من واقع تجربة: الصالح يطرح الأدلة ويقول: «التقاعد المبكر أفضل» ">
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
طالعنا الكاتب الموفق في القسم الاقتصادي محمد بن فهد العمران في العدد رقم 15726 للسنة الـ55 بتاريخ 6-1-1437هـ الموافق 19-10-2015م تحت عنوان (هل التقاعد المبكر) أفضل، وانتهى به المقال بعد الاعتماد على بيانات وأرقام أن التقاعد المبكر ليس الخيار الأفضل وأن الاستمرار في الوظيفة واستقطاع نسبة التقاعد المعتادة من أجل الحصول على زيادة شهرية هو الخيار الذي يؤيده كاتبنا، وهو رأي يقر به كثير ولكن لا يوافقه الكثير ويسعدني أن أقدم تجربة تثبت العكس وبالأرقام ويقدمها كنصيحة صادقة الزملاء الأعزاء في التأمينات الاجتماعية إذ كانت تربط الباحث عن استشارة علاقة شخصية بهم، وسنخصص الايضاح على ما جاء في بيان كاتبنا الرائع:
إذا كان راتب الموظف قد وصل الشريحة الأعلى وهي 45000 ريال وأمضى عليها عدة سنوات وأكمل الخدمة اللازمة للتقاعد المبكر وهي 25 سنة وأصبح الراتب التقاعدي فيما لو تقاعد 30000 ريال فإن هذا معناه أنه سيستفيد في السنة من راتبه التقاعدي 360000 ريال وهي رواتب 12 شهرًا وفي عشر سنوات عندما يصل عمره إلى الـ60 عامًا سيحصل من التأمينات الاجتماعية مبلغ وقدره 3600000 ريال وسيستمتع بهذا المال في سنوات نشاطه العشر وما سيكتب الله له بعدها فهو زيادة من المنفعة الشخصية له ولأسرته ولتكوين حياة أبنائه، وقد يكون تقاعده المبكر سببًا في بناء شخصية اعتبارية واقتصادية وتجارية مستقلة وخصوصًا تسهم في زيادة مدخوله معتمدًا في ذلك على خبرته ومن ثم إكمال أبنائه للدور الاقتصادي والتجاري والتنموي الذي تولاه في عقد من الزمان وهو في مستوى بدني وذهني جيد، وحتى لو لم يتم ذلك فإنه استمع بحياته ونشاطه وراتبه التقاعدي الجيد الذي يكفيه ليعيش عيشة السعداء ويمنح أسرته مزيدًا من اهتمامه.
أما لو استمر بعد الـ25 عامًا من الخدمة فإنه سيخسر الراتب التقاعدي الجيد وسيدفع زيادة عليه مبلغًا يتجاوز 8000 ريال وهي نسبة التأمينات الاجتماعية المقررة نظامًا لتكون خسارته الشهرية 38000 ريال والسنوية 456000 ريال والمتبقي بينه وبين الحد الأعلى للتقاعد هو 7000 ريال في سبيل حصوله على ارتفاع في راتبه التقاعدي بمبلغ 100 ريال شهري الذي حددناه سابقًا بـ30000 ريال، وعلى كاتبنا الرائع أن يعد دراسة بيانية ليعرف متى يستوفي فيها المتقاعد تلك الخسارة التي ستتجاوز ربما ما بقي له من سنوات الاستمتاع بنشاطه وحيويته وقد يستفيد من ذلك الأولاد إن كانوا صغارًا أو الزوجة وبالجزء المقرر لهم نظامًا، وخصوصًا أن النظام الآن مهدد كغيره خلال سنوات بالعجز الذي نتمنى ألا يكون بعد كثرة تداوله تحت قبة مجلس الشورى الموقر الذي نتطلع أن يخرج لنا برأي ينقذ النظامين من الإفلاس، لذا فإنه بكل المقاييس فإن التقاعد المبكر للشرائح المتوسطة والمرتفعة أفضل إلا إذا كانت الفروقات عالية جدًا بين التقاعد والتعاقد مثل أن يتجاوز راتب الشخص التعاقدي راتبه التقاعدي بالضعف وهذه ربما لا تتاح إلا لشريحة قليلة جدًا ممن هم على نظام التأمينات الاجتماعية ولو أنهم بعد التقاعد يحسون بالفارق الكبير حيث إن الحد الأعلى مهما بلغت سنوات الخبرة ومعدل الراتب فإنه لن يتجاوز 45000 ريال لأنهم قد كيفوا أنفسهم ومصاريفهم ومعيشتهم على مستوى معين وربما في هذه الجزئية فقط يكون نظام معاشات التقاعد أفضل ولكن في مرتبتي الوزير والممتازة الذي ربما يتجاوز الراتب التقاعدي 55000 ريال وأكثر وهي أيضًا فئة قليلة لا يمكن أن نعممها على الجميع ليبقى متقاعد نظام التأمينات الاجتماعية أفضل في راتبه التقاعدي من متقاعد نظام معاشات التقاعد والنظامين لا شك رحمة من الله للمتقاعدين جميعًا.
وعلى المستوى الآخر فلا نرى أن البقاء في الوظيفة سيكون أفضل إلا إن كانت وظيفة قيادية أو يتطلع صاحبها للترقية لمنصب أكبر وهذا دون شك حق مكفول للجميع أما عدا ذلك فإن التقاعد المبكر أفضل حتى وإن عارضت التأمينات الاجتماعية ذلك وسعت إلى زيادة العمر التقاعدي وهو الأفضل لها دون شك لأن التقاعد المبكر في تلك الحسبة التي أوردناها سابقًا يستنزف ميزانياتها، كما أن في التقاعد المبكر فتحًا للمجال لكفاءات أخرى سواء في التوظيف أو الترقية وهذا دون شك باب رزق لآخرين لا بد أن نتفق أن لهم حقًا على من سبقهم، وفي التقاعد المبكر نماء وازدهار للقطاع الثالث من خلال إعادة استنبات الخبرة والاستفادة منها فيما نسميه زكاة العمر ولا أحد يشك فيما يقدمه القطاع الخيري من دور تنموي وإنساني وجل من يقوم عليه هم ممن تقاعدوا مبكرًا أو حتى بعد اكتمال العمر الوظيفي وما زال لديهم همة ونشاط وحيوية، وفي التقاعد المبكر فرص لانطلاقات أخرى، وفي التقاعد المبكر ختامًا فرصة أكبر للتقرب إلى الله تعالى.
ختامًا، أرجو أن تكون الصورة أوضح بذكر مزايا التقاعد المبكر وأفضليته وهي ليست دعوة له بقدر ما هو ايضاح للمنافع فيه التي قد لا يتفق معها من يحب الوظيفة ومغرياتها وتجذبه قيودها، ولكن ستعجب من يرغب في الانطلاق من قيدها بعد أن أمضى نشاطه وفتوته فيها وكسب خبرة وزاد في رأس ماله البشري بالعلاقات التي كسبها من خلال وظيفته لينعم معهم في أجواء أخوية بعيدة عن الضغوط المختلفة وسالمة من القيود والضوابط التي يقدرها من جرب الحالتين.
فهد بن أحمد الصالح - الأمين العام للجنة أصدقاء المرضى