عبدالله بن محمد الخضيري ">
الحمد لله القائل في محكم التنزيل {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (البقرة 189).. الذي جعل علماء الأمة ورثة الأنبياء ليقوموا بتبليغ شريعة الإسلام وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وبيانها عصراً بعد عصر وجيلاً بعد جيل حتى تسلك الأمة المسلك القويم في دينها.
والهلال اسم لما يستهل به الناس من الشهر لما اشتهر بينهم وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية أن الهلال اسم لما يستهل به الناس من الشهر لما اشتهر بينهم، والشرع بين الحكم بدخول الشهر على الرؤية للهلال قال الله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (البقرة 185)، وقال صلى الله عليه وسلم لا تصوموا حتى تروا الهلال...» الحديث، علماً بأنه كان قبل بعثة الرسول -صلى الله عليه وسلم- تقاويم تقوم على الحساب بالنسبة للقمر وكان اليوم يبدأ من الصباح. لهذا أجمع العلماء على أن الحكم متعلق بالرؤية، ولا يعتمد على الحساب الفلكي فيها ومن قال إن الحساب بقول إنه معمول به دون الرؤية فقد خالف شرع الله وأحدث ما لم يأذن به الله وخالف إجماع أهل العلم.
وأما ما يستدل به البعض على العمل بالحساب عند تعذر الرؤية بحديث «فإن غم عليكم فاقدروا له» وقالوا إنه مأخوذ من التقدير وهو الحساب فهو مجانب للصواب حيث إن التفسير للحديث هو إكمال شعبان ثلاثين يوماً.
وبعد الاطلاع على ما كتب في صحيفة اليوم السابع المصرية الصادرة بتاريخ 29 سبتمبر 2015م بعنوان: «علماء فلك: السعودية أخطات رصد هلال شهر ذي الحجة ومصر أصابت». نقول إن المقال لا يحمل أي أسماء لعلماء فلك إلا أ. د. مسلم شلتوت، وهو من نخبة علماء الفلك المميزين في العالم الإسلامي لما يتمتع به من علم في مجال الفلك ونستغرب من عالم فذ ما تعجل به ورمى التخطئة على السعودية وهو يعلم أن هناك فرقاً بين الحسابات الفلكية والرؤية الشرعية في دخول شهر ذي الحجة خاصة هذا العام، والحسابات الفلكية مفادها أن الاقتران المركزي حدث الساعة 9:41 دقيقة صباحاً وأن غروب القمر في المملكة العربية السعودية بعد غروب الشمس بمدد مختلفة في يوم الترائي 29-11-1436هـ. وكون المملكة تعتمد على الرؤية الشرعية للهلال دون الاعتماد على الحساب في دخول الشهر إتباعاً لسنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- حيث أعلنت المحكمة العليا عدم ثبوت هلال شهر ذي الحجة يوم الترائي الموافق يوم الأحد 29-11-1436هـ الموافق 13-9-2015م الذي استطلعت اللجان المشكلة في مختلف مناطق المملكة الهلال مساء يوم الأحد ولم تثبت الرؤية بسبب أنه غم مساء ذلك اليوم بغيوم وقتر (غبار) شديد في جميع المناطق ومهما كان مكث الهلال بعد غروب الشمس وقد غم على الناس، فالمعتبر شرعاً هو إكمال عدة الشهر ليكون 30 يوماً إستناداً إلى قوله -صلى الله عليه وسلم-: «فإن غم عليكم فأتموا عدة شعبان.......» الحديث.
لكن فيما يظهر إن الدكتور مسلم شلتوت يجهل الأمور الشرعية وينبغي أن يسأل ويبحث في المسألة كونه عالم ضليع في الفلك، والأمر الذي يزيد في الاستغراب هو الاستشهاد بالخسوف الذي حدث فجر الاثنين 14-12-1436هـ الموافق 28-9-2015م الساعة الرابعة وسبع دقائق والذي يكون فيه القمر في أقرب نقطة للأرض «الحضيض» وهو الذي ميز هذا الخسوف عن غيره. ومن شروط خسوف القمر أن يكون متوسط المسافة بين نقطة الصعود والقمر بين (166.1- 180) درجة أي أن الإستطالة تتراوح بين 180 درجة أو 166.1 درجة. وكانت زاوية الاستطالة في هذا اليوم 177 درجة تقريباً.
لكن لا علاقة لدخول الشهر الشرعي والخسوف فمن المعلوم أن القمر لا ينخسف إلا في ليال الإبدار (الاستقبال) وهي ثلاثة أيام 13، 14، 15 على أن ينتهي الخسوف في مراحله الأخيرة قبل الوقت الذي حدث فيه اقتران الشهر المركزي الذي وقع فيه الخسوف ولو تتبعنا الخسوف لوجدنا بعضه يحدث ليلة 14 وهو الأكثر والأطول ويمتد إلى صبيحة الخامس عشر كالذي حدث في يوم الاثنين الرابع عشر شرعاً والخامس عشر فلكياً.. بل إن ظاهرة الخسوف في ليال غير ليلة 14 حدثت كثيراً وتمتلئ بها التقاويم؛ ومن الثابت علمياً أنه لا يعتد بها في إثبات أو نفي دخول الشهر الهجري إذ إنها تحدث في ليال الإبدار وهي ليال 13 و14 و15.
وفيما يلي بعض النماذج لذلك وفق الجدول التالي لحدوث ظاهرة الخسوف في ليال الاستقبال (الإبدار) .. طالع الجدول المرفقز
مع ملاحظة أن خسوف يوم 9-11-2003م يوافق 15 رمضان 1424هـ وفقاً لبيان دخول شهر رمضان الصادر عن مرصد حلوان ذلك العام.
ما نود أن نوضحه لسعادة الدكتور أن الخسوف يحدث علمياً في ليال الإبدار وليس هناك خطأ في دخول شهر ذي الحجة بالمملكة كما ذكره في تصريحاته للصحيفة المذكورة. ولا يخفى على أمثال الدكتور مسلم شلتوت أن أطوار القمر تحسب من تخطيه مرحلة الاقتران المركزي.. فكل دورة تزيد مساحة الإضاءة لسطح القمر (سمك الهلال) وعمره، والخسوف الحاصل يوم الاثنين انتهي قبل دخول القمر في مرحلة طور جديد لأنه انتهى قبل تخطيه وقت الاقتران السطحي، أي أن الخسوف حدث في آخر طور الرابع عشر لذا لا يعتد به ولا يحتج به. وفي جداول الخسوف التي تمت الإشارة إلى بعض الخسوفات المختلفة الكثير من مشابهات هذا الحدث وإن اختلفت في التنقل في الشهور.
واعتماد المملكة على رؤية الهلال بالعين المجردة أو بالأجهزة البصرية أو بدونها ليس إخفاقاً في رؤية الهلال إنما هو اتباع لسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا ابتداع كما يظنه الدكتور مسلم.
الأمر الآخر إن الهلال لم يتم رؤيته وهو موجود وهذا أمر طبيعي عندما يحول دونه حائل كما حصل في دخول شهر ذي الحجة لهذا العام. لكن كنا نتمنى من البروفيسور مسلم أن يرد على من يقرّون وجود الهلال بعد غروب الشمس يوم الترائي وينكرون رؤيته ويكتبون في جميع المواقع استحالة الرؤية حتى مخالفتهم لمرصد حلوان الذي يتم فيه رصد الأشهر القمرية.
والأجدر أن يكون الرد موجه لهم لا للمملكة، ثم يقول من ناحية أخرى أن الدكتور مسلم يطالب المملكة بحسم الأمر وتسليم الأمر إلى أهل الفلك وتلتزم بالتوحيد متناسياً أن فريق من الفلكيين ينكر رؤية مرصد حلوان وغيرها في ذات الشهر وغيره. ولا يخفى على سعادة الدكتور بأن المملكة اعتمدت تقويم أم القرى الذي يشرف عليه نخبة من علماء الفلك المميزين. ويشارك في رصد الهلال لكل شهر مجموعة من الفلكيين بمدينة الملك عبدالعزيز مع اللجان المشكلة.
وذكر أخيراً أن العديد من علماء الفلك العرب أصدروا بيانات يستنكرون فيها ما وصفوه باستمرار تجاهل مجلس القضاء الأعلى في السعودية للحقائق العلمية. لذا أقول بأن مجلس القضاء الأعلى ليس له علاقة والأمر يخص المحكمة العليا، والأمر الآخر أي حقائق علمية هل هي التي تقول استحالة الرؤية أم ما تقوله أنت فقط ولذا ينبغي على كل عالم في الفلك أن يكون لديه علم بما يخص الأمور الشرعية حتى لا يكون حكمه جزافاً وأعتقد أن رأي الدكتور مسلم شلتوت يخصه فقط.
وقد ردت دار الافتاء المصرية عليه بما نصه (فرض الله تعالى العبادات على خلقه، وجعل منها بعض الأنواع -فرائض كانت أم نوافل- مقيدة بوقت معين، وذلك كمواقيت الصلاة. قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} «النساء: 103». وكذلك الصيام: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} «البقرة: 185». والحج قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِي مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} «البقرة: 189». وجعل ركن الحج الأعظم الوقوف بعرفة. قال سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الْحجُ عَرَفَةُ). وبيّن صلى الله عليه وسلم بأن عيد الأضحى يأتي عقب وقوف الحجاج بعرفة، ولا يتحدد يوم عرفة وهو التاسع من ذي الحجة ويوم الأضحى إلا برؤية الهلال في أول الشهر كما علمنا صلى الله عليه وسلم، وعرفة هذه جبل في أرض مكة يقف عليه الحجاج، وعليه فإن المرجع في إعلان وتحديد يوم عرفة وعيد الأضحى إنما هو رؤية أم القرى. وعليه لا يجوز لأي بلد إسلامي تحديد يوم عرفة وعيد الأضحى حسب رؤيتها للهلال إذا كان مخالفاً لما عليه دولة السعودية، وإلا أدى ذلك إلى اختلاف الأمة وشتات ذهن حجاج بيت الله الحرام.
وفق الله الجميع لكل خير ودلهم عليه، هذا ما أحببت أن نبينه لسعادة الدكتور مسلم شلتوت -وفقه الله-.
* مدير المرصد الفلكي بجامعة المجمعة