عسل بطعم الحنظل ">
يعمل في مؤسسة حكومية وفي الإدارة العليا سكرتيرا لرئيسها وهذا يتطلب الانضباط والدقة والأمانة والكتمان هو منصب الكل يحلم به والوصول إليه، فكونك سكرتيراولدى رئيس الدائرة الكل يغبطك وربما يحسدك ظل يؤدي عمله بكل حب وانضباط وإتقان ويحلم في المراتب العليا وأن يكون في يوم من الأيام مديرا عاما للمكتب.
لكن وكما نعلم فإن النفس أمارة بالسوء، ففي هذه الإدارة أو الدائرة أو المؤسسة الحكومية والخدمية من يأتي لينهي أمورا ومصالح ومنهم من يأتي للسلام ومنهم من تكون له مصلحة فيقدم قبل طلبها عربون محبة ومنهم من يقدم العربون دون مصلحة بل محبة لهذا المسؤول.
ففي أحد الأيام قدم أحد الأشخاص للسلام على المسؤول لكنه لم يجده وعندما هم بالانصراف قدم للسكرتير زجاجتين تحويان العسل الذي تشتهر به إحدى المناطق، وطلب من السكرتير أن يسلمهما مع خطاب لرئيسه في حال عودته إلى مكتبه.
هذا السكرتير قسم ما قدمه له الضيف إلى قسمين حيث قرر أن يسلم الخطاب للمسئول ويحتفظ بالعسل لنفسه، وطبعا لكونه لم يقرأ ما بداخل الخطاب ولا يعلم ماذا يحوي أخذ العسل للمنزل واستمتع به مع أسرته موهما إياهم بأنه جاءه هدية من شخص عزيز، فقد كان نوعية نادرة وعسلا صافيا نقيا.
في اليوم التالي حضر المسئول إلى مقر عمله ووجد الخطاب مع جملة من الخطابات، إلا أنه وبعد الانتهاء من قراءة خطاب الضيف الذي لم يواجهه بالأمس رن الجرس مستدعيا السكرتير الذي كان ما زال يستمتع بطعم العسل اللذيذ، حيث سأله رئيسه: أين الحاجيات التي كانت مع الخطاب؟ فرد السكرتير بحرج: لم يعطني شيئا غير الخطاب.
كرر عليه الرئيس السؤال وهو مستمر في الإنكار وبإصرار هنا تناول الرئيس الخطاب وأعطاه إياه وقال اقرأ الخطاب لتعرف الحاجات المرفقة مع الخطاب، وعندما قرأ الخطاب لم يتفوه بأية كلمة..
سأله الرئيس: هل تذكرت الحاجات المرفقة؟ أين العسل؟ لم يجد السكرتير بداً من أن يصارح رئيسه، فقال: أخذته للبيت.. سأله الرئيس لماذا أخذته؟ هل قال لك أن العسل والخطاب للرئيس؟ أم قال أعطها للرئيس كلها؟.. هنا سكت ولم يستطع النطق أو النظر لوجه الرئيس هنا سكت الرئيس قليلا ثم قال له: انصرف.. يكون خير..
السكرتير خرج يلوم ويعاتب نفسه لماذا فعلت هذا لكن هيهات أن يفيد الندم أو يصلح الخطأ الذي ارتكبه، فهو قد خان الأمانة، وقبل نهاية دوام ذلك اليوم كان قرار نقله قد صدر حيث اكتفى الرئيس بنقله دون أية عقاب لآخر ليتحول طعم العسل اللذيذ إلى ما يشبه طعم الحنظل والعلقم في ريقه، ليتعلم درسا صار يعلمه للآخرين أن الأمانة كبيرة وصعبة، ويجب على الإنسان أن يحافظ عليها في كل شؤون حياته.
محمد عبدالعزيز اليحيا
Mhd1999@hotmail.com*