جاسر عبدالعزيز الجاسر
الذين يجيدون قراءة الجسد تمعنوا كثيراً في حركات بشار الأسد وهو واقف بين يدي «سيده فلاديمير بوتين».. القراءة أظهرت بشار الأسد مذعوراً وهو يدخل قاعة الاجتماع، لفت انتباههم إحمرار أذنيه وتقلبهما، وعدم استقرار نظراته التي كانت زائغة وتتنقل باستمرار، ولاحظوا أيضاً تململاً في الجلوس وحركات يديه وهو يقدم الشكر في خطابه أمام الرئيس الروسي؛ وكان يتعجل انتهاء المترجم ليتابع فقرات خطابه وكأنه ملاحق، وهو ما لم يعتده بشار الأسد الذي يتلبس في خطاباته ثوب المفكر والمنظر حتى أمام ممن يفوقونه علماً وسناً وتجربة.
أمام الكرملين عاد لحجمه الطبيعي وانكمش كتلميذ مذنب أمام مدرسه الذي استداعه ليؤنبه. القراءة مطابقة جداً لحالة بشار الأسد الذي استدعي لموسكو على عجل، وأمّن له الروس طائرة تقله تحت جنح الظلام ليلتقي بوتين ويعود إلى مخبئه في دمشق.
وقد لاحظ المتابعون لهذه الزيارة أنها اقتصرت على مقابلة بوتين الذي جمع رئيس وزرائه ووزراء الخارجية والدفاع والمكلف بالملف السوري، وبعد تلك المقابلة، عجل بشار الأسد في العودة.. أو لنقل أعاده الروس بعد أن أبلغوه شخصياً ما يريدون منه.
والآن ماذا كان الروس يريدون من بشار الأسد؟.. كلام بشار الأسد وهو يشكر بوتين تضمن إشارات، منها قوله: إن أي عمل عسكري لابد أن يتبعه عمل سياسي. وهنا لبس القضية، فالروس استدعوه ليبلغوه بما آلت إليه المباحثات وما سوف تنتهي المفاوضات التي وإن حورت بعض الشيء إلا أن الجوهر بقي ثابتاً، وهو التخلص منه بعد أن أصبح عبئاً حتى على الروس الذين لا يهمهم مَن يحكم سورية بقدر أن تكون مصالحها محافظ عليها، وأن تكون أمريكا وحدها الآمر الناهي.. كما أن ليس من مصلحة روسيا أن تؤول سوريا إلى إيران وتصبح مستعمرة إيرانية تحكم بأساليب عفا عليها الزمن وتغير الوضع الديمغرافي في البلد، وتفرض واقعاً سياسياً يخل بالتوازن الإقليمي في المنطقة.
فروسيا لا يمكنها أن تمهد الأرض لحكم متخلف يتعارض إيدولوجياً مع فلسفة موسكو في الحكم ويؤجج التطرف الذي يهدد حدودها ويثير الفوضى داخل جمهورية الاتحاد الروسي، التي تضم أكثر من 25 مليون مسلم، جميعهم ضد توجهات إيران الخمينية.
إضافة إلى كل ذلك وردت إشارات عديدة توحي بتوصل الأطراف الدولية والإقليمية عن تسوية تتيح التخلص من بشار الأسد في الأشهر القادمة.. فتركيا أعلنت على لسان رئيس حكومتها أحمد آغلو موافقتها على إعطاء فسحة من الوقت قد تصل إلى ستة أشهر للتخلص من بشار الأسد، وأن هذه الأشهر ستكون فترة انتقالية تمهد لتشكيل إدارة تضم جميع الأطراف السورية لإدارة شئون سورية على أن يظل بشار الأسد رئيساً برتكولياً، وهذا الحل تم تداوله حتى في روسيا بعد أن بدأ الحديث عنه في واشنطن وبارس.. وأول من ذكره علناً المستشارة الألمانية التي قالت إن الغرب لا يمانع من إبقاء بشار الأسد لفترة، يتم بعدها تشكيل إدارة من المعارضة ومن الشخصيات المحسوبة على النظام وتنشط هذه الأيام مباحثات مكثفة لإخراج هذا الحل، ومنها اجتماع فيينا المرتقب الذي سيضم أمريكا وروسيا والمملكة العربية السعودية مع استبعاد إيران التي تعدها أطراف إقليمية ودولية بأنها جزء من المشكلة وليس من الحل.
إذن وحسب هذه المعطيات فإن الروس أبلغوا بشار الأسد بأن يكون مستعداً للتعاون مع هذا الحل، وأن رحلته القادمةستكون للإقامة الدائمة وليست زيارة خاطفة.