«علاقتي بالتراث كانت إحدى أهم نقاط التحول في حياتي، لأنها علاقة بالثقافة وبالوطن بأرضه وناسه وتاريخه»، هذه المقولة للأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في كتابه (سيرة في التراث العمراني)، ويقول «أن التراث يتوافق مع تكوين الإنسان»، واصفاً التراث العمراني بأنه «فلسفة حياة»، مثل هذه العبارات لا يمكن أن تتجاوزها دون التوقف أمامها وتحليلها ومراجعة أبعادها ودوافعها، ترى ما الذي يقود شخصية مجتمعية محترفة ذات تجارب وخبرات متعددة ومتنوعة وثرية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي لربط جزء من التحول في حياته وفيما يحمله من قيم إنسانية وحضارية بتراثه الوطني؟
في عام 1989م بعث الأمير تشارلز أمير ويلز وولي عهد المملكة المتحدة إلى الأمير سلطان بن سلمان رسالة يقول فيها: «إني أعرب عن اهتمامي الكبير بأفكارك المتعلقة بالفن المعماري، آملا أن تكلل مساعيك بالنجاح لإحداث التغييرات التي ترغب فيها، ومن وجهة نظري فإن على المرء أن يتحلى بالصبر الطويل في مثل هذه الأمور»، وحتماً كان الأمير تشارلز يعي تماماً مستوى التحدي في صناعة التغيير نحو اهتمام الناس بالتراث العمراني، لذلك كان التركيز على القيم السلوكية ومفهوم البيئة التراثية العمرانية المتكاملة في سيرة الأمير سلطان بن سلمان مع التراث العمراني قبل نشأة العمل المؤسسي في هذا الحقل مدخلاً رئيساً لخوض غمار ذلك التغيير المرتقب في بدايات مبكرة.
ثمة علاقة من نوع آخر بين الإنسان والمكان، حيث يبرز السؤال الأكثر جدلية، إلى أي مدى تؤمن مجتمعاتنا بأن العناية بالتراث الوطني بكل مقوماته هي المعادلة الأكثر فاعلية لتحقيق مستوى عال من «التحضر» وبناء بيئة عمرانية ومجتمعية صالحة للعيش وتتوفر بها مقومات الحياة؟ إنها علاقة تبادلية وتكاملية ولكنها معقدة وتحتاج إلى مزيد من النضال، فالأمم المتحضرة تعتني بالتراث كمسئولية حضارية من جانب، ومن جانب آخر ترى أن هذا الاهتمام هو أسلوب أمثل نحو بقائها في دائرة العالم الأول.
إن المضي نحو إيجاد مجتمع حضري متطور دون الأخذ بالاعتبار الدور الرئيس لتنمية البيئات العمرانية التراثية يمثل مجازفة كبيرة، فاستقراء تاريخ نشأة الحضارات على مر العصور، وما ارتبط بها من تقدم وازدهار في كافة علوم الحياة، يؤكد أننا بحاجة لاستثمار ذلك الحراك المبكر حول العلاقة بين المستوى الحضاري لأي مجتمع وقدر الاهتمام الذي يوليه بتراثه الوطني، وذلك من خلال الإعلان عن برنامج عمل تنفيذي فاعل يتضمن حزمة من المبادرات تشترك فيها كافة قطاعات وشرائح المجتمع المدني يعنى بنشر الوعي الحضري بالتراث الوطني كمكوّن أساسي في بناء منظومة الحضارة بكل مقوماتها، ويمثل مسار «التوعية والتعريف» ببرنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري، والذي تحتضنه الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، نواة مؤسسية رئيسة يمكن الانطلاق من خلالها عبر شراكات فاعلة تؤسس لمرحلة جديدة لتعزيز الأبعاد والقيم الإنسانية لدى أفراد كافة شرائح المجتمع بما يمكننا من جعل المدن تراثاً ثقافياً حيّاً قادرا على صناعة التغيير والتطوير نحو تحقيق المفهوم الشامل للبيئة العمرانية التراثية المتكاملة.
المهندس بدر بن ناصر الحمدان - متخصص في التخطيط والتصميم العمراني وإدارة المدن