تلبية لاحتياجات الطالبات، واستخدام أكثر من طريقة لإيصال المعنى، ويفسر هذا ما ذكره القرشي (2000، ص 30) «إن عملية التدريس للطلاب الصم تعد عملية متشابكة وعلى درجة كبيرة من التعقيد، وتحتاج معلم يمتلك المهارات النوعية اللازمة التي تساعد على تحقيق الاتصال الفعال مع الطلاب الصم وطرق التواصل معهم. وملما بأساليب واستراتيجيات التدريس وقادرا في الوقت نفسه على أن يوفر بيئة تعليمية مناسبة.»
ومع ذلك تعاني الطالبات الصم من ضعف المستوى اللغوي، الذي يعود إلى عدة أسباب، منها: تأثير الفقد السمعي وعدم الحصول على خدمات التدخل المبكر، وضعف تأهيل المعلم، وضعف أساليب التواصل بين الطالب والمعلم، وأهمها ضعف ملائمة مكونات المنهج للطلاب ذوي الإعاقة السمعية، وعدم تفعيل البرامج التربوية الفردية.
وهناك العديد من الدراسات العربية التي أوصت بضرورة استخدام الطرق والأساليب والوسائل التي تسهم في فاعلية تدريس اللغة العربية وتتناسب مع ظروف وطبيعة إعاقة هؤلاء الطلاب. ومنها دراسة (محمود، 2007م) التي أثبتت فاعلية ثلاث استراتيجيات للتعلم النشط في تنمية مهارات التعبير التحريري،
وهي: استراتيجية العصف الذهني، وحل المشكلات والتعلم التعاوني. ودراسة (العنزي، 2009) التي توصلت إلى أن استخدام التعّلم التعاوني في تدريس قواعد اللغة العربية ذو أثر إيجابي في تنمية التحصيل الدراسي لدى طلاب المعوقين سمعيّاً في الصف الأول الثانوي بمدينة الرياض. ودراسة (سلامة،
2010) التي أثبتت فاعلية برنامج قائم على المواقف التعليمية في تنمية المهارات الوظيفية للقراءة والكتابة لتلاميذ المرحلة الإعدادية المعوقين سمعيا. ودراسة (السيد، 2011) توصلت إلى أن استخدام بعض أدوات الإنترنت كان له أثر فعال على تنمية التحصيل والقدرة القرائية لدى التلاميذ الصم.
بينما أثبتت دراسة أجار-جاكوبسن (Agar-Jacobsen, 2010) أن الطلاب الصم يفضلون الطرق البصرية والحسية فيما يتعلق بأنماط التعلم، وذلك عند مقارنتهم بأقرانهم السامعين، ويمكن للطلاب الصم تحقيق مستويات إنجاز أعلى عند تدريسهم باستخدام المواد اللمسية البصرية والمواد الحركية البصرية.
نظرا لأن حاسة الإبصار من الحواس التي يعتمد عليها الصم وضعاف السمع في حياتهم بدرجة أكبر من الحواس الأخرى، وذلك لاتساع مجال الإدراك البصري الذي يجعلهم يعتمدون على المعلومات البصرية بشكل ملحوظ في الاتصال، والتعلم؛ فالمدخل البصري المكاني Visual Spatial Approach يعتبر أحد أهم المداخل التدريسية التي تهتم بتوظيف القدرات البصرية لدى الطلاب الصم وضعاف السمع معتمدا في ذلك على قدراتهم الفائقة على الاحتفاظ بالصورة البصرية لفترة زمنية طويلة. وعوضاً عن ذلك فإن الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية يعتمدون على الشكل البصري فقط في تعلم الكلمات الجديدة، في حين أن سليمي السمع يستخدمون الشكل البصري إضافة إلى الشكل السمعي في تعلم الكلمات الجديدة.
إن استخدام الطرق التي تتناسب وطبيعة القدرات الإدراكية والمعرفية لدى الطلاب الصم وضعاف السمع، يساعد على التقليل من تأثير الفقد السمعي، كاستخدام لمنظمات البصرية، والتعلم بالاكتشاف، والمشاريع الموجهة نحو أهداف معينة، والخرائط العقلية، والعروض العملية، والتمثيل المعرفي للمشكلات. ويشمل: التمثيلات العملية، والتمثيلات التصورية أو الخيالية، والتمثيلات الرمزية، وسيناريوهات الحياة الواقعية، العروض البصرية، واستخدام النماذج البصرية مثل بطاقات التعلم، والمادة الملموسة. (علي،
2013)
وقد اعتمدت معظم المدارس والجامعات العالمية للأشخاص الصم وضعاف السمع، مثل جامعة جالوديت بواشنطن، ومدرسة الصم بكاليفورنيا، ومدرسة لينجستون بنيويورك على المدخل البصري المكاني بتطبيقاته المختلفة في تعليم الأشخاص الصم وضعاف السمع في المراحل التعليمية المختلفة. (محمود، 2015) في ضوء ما سبق ينبغي مراعاة بعض الأسس عند تدريس اللغة العربية للطلاب الصم:
1-أهمية أن تتناسب طريقة التدريس المستخدمة مع أهداف الدرس، ومحتواه، ومع طبيعة الطلاب الصم.
2-أهمية التنويع في استخدام طرق وأساليب التدريس التي تتناسب مع الطلاب الصم في ضوء المدخل البصري المكاني.
3-ضرورة الاهتمام ببعض الأداءات التدريسية اللازمة لتحقيق نتائج أفضل مع
هذه الفئة وهي:
اختيار الوسائط البصرية التي تتناسب مع الأهداف التعليمية للموضوع الذي سيتم تعليمه للطلاب الصم وضعاف السمع.
ربط أي مفهوم جديد بالخبرات البصرية المكانية القريبة من حياة الطلاب الصم، لتوفير المتعة والإثارة والتشويق عند التدريس. (محمود، 2015)
تفعيل دور الطلاب الصم وضعاف السمع في إحداث عملية التعلم من خلال مشاركتهم الإيجابية أثناء العملية التعليمية.
توفير فرص الاستكشاف الحر قبل إعطاء أي توجيهات، أو تعليمات خاصة بحل المهام البصرية المكانية المطلوبة.
استخدام النماذج البصرية التي تشجع الطلاب الصم وضعاف السمع على التفكير في حل المشكلات بشكل إجرائي. (علي، 2013)
إرشاد الطلاب الصم إلى مصادر أخرى للمعرفة، وتعليمهم استخدام المعاجم اللغوية.
ترجمة المفردات والمفاهيم بلغة الإشارة وتكوين القواميس اللغوية الخاصة بكل صف دراسي.
وتشجيع التواصل باللغة العربية الفصحى داخل أسوار المدرسة وخارجها.
بالإضافة إلى استخدام الحاسوب والتعليم الإلكتروني، لدوره الكبير في تسهيل إيصال المفاهيم بأقل وقت ممكن، وكونه يتميز بالتحفيز على التعلم.
- باحثة في المناهج وطرق التدريس