القطاع السياحي كاف لقيادة دورة اقتصادية منفردة بالسوق المحلي ">
إعداد - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية بـ«الجزيرة»:
ما لا يتوقعه أحد، أن إحصاءات (2008-2009م) سجلت فيها ميزانيات حوالي 143 دولة من إجمالي 193 دولة بالعالم عجزاً مالياً وصل في المتوسط إلى نسب تفوق 10% من قيمة الناتج.
ويأتي على رأس الدول التي تعمل بالعجز المالي سنوياً ومنذ فترة ليست قصيرة الولايات المتحدة الأمريكية التي وصل حجم العجز المالي في ميزانياتها خلال العام الأخير حوالي 491 مليار دولار.
أيضا، ينبغي الإشارة إلى أنه في كثير من السنوات حققت الميزانية الروسية فوائض مالية عالية، في مقابل تحقيق الاقتصاد الأمريكي لعجوزات مالية مرتفعة.. ومع ذلك، فلا يزال الأداء الاقتصادي الأمريكي أفضل حالا وبشكل كبير من نظيره الروسي.
وعليه، فإن ما تشهده الساحة المحلية من تهويلات حول حدوث عجز مالي في الميزانية الحكومية ليس أمراً منطقياً، أو مخيفاً بالشكل الذي ترسمه بعض التحليلات.. فليس معنى تحقيق المملكة لفوائض مالية كبيرة وهائلة خلال السنوات العشر الأخيرة، أن هذا الوضع سيستمر أبد الدهر، ولكن الإيرادات المالية الحكومية في كل الدول تزيد وتنقص، تتوسع وتنكمش.. ومصادر هذه الإيرادات ليست دائمة التحقق وبنفس معدلات النمو على الدوام، ولكنها تتفاوت من سنة لأخرى.. وبالتالي، تراجع هذه الإيرادات في سنة معينة ليس معناه أن الاقتصاد تعرض لانتكاسة أو أن الأداء الاقتصادي سينتفي أو سيصبح عدماً.
إنها تصورات ليست دقيقة وغير حقيقية بالمرة، فالاقتصاد السعودي كغيره من الاقتصاديات يمر بدورات صعوداً وهبوطاً، ومعرض لبعض الركود في قليل من الفترات كما هو معرض للتوسع والانتعاش في كثير من الأوقات.
أيضاً الأسعار العالمية للنفط وتأثيراتها على الإيرادات الحكومية المحلية، هناك تهويل كبير ومبالغات ومغالطات تكتنف الكثير من التقارير والتحليلات حولها، من أهمها ما يلي:
أولاً: توجد كثير من الدول المصدرة للنفط وتعتمد اقتصاداتها على إيراداته بشكل مباشر، وميزانياتها المالية مرتكزة عليه بشكل أكبر من المملكة، ورغم أن تراجع الأسعار يصيبها ويصيب ميزانياتها كما يصيب المملكة الآن، إلا أننا لم نشهد مبالغات في التأثيرات السلبية المحتملة عليها كما نشهده حالياً في الاقتصاد السعودي.
ثانياً: الأسعار العالمية للنفط وارتفاعها إلى مستوى 100 دولار للبرميل إنما هو أمر حديث عهد بالسوق العالمي، ولم يبدأ سوى من عام 2011م وحتى 2014م (حدث ارتفاع مؤقت في 2008م) .. وبالتالي، فإن الاقتصاد السعودي معتاد على مستويات أسعار أقل للنفط، كانت تتراوح في المتوسط عند 25 دولاراً خلال التسعينات، ومستويات 40 دولاراً للبرميل خلال فترة (2000-2004م)، ثم صعد إلى 70 دولاراً للبرميل خلال الفترة (2005-2007م) .. ومن ثم، فإن مستويات الأسعار التي تزيد عن 100 دولار حديثة العهد بالاقتصادي السعودي، وهو لم يعتد عليها، ولا يوجد أي مدعاة للخوف حال النزول عنها.
ثالثاً: البعض يتحدث عن أن الانفاق الحكومي بالمملكة اعتاد على مستويات إيرادات نفطية مرتفعة، وهذا أيضاً غير صحيح، لأن تقديرات الإيرادات الحكومية بالمملكة كانت دائماً تنتهج أسلوب التحفظ، وأعلى مستويات تقديرها للأسعار العالمية للنفط لم تتجاوز 75 دولاراً للبرميل.
رابعاً: هناك تقليل من شأن الإنجازات الصناعية التي أحرزتها الصناعة السعودية غير النفطية، حتى رغم مساهمتها بشكل ملحوظ في الناتج المحلي الإجمالي والصادرات.
خامساً: آخر الاحصاءات تشير إلى أن المملكة تصدر حوالي 153 مليار دولار تحويلات مالية للعمال الوافدين لديها، وهو تحويل صاف يحدث سنوياً للخارج، فهل يضيرها كثيراً أن تحقق عجزاً مالياً بنحو 50 أو حتى 100 مليار دولار.
سادساً: التراجع لا يعني مرحلة النهاية لأسعار النفط، وإنما هي دورة من دورات حياته، حسب قوى العرض والطلب، بل وحسب دورة حياة المنتجات البديلة للنفط، وكلاها لا تنطوي على حالة من التأكد بوجود بدائل حقيقية للنفط حتى الآن.
سابعاً: الأمر المستغرب أن منظمات دولية مثل صندوق النقد الدولي، باتت تفاجئنا دوريا بتقارير متشائمة عن الاقتصاد السعودي، تكون في كثير من الأحيان عبارة عن آراء أو تحليلات فردية لا تعتمد على أدلة أو براهين واضحة، وهي في نفس الوقت تتبنى تحليلات متفائلة للغاية لكثير من الاقتصاديات الغربية ارتكازاً على توقعات نفسية للمستثمرين.
ثامناً: الكثيرون لا يزالون يتبنون فرضية الدخل الدائم واسقاطها على الاقتصادات الخليجية.. وبناء عليها يفترضون أن هذه الاقتصاديات سوف تواجه واقعاً مظلماً حال غياب هذا الدخل الدائم، رغم أن الإمارات على سبيل المثال تمتلك مقومات مركز تجاري خارج نطاق الدخل النفطي الدائم، في المقابل تمتلك المملكة مقومات وثروات تعدينية وكيماوية بعيدة عن السياق النفطي، فضلا عن أنها تمتلك مقومات قطاع سياحي (السياحة الدينية) تعتبره كثير من التقارير الاقتصادية أنه كاف لقيادة دورة اقتصادية منفردة بالسوق المحلي.
تاسعاً: إن الحديث عن الإصلاحات المالية والاقتصادية بالمملكة أيضاً هو حديث مبالغ فيه، لأن السياسة المالية والنقدية بالمملكة مستقرة، وليس معنى حدوث نقص في الإيرادات المالية أن المنظومة ككل غير مستقرة.
عاشراً: في معظم حالات الدول لم يقترن الحديث عن عجز مالي بالحديث عن إصلاحات مالية، فالعجز لا يحتم ضرورة عدم الاستقرار أو يؤكد الحاجة للإصلاح .. فالحاجة للإصلاح هي حاجة للتحسين وليست قرينة بوجود العجز.