كيف نعزز حبّ التراث والانتماء له لدى النشء؟ ">
يمثل التراث الوطني بكل مكوناته من تراث عمراني وآثار وحرف يدوية وغيرها سجلاً حياً لتاريخ وطننا وحضاراته السابقة، كما أنه يمثل شاهداً على إسهامات أجدادنا في تأسيس هذا الكيان، إضافة إلى أنه يجسد عادات أجدادنا وأسلوب حياتهم. وتهتم الدول المتحضرة في هذا العصر بتاريخها وتراثها الذي تعتبره مصدر اعتزاز وفخر فمن لا ماضي له لا حاضر له، وبات الاهتمام بالتراث من ملامح التحضر والثقافة والتطور. ولزرع جيل يهتم بهذا لتراث ويطوره في المستقبل، فلابد من ترسيخ حب التراث والاهتمام به لدى الجيل الجديد، فكيف نعزز حب التراث لدى النشء والانتماء له وما هي الجهود التي تبذل في هذا المجال؟.
مناهج خاصة بالتراث
في البداية يرى الدكتور سمير زهر الليالي وكيل كلية العمارة والتخطيط للدراسات العليا والبحث العلمي في جامعة الملك فيصل، أن معظم المدارس تهتم بتنظيم رحلات ترفيهية للملاهي والمحلات التجارية، ويهملون الرحلات الهادفة مثل زيارة المتاحف والأماكن الأثرية التي تعود بالفائدة على الطلاب. وشدد على ضرورة الاهتمام بهذا الجانب لأن «مثل هذه الزيارات تربط هذا الجيل بالماضي». وطالب الجهات المعنية مثل الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بعمل نشرات توعوية تبرز الأماكن الأثرية، وتنظيم مسابقات خاصة لطلاب المدارس والجامعات حول تصوير المواقع الأثرية، بهدف تشجيعهم على زيارة تلك الأماكن والتعرف عليها. وأكد أن إدخال مناهج خاصة بالمتاحف والآثار والتراث أصبح مطلوباً بشدة في الوقت الحالي، الذي يشهد اهتماماً كبيراً بهذا القطاع.
عودة ملحوظة للاهتمام بالتراث
وتؤكد الأستاذة فوزية الشبانة مديرة المدرسة الابتدائية 225 بالرياض أن الحاجة باتت ملحة لتعزيز حب التراث لدى الطلبة والطالبات من خلال الأنشطة المدرسية والرحلات والمسابقات وغيرها، مشيرة إلى أنها لمست لدى الطالبات حباً للتراث من خلال التعلق بالملابس التراثية وزيارة المتاحف والمواقع التراثية خاصة إذا ما صاحب هذه الرحلات والأنشطة شرح عن أهمية تراثنا الذي هو سجل حي لتاريخنا وتاريخ أجدادنا.
وأشارت الشبانة إلى أن الفترة الأخيرة شهدت عودة ملحوظة للاهتمام بالتراث وخاصة مع تبني عدد من الجهات الحكومية وعلى رأسها هيئة السياحة والتراث الوطني مشروعات لتأهيل المباني التاريخية، وهو ما أنتج افتتاح عدد من المواقع والقصور التاريخية التي كانت في السابق مهجورة وخربة وهذا ما شجع المدارس لتشجيع الطلبة لزيارتها. وطالبت الشبانة بمزيد من الاهتمام من المدارس والهيئات التعليمية والبيوت لتعليم أبنائهم حب التراث والعادات والقصص التراثية وزيارة المواقع والمباني التراثية التي شهدت تأسيس بلادنا وقيامها. واقترحت عمل برامج توعوية وإنشاء مواقع على الإنترنت تكون مخصصة للتراث، وعمل مسابقات للرسم وتصوير المواقع الأثرية للطلاب في جميع المراحل لربطهم بهذه المواقع، مشيرة إلى أن أهمية تحبيب الأطفال والشباب في التراث من خلال الملابس التراثية والألعاب التراثية، وغيرها مما نشاهده في الفعاليات والمهرجانات التراثية.. وقالت: إن الرحلات المدرسية لا تكفي ما لم تصاحب بأنشطة تعليمية ومناهج تعزز هذه الثقافة لدى الطلبة والطالبات.
مواقع جاهزة للزيارة
وبدوره يرى متعب آل محمود (صاحب مؤسسة لتنظيم الرحلات السياحية) أن الرحلات السياحية المتكاملة التي يكون فيها مرشد سياحي وتكون منظمة وموجهة لمواقع جذابة للنشء تكون آثارها الإيجابية كبيرة، مشيراً إلى أن بلادنا تزخر بمواقع تاريخية جميلة وجاهزة للزيارة خاصة مع مشروعات الترميم التي تقوم بها هيئة السياحة والتراث الوطني ووزارة الشئون البلدية والقروية، وأبلغ تأثير للنشء هو أن يزور هذه المواقع ويعيش أجواءها ويتعرف على المعلومات المتعلقة بها، فالاطلاع على المواقع في الكتب لا تكفي ما لم تدعم بزيارتها.
وأشار إلى أن زيارة الآباء مع أبنائهم لهذه المواقع وخاصة القرى التراثية التي عاش فيها هؤلاء الآباء وذكر قصص وتاريخ هذه المواقع هي من الأشياء المهمة التي تحبب التراث لدى النشء وتسهم في تعلقه بها. وأضاف: للأسف انتشرت في الماضي القريب نظرة قاصرة تجاه التراث وخاصة في أوساط جيلنا فصرنا نهجر البلدات والبيوت الطينية ونزدريها، ولكن الآن النظرة تغيرت مع ما أصبحنا نشاهده من حراك في هذا المجال يقوده الأمير سلطان بن سلمان، ولذا فإن على الأسرة والمجتمع مسؤولية مساندة هذا الحراك بتعزيز حب التراث والاعتزاز به لدى النشء سواء من خلال الوسائل التعليمية أو الإعلامية أو الثقافية وغيرها. وقال إنه بحكم عمله في السابق كمرشد سياحي لمس اهتماماً لدى الجاليات الغربية بالتراث أكثر من المواطنين إلا أن النظرة بدأت تتغير وبدأ الكثير من المواطنين يزورون المواقع التراثية.
عيش السعودية
من جهته أوضح الأستاذ عبدالله المرشد مدير عام البرامج السياحية بالهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني أن الهيئة اهتمت بربط النشء بتاريخ وتراث وطنهم من خلال عدد من البرامج والأنشطة التي كان من أبرزها برنامج التربية السياحية المدرسية (ابتسم) الذي نفذته الهيئة بالتعاون مع وزارة التعليم خلال السنوات الماضية وتم خلاله تنظيم رحلات للطلاب لمئات المواقع التراثية، إضافة إلى عدد من الأنشطة والبرامج التثقيفية والإعلامية. وأضاف: إن الهيئة عملت على تنظيم عدد من المهرجانات التراثية السنوية في مناطق المملكة وإقامتها في المواقع التراثية، وتشمل فعاليات وألعاب تراثية تعرف النشء بعادات الأجداد وتحببهم في التراث ومواقع التراث، حيث تحظى هذه المهرجانات بإقبال كبير من المواطنين.
وأكد أن من أهم البرامج التي بدأت الهيئة في تنفيذها في هذا الجانب هو برنامج (عيش السعودية) والذي يمثل برنامجاً وطنياً هاماً يجول بالنشء في مناطق المملكة والمواقع التي انطلقت منها الوحدة الوطنية، ليتعرفوا على تراث وطنهم ومعالمه التاريخية والحضارية والسياحية، وليتعايشوا مع هذه المواقع ويتفاعلوا معها لا أن يقرأوا عنها في الكتب فقط -كما قال سمو رئيس الهيئة- بالإضافة إلى تعريف الشباب عن قرب على تراث وطنهم الحضاري والذي تعبر عنه المواقع التاريخية والأثرية والحضارية والحياة الاجتماعية والثقافات المتنوعة التي تميز كل منطقة من مناطق المملكة. مشيراً إلى أنه تشارك الهيئة في تنفيذ البرنامج كل من: إمارات ومجالس التنمية السياحية في المناطق، ووزارة التعليم، والرئاسة العامة لرعاية الشباب، ووزارة الثقافة والإعلام، ودارة الملك عبدالعزيز، وشركة أرامكو السعودية، والخطوط الجوية السعودية، وشركة ناس، وشركة الاتصالات السعودية.
وأضاف: يستهدف البرنامج في مرحلته الأولى تمكين مليون طالب من زيارة مواقع في أرجاء الوطن لتعزيز الانتماء لوطنهم، والاعتزاز بتاريخه ومكوناته، ويشمل البرنامج في مرحلته الأولى فئة الشباب وبخاصة طلاب المدارس الثانوية والجامعات، ويشمل الشباب من الجنسين ومن مختلف مناطق ومدن المملكة، ويتم اختيار الشباب المشارك بناء على معايير يتفق عليه مع الشركاء، وسيشمل البرنامج في مراحل لاحقة فئات المجتمع الأخرى.